رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

نيرون مصر!

على وقع صوت هدير الطائرات التي تحلق في سماء القاهرة والذي لم ينقطع طوال ما بعد ظهر الأربعاء الماضي كتبت هذه السطور. ومن مقر العمل، حيث توجد مكاتبنا  في موقع يحول بينك وبين العالم الخارجي.  كنت أشعر أن الدنيا من حولي تشتعل  بفعل هذا الهدير. كنت قد قدمت لتوي من منزلي لبدء مرحلة جديدة من مهمتنا الصحفية في متابعة الجديد في"ثورة الغضب". كانت المؤشرات كلها تشير إلى أن مبارك نجح بـ "ضربة معلم" تشبه ما نسمعه عن الضربة الجوية في حرب اكتوبر، في إجهاض الثورة التي بدا معها أنه قاب قوسين أو أدنى من السقوط. في الطريق قطع تقدمنا في المسير مظاهرات عارمة بشارع جامعة الدول العربية اضطررت معها إلى الدوران من حول نادي الصيد. لم تكن المظاهرات تطالب برحيل مبارك وإنما باستمراره في الحكم. بدأ يقيني يتزايد بأن الرئيس استطاع تحويل دفة المعركة لصالحه. على كوبري الدقي كانت مسيرة أخرى تتدفق متجهة إلى شارع البطل أحمد عبد العزيز للالتحاق بمثيلاتها عند مسجد مصطفى محمود. أدركت أن عملية خلط كبير للأوراق تتم لاستكمال سيناريو الخطاب الذي أعلن فيه مبارك عدم الترشح لفترة رئاسة ثانية.

لم أكد استقر على مكتبي حتى بدأت الأخبار تتوالى عن اشتباكات في ميدان التحرير بين من جرى وصفهم بأنصار مبارك والمعارضين المتظاهرين المرابطين في ميدان التحرير. عندما علمت بأن المناصرين للرئيس جاءوا على ظهور الجمال والخيل، بدا لي أن وراء الأكمة ما وراءها. لقد كان الأمر محاولة جديدة لفض المتظاهرين وإن بشكل مقنع لا يوفر الفرصة للعالم الخارجي الذي يتابع لحظة بلحظة تفاصيل ما يحدث في مصر اي سبل للإدانة. فإذا كانت الدعوات تتزايد بالسماح بالتظاهر فهؤلاء – انصار مبارك – ليسوا سوى متظاهرين ومن حقهم أن يفعلوا ما يفعله المعارضون. بدت الحيلة بالغة السذاجة، وأنها لم تنطل على أحد.

جولة على المواقع الإخبارية العالمية خاصة الأجنبية تكشف عن الصورة المزرية التي أصبحت عليها الأحوال في مصر. فأنصار مبارك ليسوا فقط سوى مجموعة مرتزقة تم استئجارهم بخمسين جنيها  وأغلبهم من البلطجية وإنما بعضهم من موظفي الإذاعة والتليفزيون الذين طلب منهم وزير الإعلام أنس الفقي المشاركة حسبما ذكر موقع "الجزيرة. نت".

مع تواصل الاشتباكات بدأت بعض الحرائق في أماكن متعددة من الميدان إثرإلقاء  زجاجات

مولوتوف من قبل بلطجية الحزب الوطني. استعدت صورة مبنى الحزب الوطني على كورنيش النيل الذي احترق في جمعة الغضب. كان المشهد محزنا .. حيث امتدت ألسنة اللهب إلى المبنى المجاور الذي يضم مجموعة من الهيئات منها المجلس الأعلى للصحافة. بدا من الواضح أن هناك نية لترك الحريق يشتعل حيث لم تمتد إليه يد حتى عصر اليوم التالي – السبت. استرجعت سيرة نيرون وحرقه لروما، وكان الخاطر الذي جال في ذهني أن التاريخ يعيد نفسه .. فها هو مبارك يحرق مصر، ماديا ومعنويا. وتحت دعاوى البناء كان الحريقان..  فنيرون قرر حرق روما لاعادة بنائها ومبارك يزعم الأمر نفسه، بدعوى أن بقاءه ضمانة لنهضة مصر. عندما استرجعت مشهد الرئيس وهو يلقي خطابه الأخير رابط الجأش وقد بدا في أبهى حلته، تذكرت وضع نيرون، فبينما كانت النيران تتصاعد والأجساد تحترق كان نيرون وسط صراخ الضحايا يجلس في برج مرتفع يتسلى بمنظر الحريق الذي خلب لبه وبيده آلة الطرب يغنى أشعار هوميروس التي يصف فيها حريق طروادة.

كان مجمل المشهد حتى وقت متأخر من مساء الأربعاء يؤكد أن مبارك فقد فرصته في خروج مشرف من السلطة سواء بلقب رئيس سابق أم بلقب رئيس مخلوع، رغم ما بدا من بوادر انفراجة على خلفية خطابه مساء الثلاثاء. وبغض النظر عن مآلات ما سيحدث فقد رحت أطرد القلق الذي راح يساورني على مستقبل مصر، متذكرا حقيقة أن نيرون مات بينما لم تمت روما.. شعرت بقدر من الطمأنينة .. فمبارك راحل وستبقى مصر!