رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«الإمارات».. التي أعرفها

عشت في الإمارات 10 سنوات أو أكثر قليلا.. ورغم أنني لا أحبذ تعبير «بلدي الثاني» الذي أصبح مبتذلا من كثرة استخدامه إلا أنني لا أجد أفضل منه في وصف مشاعري خلال فترة وجودي هناك.. فقد كنت أشعر بأنني بين أهلي وعشيرتي – وإن كان ليس بمنطق الرئيس مرسي – رغم اختلاف المناخ بكافة معانيه.. الطقس والحالة العامة. لا أبالغ إذا قلت إنني كنت ألمس معاملة خاصة بالمصريين فسرها لي الكثيرون بأنها تعود إلى غرس «زايد» الذي كان يكن كل الحب والود لمصر وانعكس ذلك في كافة مواقفه ومواقف الإماراتيين بالتبعية.

مع اقترابي من فئات عديدة من المواطنين هناك تجاوزت مرحلة الدهشة في أن أدرك أن لكل منهم إلى جانب مسكنه في إمارته – دبي أو أبوظبي أو غيرهما – مسكنه في مصر سواء في التجمع الخامس أو المهندسين أو مصر الجديدة أو اكتوبر. رغم كثرة الجنسيات التي تقيم على أرض الإمارات – تقريبا بعدد دول الأمم المتحدة نحو 194 جنسية - إلا أنني كنت أشعر في كثير من الأوقات وفي المناسبات المختلفة بأنني في مصر من كثرة عدد المصريين في مختلف المهن والمؤسسات.
خلال لقاءاتي التي جمعتني مع العديد من رموز الفكر والثقافة هناك كنت أشعر بالخجل من إشادتهم بدور مصر ووقوفها إلى جانب الإمارات. أتذكر ما قاله لي الشاعر الكبير صالح القرق حينما كان يذكر: «كنا ننتظر في لهفة أن تأتينا المجلات والصحف والكتب المصرية من الكويت». وفي زيارة لمكتبة دبي قدم لي مدير المكتبة رسالة من عبد الناصر ردا على رسالة من الشيخ مكتوم حاكم دبي الأسبق بالاستجابة لطلبه بتزويدهم بما يحتاجونه في مجالات العلم والثقافة.
لإيضاح الأمر.. أقول إن مناخ الود والتسامح لم يكن مقصورا على المصريين وإن كان لهم مزية خاصة.. يلفت نظر أي زائر للإمارات وجود معابد هندوسية حيث الجالية الهندية تعد الأكبر هناك.. إلى الحد الذي كان من الطبيعي معه أن تجد الهنود يضيئون الشموع ويقيمون احتفالاتهم بأعيادهم كما لو كانوا في وطنهم.
في لحظات تأمل ذاتي وحينما كنت أراجع بعض مواقفي كنت أتصور – سواء كان ذلك صحيحا أم خاطئا – أنني أملك من التسامح ما يجسد مقولة المسيح من ضربك على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر. كنت أتصور أن ذلك لا يمكن أن يوجد سوى على مستوى الإنسان .. لم أتصور للحظة أنه يمكن أن يوجد على مستوى الدول سوى من خلال مواقف دولة الإمارات، التي كانت ترد الإساءة بالحسنة.
قرأت كثيرا عن حياد سويسرا.. فلم أتصور أن في الإمكان أبدع مما كان.. ولكن سياسة الإمارات كشفت لي عن أن للحياد وجوها كثيرة.. وأن الإنسان يمكن أن يبدع في مجالها ما لا يرد على بال. كنت ألمس أداء سيمفوني بالغ الروعة في مواقف الإمارات تجاه دولة مثل باكستان.. حيث استطاعت دون ذرة من توتر استيعاب كافة قياداتها من المعارضين مع تناغم في الوقت ذاته مع القيادة في إسلام آباد.. فاستضافة الراحلة بوتو لم تلق بظلالها على العلاقة مع نواز شريف حينما كان في الحكم .. والترحيب بالأخير لم يكن محل خلاف في ظل تولي زرداري زوج بوتو الحكم.. وهكذا.. كانت

القاعدة.. بشكل يمثل المشي على حبل الحياد دون الخوف من السقوط في الفراغ.
رغم مواقفي التي تدعو إلى التقارب مع إيران والتي سجلتها مرارا في كتاباتي خلال وجودي في الإمارات، إلا أنني لا أخفي أنه كان ينتابني قدر من الضيق على مواقفها التي تبدو متساهلة تجاه دولة تحتل ثلاثا من جزرها إلى الحد الذي يمكن معه القول أن باسترجاعها أصبح من رابع المستحيلات، حتى أن إيران تحتل رقم واحد في التعاملات التجارية مع إمارة دبي.
كنت أتفهم ذلك وأنه يأتي في إطار سياسة الدولة التي تقوم على سلوك النهج السلمي في كافة تعاملاتها وعدم التصعيد مع الغير إلا في أضيق الحدود. عندما أعود بذاكرتي إلى الوراء لا أتذكر أن الإمارات دخلت في أزمة مع أحد إلا أزمة واحدة مع قطر وكانت على خلفية دفاع الشيخ زايد عن مصر وانتقاده لمواقف وزير الخارجية القطري حيث راح الراحل الكبير يشبه دولة قطر بأنها لا تتجاوز حيا من أحياء شبرا مستغربا ما رآه من تطاول على الشقيقة الكبرى. سواء اتفقنا او اختلفنا معه كان زايد رحمه الله يملك قلبا يسع العالم العربي بأكمله وفي المركز منه «الشقيقة الكبرى مصر» كما كان يحرص على نطق اسمها.
على خلفية تلك الرؤية أشعر بدهشة ولكن من نوع مختلف: ماذا جرى للإمارات التي عرفتها؟ وهل جرت مياه أخرى غير التي كانت تجرى بها خلال وجودي هناك؟ أدرك، وقد لمست ذلك قبل مغادرتي لها منذ سنوات، أن بعض الأشياء تغيرت برحيل المعلم القائد .. زايد .. وأن الأوضاع تنحو في سكك واتجاهات مختلفة.. ولكن هل يمكن أن يكون التحول على هذا الشكل وتجاه دولة مثل مصر؟ وأين الخطأ بالتحديد.. هل في تحولات مصر أم في تحولات الإمارات؟ وأيا كان موقع الخطأ فأين سياسة التسامح الظبيانية – الدبوية؟ لماذا الخوف من مجموعة من المصريين لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين؟ تساؤلات عديدة وجدت نفسي غارقا فيها على وقع الأزمة الأخيرة التي تلوح في الأفق بين الدولتين .. تقتضي الإجابة عنها موضعا يضيق المقام به في هذه السطور وأعود لها قريبا إن شاء الله.