عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

«فيتو».. على حرية الصحافة

بغض النظر عن مسار التحقيقات التي بدأت بشأن الخبر المطعون في صحته الذي نشرته جريدة «فيتو».. آخر مولود في الصحافة المصرية.. حول الزيارة المزعومة لكل من الدكتور محمد بديع المرشد العام للإخوان المسلمين وخيرت الشاطر نائب رئيس الجماعة ومحمود غزلان للرئيس السابق مبارك في المركز الطبي العالمي، فإن ذلك يفتح باب النقاش مجددا حول طبيعة مفهوم حرية الصحافة لدى قطاع غير قليل من الصحفيين المصريين، فضلا عن طبيعة ماتنشره الكثير من الصحف المصرية وبشكل خاص الأسبوعية.

نتصور أن المبدأ العام الذي يجب أن يحكم الأداء الصحفي هو ..» أنه ليس بالإثارة وحدها تحيا الصحف».. وهو المبدأ الذي يمثل الفريضة الغائبة في كثير من الصحف التي تميل إلى اتجاه في النشر بشكل يمكن معه وصفها بأنها «صحافة أدبية» ليس بمعنى تخصصها في الأدب وإنما اتجاهها للتخصص في تأليف الحكايات ونشرها باعتبارها حقائق حصلت على أرض الواقع، في حين أنها لم تقع سوى في خيال كاتبها فقط .
وإذا كان هذا الأمر يمثل ظاهرة عرضية في الصحف اليومية التي قد لا تجد مشكلة في المواد التي تنشرها بحكم طبيعتها في اللهاث وراء الخبر وهو موجود بحكم ظروف الحياة ووقائعها التي لا تنتهي، فإن ظاهرة التأليف الصحفي أو «الفبركة الصحفية» تمثل ظاهرة تكاد تكون أساسية في عدد غير قليل من الصحف الأسبوعية وعلى رأسها صحيفة «كبيرهم الذي علمهم السحر».. والتي يعيش معظمها مأزقا حقيقيا تواجهه إدارة تحريرها مع كل عدد يدور حول ما هو الجديد الذي يمكن تقديمه للقارئ إزاء اتساع الفضاء الإعلامي ما بين مواقع إخبارية إلكترونية تتابع الخبر لحظة بلحظة وفضائيات يلهث المشاهد لكي يتابعها من كثرتها، فضلا عن العدد الهائل من الصحف اليومية.
هنا وبناء على طبيعة شخصية رئيس التحرير يتحدد اتجاه الصحيفة وما إذا كان يتم تغليب اتجاه نشر الحقائق والاجتهاد في تقديم مادة متميزة للقارئ وهو أمر بالغ الصعوبة..  أم الاتجاه الى الخيال الصحفي وهو الأمر الأيسر والأكثر سهولة .. والأكثر انتشارا بين معظم الصحف الأسبوعية المصرية. يكفي مثلا أن تتابع عناوين الموضوعات في عدد من هذه الصحف مقارنة بمضمون الموضوعات ذاته لكي تدرك حجم  الصراع المبذول من أجل جذب القارئ بأي شكل وبأي وسيلة ولو بموضوعات يبدو وقوعها من رابع المستحيلات.
وتتنوع فنون تسويق هذه المواد لتشمل أساليب مختلفة في خداع القارئ إلى الحد الذي يجعلك بعد الانتهاء من قراءة ما اشتريت الصحيفة من أجله في حالة دهشة وذهول من المفارقة بين العنوان ومضمون المادة التي كنت تريد معرفتها وتحاول الصحيفة إيهامك بأنها تشفي غليلك من خلال تقديمها لك في وجبة متميزة. للخروج من العموميات خذ مثلا موضوعا نشر في «أسبوعية» حول اختفاء الزميل رضا هلال.. يبدو لك من عناوين الصحيفة أنها تمكنت من

حل اللغز الذي عجزنا واحترنا في حله على مدى سنوات، في حين ان الموضوع لا يمثل في حقيقته سوى قصاصات من الإنترنت عبارة عن «قص ولصق».. وهكذا في العديد من الموضوعات.. أخطرها ما يتعلق بأعراض الناس خاصة المشاهير الذين تمثل قصصهم لقمة سائغة للقراء.
عودة لـ «فيتو».. الجريدة الوليدة..  نشير إلى أن الزميل عصام كامل، والذي لا أشرف بمعرفته شخصيا، قد زج بنفسه في أتون معركة حامية «نتمنى» أن يخرج منها منتصرا مدعما بالأدلة والوثائق التي تثبت صحة ما نشره في ضوء خطورته لجهة تأثيره على اتجاهات الرأى العام بشأن جماعة من المفترض أنها تتهيأ لتمثل الأغلبية التي تدير دفة الحكم في مصر.
ومصدر التمني أن المادة موضوع الجدل على ما لها من أهمية قد تصعد بالجريدة إلى عنان السماء وتوفر لها أرضية جيدة تدعمها في مسيرتها التي بدأتها للتو.. والعكس صحيح أيضا .. ذلك أنه حال انتهاء التحقيقات إلى إدانة «فيتو».. فإن ذلك في تقديرنا سيكون بمثابة محاولة إقلاع فاشلة لطائرة تنتهي بتحطمها.. فقد لا تقوم للجريدة قائمة بعد ذلك باعتبارها «الجريدة الكذابة».. فبمقدار الانتصار في حالة امتلاك الأدلة سيكون مقدار الفضيحة في حالة ثبوت قيام الصحيفة بـ «الفبركة».
يدعونا ذلك الى التذكير مجددا بأن حرية الصحافة لا تعني الفوضى وأن الجماعة الصحفية يجب أن تكون الأكثر حرصا على الممارسة النزيهة لهذه الحرية حتى لا تدع الفرصة لمن يريد التدخل، خاصة أننا نعيش بعد ثورة يناير آفاق حرية أوسع من المفترض أن تعزز الرقابة الذاتية لدى الصحفيين على ما ينشرونه محكمين ضميرهم المهني أولا وأخيرا .. على الأقل لاستعادة الثقة المفتقدة للقارئ في الصحافة وحتى لا يصبح ما ينشر في الصحف مجرد «كلام جرايد».. وتلك هي المهمة الأكثر مشقة والتحدي الأكبر الذي ينتظر الصحفيون في زمن يتسم بفضاء إعلامي بالغ الاختلاف.  
[email protected]