رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

حلقوا ذقونهم وارتدوا الجينز!

لم يتركني أصغر أبنائي «9 أعوام» كي ألتقط أنفاسي من عناء الطريق بعد يوم عمل شاق وأصر على أن يستبق أي راحة لي بالإشارة إلى أن صاحب محل البقالة الذي نقضي منه احتياجاتنا قد غير مظهره. وعندما سألته: كيف؟ راح يذكر لي أنه حلق لحيته.. ليس ذلك فقط بل شاربه أيضا، وأن الأمر لم يقتصر على اللحية والشارب وإنما امتد للجلباب حيث استبدله صاحبنا بقميص وبنطلون جينز!

على طريقة قصص المغامرات سألني ابني هل وراء الأمر شىء؟ وراح يجيب أن صاحب السوبر ماركت الذي يحمل اسم أحد الأماكن المقدسة ربما يختبئ من جرم ارتكبه وأنه قد يكون نموذجاً آخر لعبدالله أبو الحجاج نجل عبد الحميد البكري في مسلسل العراف لعادل إمام في تهريب السلاح. رحت أطرد عن ابني هذه المغامرات وأدعوه للتخلي عن سيناريوهات المسلسلات العربية والأفلام الأجنبية التي يشاهدها طوال الوقت حتى لا نظلم الرجل كثيرا.
تذكرت حينذاك ما كتبه الأستاذ إبراهيم سعدة منذ اكثر من 32 عاما في «أخبار اليوم» تحت عنوان مشابه تقريبا «حلقوا ذقونهم وارتدوا الجينز» إثر قرارات 5 سبتمبر عام 1981 والتي اعتقل خلالها الرئيس الراحل السادات أكثر من 1500 رمز من مختلف رموز القوي السياسية المصرية ضمت مختلف أطياف المصريين بمن فيهم زعيم الوفد الراحل فؤاد سراج الدين وحسنين هيكل وميلاد حنا والبابا شنودة وغيرهم كثير إلى جانب العديد من الرموز الإسلامية المعارضة لحكمه وكانت هذه الأخيرة - الجماعات الدينية - هي المقصد الأساسي في ضوء التصادم معها بعد شهر عسل طويل استمر أغلب فترة حكم السادات.
وقتها – وقد كنت طالبا في بداية مرحلة التعليم الجامعي – بدأت مساع محمومة من قبل أعداد كبيرة من الإسلاميين في التنكر أو تجاوز المرحلة بحلق اللحى وتغيير مظهرهم في محاولة لتجنب الاعتقال.. وهي العملية التي زادت إثر اغتيال السادات بعد نحو الشهر فقط مما يمكن وصفه بأحداث سبتمبر المصرية.
على غرار ما جرى آنذاك يبدو أن هناك حالة هجرة من المظهر الإسلامي في ضوء ما يراه البعض حملة تدعو لموقف حازم من الإخوان على نحو تجرى محاولة تصويره على أنها حملة على من يعلنون التزامهم بالإسلام في مظهرهم. دفع ذلك أحد المتاجر الكبرى التي تحمل علامة تجارية من بينها كلمة «إخوان» إلى تغيير اسمها تماما ووضع علامة تجارية جديدة تجنبا لأي تداعيات تنجم عن العلامة القديمة.  
حين تحدثت إلى شخص يمت لي بصلة قرابة عما إذا كان في الأمر مبالغة في الخوف نفي ذلك لي وراح يذكر لي واقعة حدثت معه شخصيا. وبعبارة يملأها الأسى ذكر لي أنه مضى على سكناه في بيته بحدائق المعادي الذي يقيم فيه أكثر من 20 عاما وأن القدر

ساقه، وهو الملتحي وزوجته المنتقبة، إلى الشارع لقضاء بعض حاجياته مساء 3 يوليو ليلة عزل الرئيس السابق مرسي. وفور انتهاء السيسي من كلمته تعرض لهجوم من قبل بعض الأهالي بالمنطقة لم يملك معها سوى العدو فارا هو وزوجته من التنكيل بهما لانهما إسلاميان! بكلمات تمزج بين الأسي والمزحة راح يقول لي : تخيل شخصا مثلي وقد جاوز الخامسة والخمسين وزوجته يجريان هربا من بطش بعض المواطنين لا لشىء سوى أنني بلحية وزوجتي منتقبة. حين حدث ما حدث إثر فض اعتصامي رابعة والنهضة.. كانت نصيحة البعض له أن يحلق لحيته درءا للشبهات وضمانا لسلامته.
من حكيه تذكرت بعض الوقائع التي تعرض لها المسلمون في الولايات المتحدة إثر أحداث سبتمبر الأمريكية. ومن ذلك الاعتداء الذي وقع على أحد أفراد السيخ لأنه يطلق لحيته ويضع عمامة على رأسه الأمر الذي خلط معه بعض الأمريكيين بينه وبين المسلمين، فلحقه ما لحقه من هجوم. دفعني ذلك للتساؤل : هل نعيش أحداث سبتمبر جديدة ولكن إسلامية هذه المرة؟
أيا ما كانت الإجابة فإن المأزق الذي يجب العمل على تجنبه بكافة الطرق هو الانزلاق إلى هاوية التحريض على الكراهية. وحدة الوطن واستقراره هدف لا يجب التهاون بشأنه بأي شكل من الأشكال.. تجربة حكم الإخوان يجب طيها بكل مساوئها.. يحضرني هنا مصطلح «اللحمة الوطنية» بضم اللام.. فالحرص عليها طريق النجاة الوحيد.. لا يجب أن نترك المجال لأرعن من هنا أو هناك ليغذي مشاعر العداء بين أبناء الوطن الواحد.. فذلك طريق الهلاك.. ولنتذكر ان المارقين منا قد يكون من بينهم أخوك أو صديقك أو عمك.. وليس من السهل - على حد ما راحت إحدى المذيعات تدعو في سخرية - تصديرهم إلى ألمانيا.. فذلك ليس بأي حال طريق يمكن من خلاله أن يحيا الوطن!

[email protected]