حاسبوا «مبارك» على كلام «صابر»
فجأة ارتفعت درجة حرارة المجتمع ... وعلى حين غرة تعالت أصوات الناس من كل التخصصات ... من أول محلب الذى قبل استقالة المستشار محفوظ من وزارة العدل ... إلى نقيب جامعى القمامة الذى ثار على الوزير بسبب تصريحاته عن أبناء جامعى القمامة... مرورا بالاعلام الذى راح ينفخ فى النار حتى تزداد اشتعالا... الوسط الوحيد الذى لم يتأثر بتصريحات الوزير محفوظ هو الوسط القضائى ... وفى ظنى أن صمت القضاة يحمل موافقة على ما قاله الوزير ... وفى ظنى أيضا أن تصريحات الوزير أساءت للقضاة أكثر مما أساءت لعمال القمامة وأبنائهم ... إذ نزع عن القضاة صفة العدالة التى يعملون على تحقيقها بين الناس ... ووضع القضاة فى مكانة الساعين لتحقيق مصالحهم ومصالح أبنائهم ... على حساب الدستور ... والقانون ... وعلى حساب العدالة نفسها ... وكل ذلك يشكك فى القضاء فى وقت نحتمى فيه بقضاة مصر من الإرهاب والإرهابيين.
ونظرة متأنية ومنصفة لكلام الوزير السابق تكشف عن أننا أمام منطق غريب يحكم المجتمع ... ويتحكم فى تصرفاته ... وفي قناعاته رغم ثورة قامت لتحقيق أهداف أهمها العدالة الاجتماعية ... فالمنطق الذى تحدث به الوزير لا يختلف كثيرا عن منطق المدافعين عن لاعب الكرة السابق محمد أبو تريكة ... إذ يرى البعض أننا لا بد أن نكسر القانون من أجل لاعب كرة سابق .. هؤلا ء يرون أن الذى أخطأ هو لاعب الكرة الذى أحبوه ... والحقيقة أن الذى يحاسبه المجتمع هنا هو أحد أعضائه ... هو لاعب سابق جمع الملايين من موهبة لا فضل له فيها... وخرج من عالم الكره إلى عالم البزنس وحامت حوله الشبهات فوجب التحقق منها.
وهو نفسه المنطق الذى منع به المستشار النائب العام وسائل الإعلام من متابعة قضية إتجار فى الآثار متهم فيها اثنان فى أول السلم القضائى ... ولو أراد المستشار النائب العام حفاظا على هيبة القضاء لأصر على علنية التحقيق فى هذه القضية دون غيرها.
وحكاية توريث الوظائف ليست مقصورة على القضاء وحده بل هى فى مجالات مختلفة ... فى الخارجية ... والشرطة ... والاعلام ... وحتى الابداع ... فكثير من الفنانين الجدد هم امتداد لفنانين وصلوا إلى سن أقعدتهم عن العمل ... وكثير من لاعبى الكرة لم يشأ أن يغادر الملاعب إلا وقد حجز لأحد أبنائه ـ أو كلهم ـ مكانا بين نجوم المستقبل ... إلا أن الفارق بين هذه المهن الإبداعية ... والمهن الأخرى والتى منها القضاء ... والشرطة ... والدبلوماسية ... أن الابداعية منها يعتمد على مواهب يمكن توارثها من الآباء إلى الأبناء ... بينما يعتمد العمل فى القضاء ... والشرطة ... والدبلوماسية على تفوق دراسى لا تملك عوامل الوراثة فيه تأثيرا ولا تدخلا ... وإذا جاز لنا زرع أبنائنا فى هذه المهن ... فإنه ليس مقبولا أن يتم ذلك فى القضاء باعتباره محراب العدالة ... وحارس حقوق المواطنين.
ومصر لم تعرف توريث الوظائف العامة إلا حديثا ... وتحديدا خلال العقد الأخير من القرن
والتوريث عموما يقتل الابداع ... ويبتعد بالأمم عن طريق التقدم ... فالرقى والتحضر أبناء شرعيون للكفاءة والقدرة على الابتكار... وتكافؤ الفرص هو المبدأ الوحيد الكفيل بدفع الشباب نحو الاجتهاد ... وضياع الفرصة من شاب مجتهد لحساب من استغنى عن التفوق العلمى بالحسب والنسب يقتل الانتماء لدى باقى الشباب ... وإذا فقد الشباب المجتهد انتماءه تحول إلى كاره للمجتمع ... ساع إلى الانتقام منه ... ولهذا يعلن الرئيس عبد الفتاح السيسى اهتمامه بالشباب باعتبارهم مشروعه القومى لبناء مصر الحديثة ... ويطالب الحكومة بتقديم كل ما هو متاح لاكتشاف المتميزين والنوابغ منهم ... لكن على الرئيس السيسى أن يتدخل لحماية شباب الوطن ... ومشروعه القومى ... ومستقبل الأمة.
Email:[email protected]