عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

كيف تحرق مصر؟

الوصفة سهلة ولكنها ليست «هايلة».. وهي لا تتطلب قدرات الموساد ولا خبرات «السي أي إيه» ولا خضرمة الكي جي بي ولا عملاء السافاك. على العكس تتطلب مواطنا مصريا عاديا وحبذا لو كان صبيا في مقتبل العمر مغرماً بأفلام الأكشن المحشوة بالعنف والدمار.

كل ما عليك -أو على هذا الصبي- أن تتابع الموقف في مدينتك أو قريتك بدقة ويفضل أن يكون في قرية.. ويا حبذا لو تمكنت من التوصل إلى أسرار البيوت ومنها حكاية زوجة مسيحية زهقانة من معيشتها مع زوجها أو أن تراقب مسار العلاقات فتلحظ أن الواد أحمد السني ابن عم عبده البقال يستلطف مرثا الفتاة القبطية ابنة عم وهيب المنجد. تكون السماء قد أرسلت لك هدية لو أن أيا من الزوجة أو الفتاة اختفت في زيارة خارج القرية بدون علم أسرتيهما، ولو لم يحدث ذلك بعد طول انتظار لحدوثه يجب أن تدبر الأمر بنفسك من خلال عملية اختطاف قسري بأي شكل من الأشكال يسمح بأن يبعد أي منهما ولتكن الفتاة عن الأنظار لعدة أيام، وحبذا لو كانت قاصرا فسيزيد ذلك الأمور إثارة و«أكشنة».
بعدها ما عليك إلا بخط محمول بثلاثة جنيهات من الباعة الذين يبيعون الخطوط في الشارع بدون بطاقة أو تسجيل بيانات وتجري منه مكالمة لأسرة الفتاة بأنها هربت مع حبيبها إلى القاهرة لإجبارها على الزواج والدخول في الإسلام. لن تمر سويعات إلا وستجد أقباط القرية وقد أحاطوا بالمجلس المحلي للمركز التابعة له القرية تنديدا بحادث الاختطاف ومحاولة إجبار الفتاة على التخلي عن دينها.
لن يرخي الليل سدوله حتى تولع برامج التوك شو بحادث اختطاف قبطية مع تأكيدات من مقدمي هذه البرامج بأنها ظاهرة تزايدت بعد الثورة. سوف يظهر علينا ذلك العلماني القبطي الذي يكن كل عداء للكنيسة ليتحدث عن اضطهاد الأقباط في مصر، وعن كيف يأخذ منحني تصاعديا بشكل لا يمكن قبوله. لن يمر يوم إلا وستقوم مسيرة من شبرا إلى التحرير يدعو إليها اتحاد شباب ماسبيرو تضامنا مع أسرة الفتاة المختطفة.
مع حالة اللغط والجدال ستزداد الأمور توترا خاصة إذا زادت فترة الاختفاء على يومين أو ثلاث. ساعتها سيتسع نطاق غضب الأقباط ليشمل مسيرات احتجاج في عدة محافظات. عليك أن تترقب ولا تتسرع فالتدخل في الوقت المناسب هو الأمر الأنجح. تريث وعند لحظة معينة من التصعيد تحرك. لا تنم تلك الليلة وانتظر حتى صلاة الفجر. لا يهم إذا كنت متدينا تحرص على الصلاة أم لا تصلي من الأصل. مع صوت الأذان انطلق وفي نيتك القيام بعمل تخريبي في أقرب مسجد لمنازل الأسر المسيحية. إذا لم تهن عليك حياة المصلين فخذ زجاجة مولوتوف من تلك التي ازدهرت صناعتها بعد «يناير» وألقها على المسجد خلال الصلاة.
لن يستغرق الأمر كثيرا ليتصور المصلون أن الهجوم قام به أقباط ردا على اختطاف الفتاة.. ومع الأقوال الزاعقة بأن الأقباط يعيشون حالة استقواء وأنه آن الأوان لكسر شوكتهم، فإنك لن تسمع زقزقة العصافير صباح ذلك اليوم إلا وقد وقعت اعتداءات على الكنيستين اليتيمتين في القرية وحرقت إحداهما عن آخرها. سوف تشهد جحافل من المسلمين تتحرك تندد بالاعتداء القبطي على المسجد ولن يمر اليوم إلا وقد وقعت اشتباكات لن تفلح معها قوات الأمن المركزي فى فضها.
تريث، وعليك أن تحسب خطواتك بدقة لشعللتها أكثر.. انتظر يوما

أو يومين.. بعدها قم بمحاولة حرق بيت أحد المسلمين.. ليس من المهم أن يحترق أم لا المهم المحاولة وأن يصل العلم بذلك إلى الجميع.. إذا تم الأمر بحرفية فستضمن أن حصاد ذلك اليوم لن يقل عن عشرين أو ثلاثين بيتا محترقا للمسلمين والأقباط.
تفاصيل السيناريو طويلة ومرعبة ويعجز المقال عن سردها بالكامل وعلى من يرغب في قراءتها بالتفصيل أن يتابع وقائع الحرب الأهلية في لبنان بعد عام 1975 والتي أتت على الأخضر واليابس هناك. إذا شعرت بالنجاح امنح نفسك الجائزة التي تراها مناسبة.. رغم أن عملك تم بسهولة ودون كثير جهد ولكن نتيجته بالغة العظمة والخطر هي حرق وطن.
قد تتساءل: هل يمكن حرق وطن بهذه السهولة؟ أقول لك نعم. قد يكون ردك بئس الوطن ذاك؟ أرد عليك بل بئس أهله.. فالوطن برىء منهم ولا يستحق ما يفعلونه به.. وإلا قل لي بالله عليك: ما الذي يضير شعب بكل هذا العدد - الذي هو في الليمون - أن تسلم قبطية؟ وما خسارته إذا قررت مسلمة أن تخلع دينها من أجل نزوة تراها في شاب قبطي ترغب في الزواج منه؟ المسيحية والإسلام لن يزيدا أو ينقصا بسلوك مارق أو مخالف من هذه او تلك؟ ما الجدوى من خلاف حول قضايا مثل تلك ونحن جميعا – مسلمين وأقباطاً – في الوطن الواحد، وفي مواجهة الشعوب الأخرى غثاء كغثاء السيل.. فليس لنا قيمة ولا أهمية.. خاصة إذا انجررنا وراء ضيق أفقنا والتوافه من الأمور؟ ما معنى أن تبقى العلاقة بين المسلمين والأقباط على هذا النحو من الهشاشة الذي نمثل معه معولا لهدم وطن نيابة عن عدو متربص بنا؟
ليس الأمر دعوة لقبول النصرنة أو الأسلمة ولكنها دعوة للتعقل وتجاوز سفاسف الأمور ومحاولة تمثل نهضة هذا الوطن، الأمر الذي يبدو مستحيلا إذا ظلت روح العلاقة بين» قطبي» الأمة على هذا النحو من الضعف؟ وإذا كانت شروط النهضة – وفق تعبير المفكر الجزائري الراحل مالك بن نبي وليس وفق رؤية الحرية والعدالة - تتعدد فلا نهضة إذا لم نهضم مفهوم المواطنة في أفضل تجلياته.. فذلك هو السبيل الأساسي وقد يكون الوحيد للخروج من نفق الطائفية المظلم. اللهم أعنا.