عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

مبارك .. وفتنة الخطاب

 

بخطابه الذي ألقاه مساء أمس الثلاثاء استطاع الرئيس مبارك أن ينتقل بالأزمة التي تشهدها مصر حاليا وتعتبر الأولى من نوعا في مدى تاريخها المعاصر إلى مرحلة جديدة بالغة الإختلاف. إن التسمية الوحيدة التي يمكن توصيف مضمون الخطاب به أنه خطاب شق وحدة الصف أو خطاب الفتنة ، فيجب أن نعترف بأن الخطاب حوى بعض العناصر التي يمكن لها أن تحدث فتنة بين المصريين جميعا خاصة أولئك الذين خرجوا على مدى الأيام الثمانية الماضية مطالبين برحيل مبارك.

وإذا كانت الأزمة أشبه بمباراة فقد استطاع مبارك إن يدير الدفة لصالح وجهة النظر التي يتمسك بها، وإن بثمن عال كنا نأمل أن يتجنب رئيس مصر الذي يمثل رمز عزتنا وكرامتنا أن يلجأ اليه. لقد بدا مبارك يستجدي رضاء المصريين عليه وإمهاله فترة شهور، وكان لسان حاله يقول " إرحموا عزيز قوم ذل".. لمس ذلك وترا حساسا لدى الكثير من المصريين الذين تتملك منهم العاطفة. بعد الخطاب تلقيت اتصالات عديدة من اصدقاء وأقارب لي داخل مصر وخارجها تعرب لي عن تصورها بأن ملف المظاهرات يجب أن يدخل مرحلة الطي، بإعتبار أن الرجل قد استجاب لمختلف المطالب التي عبر عنها المتظاهرون بشكل أو بآخر، ثم أن فترة السبعة الشهور المتبقية على الحكم ليست بالطويلة، وأنه إذا كنا قد صبرنا على الرجل 30 عاما، فلما لا نصبر عليه فترة بسيطة؟

وإذا كنا لسنا في معرض تحليل خطاب مبارك وعناصره، باعتبار أن ذلك يتطلب موضعا آخر، فإن النقطة الاساسية التي يجب أن تؤخذ في الإعتبار أن السياسة لا تدار بمنطق العواطف، وأن مصائر الأمم إنما تتحدد بناء على مواقف واضحة ومحددة، الأمر الذي افتقده خطاب مبارك. وهو أمر يتعزز في ضوء حالة افتقاد الثقة بين النظام ومواطنيه أو بالأحرى ومعارضيه.

ومما يشكك في رغبة النظام في التغيير ويعزز وجهة النظر التي ترى أن الخطاب ليس سوى مناورة للإلتفاف على المطالب الشعبية، المظاهرات التي خرجت في اليوم التالي لإلقاء مبارك لخطابه لإعلان تأييدها للرئيس. من حق النظام أن يحشد جماهيره للتعبير عن مساندته، غير أنه يبدو أن ذلك لم يكن هو الهدف، وإنما تعزيز حالة الفتنة، وإظهار الموقف في مصر بمظهر المنقسم ما بين معارض ومؤيد

لمبارك بعد أن كان المشهد يتسم بالوحدة لجهة معارضة بقاء مبارك ومطالبته بالرحيل.

هذا التحرك الأخير ممثلا في المظاهرات المؤيدة للرئيس والتي جاءت بديلا لقوات الأمن التي فشلت في المواجهة وكبديل لقوات الجيش التي ترفض ان تطلق النار على المتظاهرين،  كشف عن أن رغبة مبارك في البقاء بالحكم والخروج بالصيغة التي يراها مناسبة له تتجاوز أي هدف آخر.. حتى لو كانت إحتراق مصر عن آخرها!

ووسط بوادر الفتنة التي يشتعل آوارها لحظة كتابة هذه السطور، فإن الموقف يتطلب تدخل حكماء الأمة، الخائفين على مصر من منزلق قد لا نعلم إلى أين نصل معه، من أجل التوصل إلى حل ينتهي بنا وبمصر إلى بر الأمان.. حل يتطلب أن يتخلى مبارك عن حالة العناد التي يفخر بأنها تميزه، ويتطلب أن تركز المعارضة على جوهر الهدف الذي خرجت بسببه المظاهرات. فرحيل مبارك ليس هو الهدف الأساسي إذا لم يصاحب ذلك تغيير جذري في السياسات.. وسيكون الأمر مجرد تغيير في الوجوه ليس إلا. ما نريد التأكيد عليه هو أن المطلوب حل يحقق الأهداف الشعبية كاملة وغير منقوصة وبضمانات تقضي على الشكوك التي تساور المعارضين، حتى لو بقي مبارك.. فالأهم لنا مصر التي نبنيها الآن من جديد، والبناء يجب أن يكون على أسس صلبة وتلك هي القضية الأهم .. أما مبارك فسواء بقي أم غادر السلطة، فإنه راحل في النهاية طال الوقت أم قصر .. فالأمر لن يستغرق سبعة شهور في كل الأحوال!