عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"فتنة" المادة الثانية

البعض يحاول إقناعنا أنها نائمة، والبعض الآخر يؤكد أنها يقظة، وما بين أولئك وهؤلاء يبقى المواطن المصري في حالة قلق وخوف على المستقبل ، بعد أن كان قد غرق في الفرح بالثورة وما يمكن ان تحققه له على صعيد تغيير أحواله. إنها الفتنة .. التي يبحث قلة عن ألف باب للولوج إليها ناسين أو متناسين أن المرحلة تتطلب ما هو أكبر من الخوض في قضايا توقظها أو تبقي عليها نائمة. ومن المثير للدهشة وسط كل ذلك – ويؤكد التخبط الذي يحياه البعض والشكوك التي تحيط بآخرين – إثارة الجدل حول المادة الثانية من الدستور التي تقرر أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.

صحيح أننا في حالة حراك شبه متواصل وغير معتاد في حياتنا السياسية في مصر، وهو ما يعني أن كل شئ ينبغي أن يكون مطروحا على المائدة، إلا أن ذلك أدعى لأن نكون أكثر وعيا ونضجا بالسبل التي نسير عليها نحو المستقبل. وعلى ذلك نشير إلى أن إثارة الحديث عن المادة الثانية في هذا الوقت يعتبر غير مناسب في ضوء حالة الإستقطاب الديني التي نحياها. ليس هذا هو وقت الحديث حول المادة الثانية أو غيرها من مواد لا تتعلق بالعملية الإنتخابية لرئيس الجمهورية وسلطاته ومجلسي الشعب والشورى.

فوسط الأمواج المتلاطمة التي تحياها مصر من كل جانب ينبغي أن نبدي أكبر قدر من العقل والحكمة والإرتفاع فوق مستوي النزعات الضيقة التي قد تعرض مرحلة التحول التي نحياها للخطر. لماذا نصر على أن نضيف بقعة سوداء لكل تحرك أبيض نقوم به؟ لماذا كل هذا الدأب في الإساءة إلى كل عمل نبيل يقوم به أبناء الوطن بكل عفويتهم وبساطتهم؟

قام المصريون بالثورة وقدموا مثالا رائعا حتى أطلق البعض على ميدان التحرير توصيف "المدينة الفاضلة"، ويبدو أن ذلك ضايق البعض أو لم يرق لهم فكان الخروج علينا بفتنة إطفيح. ولأن الضمير الجمعي المصري أوعى من أن ينزلق في هاوية مثل تلك وفي ظرف مثل الذي نحياه كان تجاوز المسألة بأروع ما يمكن. وبعد أن اعتاد العالم مشهد المصريين المسلمين يشاركون إخوانهم الأقباط إحتفالاتهم بعد فتنة كنيسة القديسين، كان من الرائع أن يتسابق الجميع مسلمين قبل المسيحيين، لاعادة بناء كنيسة إطفيح.

وسط كل ذلك كان من الغريب والمثير للدهشة مع مباشرة لجنة التعديلات الدستورية مهامها إثارة الحديث عن المادة الثانية من الدستور رغم أن التكليف الموجه لرئيس اللجنة المستشار طارق البشري يتمثل في تعديلات ليس لها صلة من قريب أو بعيد بالمادة الثانية .. عبر عن هذا الفهم المغلوط

دعوة البعض ومنهم أقباط إلى أن يمتد التعديل إلى هذه المادة، كما عبر عنه أيضا بعض السلفيين الذين خرجوا في مظاهرات ترفض تعديل المادة.. كان المشهد في مجمله يعبر عن سوء فهم وسوء تقدير، لأن المادة المذكورة لم يكن لها موضع من الإعراب بالنسبة للتعديلات.

ولأن ما يمكن وصفه بـ "روح الثورة" ترفرف بأمان في سماء مصر، كان لذلك تأثيره البالغ في تجاوز البلاد عقبة بعد الأخرى توضع في طريق الإستقرار، غير أن أصحاب الفهم الضيق حاولوا ثانية جرنا إلى مستنقع طائفي جديد خلال الإستفتاء، الذي شكل إضافة أخرى بالغة التميز لنهج المصريين الحضاري يضاف إلى مزايا ثورتهم. لقد كان الإستفتاء رغم نزاهته بنكهة طائفية، ومع ذلك إصطفت الأمة من جديد معلنة قبولها بالنتيجة التي تمثل أول تصويت حر في تاريخ مصر.

والآن نعيش مرة جديدة مع حديث "المادة الثانية" التي ينظر اليها البعض على أنها مقدسة، فيما يحاول البعض الآخر أن يصور لنا أنها سبب نكبة مصر. والأمر في رأينا ليس هذا أو ذاك، كما أنه ليس وقت إثارتها .. فالمنطق يقول أننا يجب أن نعيش مع أولوياتنا وعلى رأسها تجاوز المرحلة الإنتقالية بسلام .. بعدها يمكن لنا أن نناقش المادة الثانية .. هل نلغيها كاملة؟ أم نبقي عليها كما هي؟ أم نعدل فيها؟ لنفعل بها ما نشاء ولكن على أن يكون ذلك في ظروف أكثر صحية مما نحن عليه الآن. وقتها سيتقبل الشعب بحضارية ما سيتم التوافق عليه بذات الشكل الذي أقر به نتيجة الإستفتاء.. فليس في النهاية بيننا منتصر أو مهزوم .. فكلنا مصريون في قارب واحد.. والأهم لنا أن ننقذه من الغرق، وتلك هي المهمة الأكثر عجلا!