رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

باسم يوسف.. وتناقضات الشخصية المصرية

كلنا متناقضون بمن فينا باسم يوسف، ومن كان منكم بلا «نقيضة» فليخبرنا في الحال.. فلقد أبكاني باسم يوسف، بالقدر الذي كان يضحكني به في برنامجه، عندما راح يرثي والدته إثر وفاتها منذ نحو الشهرين.. كانت كلماته مؤثرة وأكدت أن بداخل كل منا طفلاً يظهر بشكله الكامل عند الحديث عن الأم..

غير أنه مما أثار انتباهي في الوقت ذاته رجاء بدا غريبا من باسم وهو عدم رغبته فى تغطية حدث وفاة والدته وقبول عزائها من قبل وسائل الإعلام، لما لذلك الموقف من خصوصية يفضل ألا تخدشها وسائل الإعلام وتحولها إلى حدث عام.
وكان مما أثار دهشتي بشكل أكبر ما قرأته فيما بعد عن استعانة باسم يوسف بعدد من «البودي جارد» لمنع الاقتراب من سرادق العزاء وتصويره. لا أدري لماذا بدا باسم حريصا أشد الحرص على عدم انتهاك أحد لحرمة مصابه ولو بالمشاركة الوجدانية؟ بدا لي ذلك موقفا بالغ الغرابة من باسم، فهو الرجل الذي لم يأل جهدا في تناول كل من يشاء بالنقد والسخرية ولم يسلم منه أحد.. يأبي أن يكون هو موضع المتابعة حتى في حادث جلل مثل ذلك الحدث الذي لا يمكن التعامل معه سوى بما يليق به من شعور بالحزن ومساندته ولو بالتعاطف.. فكلنا هذا الرجل.
رحت أسأل نفسي هل هي الطبيعة الإنسانية أم الطبيعة المصرية.. التي تأبي أن تكون محل القيل والقال فيما تسمح لنفسك بأن تخوض في ذات الأمر إذا تعلق بالآخرين؟ وكان مما خلصت إليه أن موقف باسم يمثل قمة التناقض في شخصيته..  بين ما يدعو إليه ويتبناه وبين ما يسلكه على أرض الواقع.
تنامي شعوري بأن ذلك قد لا يكون سوى جانب من طبيعة الشخصية المصرية في ردود الافعال على ما يمكن وصفه بالإصدار الثاني من برنامجه «البرنامج» الأسبوع قبل الماضي الأمر الذي انتهى إلى إيقاف بثه على قناة «سي بي سي» هذا الأسبوع. فباسم لم يأت في هذا الإصدار بجديد ولم يفعل سوى ما كان يفعله في الإصدار الأول وإن خفف من لهجته ولكن في مواجهة ما يمكن وصفه بنظام آخر غير نظام الرئيس المعزول مرسي. غير أن ردود الفعل الرافضة بلغت ذروتها وكانت الحجج كثيرة، على رأسها كم الألفاظ الخارجة التي تتجاوز أخلاقيات الشعب المصري وطبيعته وكأن هذا التوجه جديد في البرنامج.. وإذا كان ما عرض له باسم في تلك الحلقة جارحاً وخارجاً فبماذا يمكن أن نصف ما عرضه في الحلقة التي استضاف فيها الفنانة نيكول سابا، وتم إذاعتها منذ نحو العام.. وغيرها الكثير؟ وهل تهمة  الخروج على الآداب العامة مخزّنة في الأدراج لحين استخدامها ضد باسم وقت اللزوم إذا خرج عن النص الذي نريده كجمهور أو كنظام؟
في موقفنا الأخير من باسم تبدو قمة تناقضنا مع ذواتنا. وكان الأمر يتطلب إذا ما كنا نحرص على أن نبدو متسقين مع أنفسنا إما الإقرار بحرية التعبير دون قيود أو الإقرار بأننا مررنا لباسم ما فات لأنه كان يتسق مع هوانا وليس أخلاقنا وقيمنا!
وإذا كان التأكيد على وجود ضوابط على حرية التعبير يمثل نوعا من التخلف في الفهم، فقد كنت

من بين أولئك حيث انتقدت في وقتها تجاوز باسم ورأيت أن هناك حدودا يجب التزامها في تناول رأس السلطة في مصر أيا كان الجالس على هذا المنصب! وموقفي ما زال كما هو، غير أن الاختلاف هو أنه لم يتغير فيما تغير موقف الكثيرين مائة وثمانين درجة. المشكلة أن البعض يفلسف هذا التغير بدعوى أن باسم كان معه بعض الحق فيما مضى وليس معه الحق الآن! وباسم الذي كان بالأمس القريب فناناً يعبر عن نبض الشعب تحول على لسان هؤلاء بقدرة قادر إلى أراجوز، وسبحان مغير الأحوال.
في إطار التناقض ذاته الذي كشف الجدل حول باسم عن وجوده في الشخصية المصرية كان تبرير قناة «سي بي سي» لقرار وقف البرنامج حيث راحت تشير إلى تبرمها من إقدام يوسف على استخدام ألفاظ أو إيحاءات تستهزئ بمشاعر الشعب، ورموز الدولة المصرية، وكأن إدارة القناة لم تكن تتابع البرنامج الذي تبثه على شاشتها. والرد المنطقي على ذلك هو: المعنى في بطن الشاعر!
السؤال: هل هي بداية النهاية لظاهرة باسم يوسف؟ قد يرى البعض ذلك باعتبار أن باسم لن يجد قناة تقبله. وإذا كان الأمر يتعلق بشروط تجارية وفنية حسب بيان «سي بي سي»، فمن غير المستبعد أن نجد مسرح راديو يكف عن استقبال باسم على خلفية شبيهة؟ هل يلجأ باسم لـ «اليوتيوب» مرة أخرى التي كان منها مولده؟ لو فعل ذلك مرة فلن يفعلها ثانية.. فقد كان اليوتيوب وسيلة وليس غاية.. إلى الشهرة والثروة  من خلال الفضائيات، وإذا حقق له الأولى فلن يحقق له الثانية.
هل يعقل باسم ويغلب براجماتيته التي حاول إظهار جانب بسيط منها في الحلقة الأولى من الإصدار الثاني ولكنه لم يكن جانباً كافياً فيخرج لنا كل ما أوتي به من براجماتية فرضتها عليه تجارب الحياة وشعوره بحرق مراكبه بعد استقالته من كلية  الطب؟ هذا هو الأمر الأكثر احتمالا.. ما يعني أنه علينا أن ننتظر باسم يوسف في حلقة جديدة من برنامج البرنامج ولكن حلقة منزوعة الدسم .. وإن كان ليس أي دسم.. وتلك هي المشكلة! 

[email protected]