عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

المستريح ... والمستباح ... والسياسات الاقتصادية الناقصة

المستريح.. والمستباح.. أبناء شرعيون للسياسات والقرارات غير المكتملة

لا نحب قراءة التاريخ ... لكننا نحب أن نسمعه فى الحواديت  ... ولا نأخذ منه العبر ...  لذلك نكرر أخطاء الماضى بإصرار ... وعودة شركات توظيف الأموال للظهور واحد من أخطاء الماضى التى يحلو لنا تكرارها ... وآخر الأخطاء التى نكررها كشف عنها ريان الصعيد ... فعلى حين غرة  أصبح أحمد المستريح نجما ... اسمه يتردد على كل لسان ... وصوره تملأ الصحف ... وصوته يملأ أثير القنوات الفضائية ... النجم الجديد لم يمثل أفلاما ... ولم يلعب كرة ... ولم يفجر قنبلة ... لكنه مارس اللعبة القديمة التى لعبها الريان ... والسعد ... وهلال ... والشريف ... وغيرهم واكتوى بها ملايين المصريين فى ثمانينيات القرن الماضى ... جمع 2 مليار جنيه من الناس لتوظيفها ... والقضية ليست فيما جمعه ... ولا فيما رده ... ولا فيما سيتم بعد ذلك... لكن القضية فى النظام.
فشركات توظيف الأموال ظهرت فى مصر فى أواخر سبعينيات القرن الماضى ... ومع دخول الثمانينيات استفحل أمرها حتى جمعت أكثر من 5 مليارات جنيه من أموال المصريين ... لم يكن لجوء الناس لهذه الشركات معيارا يدل على الثقة ... ولا الرزق الحلال كما كان يحلو لهم أن يذكروا فى دعاياتهم ... لكن غياب الدولة كان العامل الأهم ... وربما تعدى دور الدولة مجرد الغياب إلى المشاركة ... والمباركة ... حتى إن كثيرا من المسئولين فى الدولة كانوا من كبار عملاء شركات التوظيف ... وقبل أن ينتصف عقد الثمانينيات كان الجهاز المصرفى يدق ناقوس الخطر ... وتنبهت الدولة إلى خطورة شركات التوظيف على ميزانيتها ... وعلى الجهاز المصرفى ... وعلى ثقة المواطنين فيه... وعلى الاحتياطى النقدى ...وما إن استشعرت الدولة خطورة هذه الكيانات حتى سارعت بإصدار  القانون رقم ‏146‏ لسنة ‏1988‏ ، وهو قانون ينظم إنشاء وعمل شركات تلقي الأموال وتوظيفها ...  وانضم هذا القانون إلى ترسانة القوانين العاطلة والمعطلة ... فلا يذكر السجل التجارى اسم شركة واحدة تم تأسيسها طبقا له... ويبدو أن الخوف من عودة هذه الشركات دفع المشرع إلى التشدد فى وضع  ضوابط وشروط انشاء هذا النوع من الشركات.
وخطورة هذه الشركات الوهمية أنها تتعامل فى مبالغ كبيرة من الأموال ... وهى جزء من الاقتصاد السرى  ...وتمارس بيزنس لا يخلق فرص عمل تتناسب مع المبالغ المستثمرة ... كما أنه بعيد عن رقابة الدولة ويمكن استغلاله فى تمويل أعمال مشبوهة ... وهو أيضا اقتصاد يتجاهل اداء ما عليه من ضرائب على عملياته ... ولا على أرباحه ... وهو بذلك يحرم الخزانة العامة من تمويل تلجأ الحكومة إلى تعويضه على حساب الأجيال القادمة فى صورة ديون لتمويل عجز الموازنة. 
والدولة والجهاز المصرفى مسئولان عن  دفع المواطنين للتعامل مع هذا النوع من المغامرين ... حتي أصبح ماله مستباحاً لكل مغامر أو راغب في الثروة... فقد اعتمدت الدولة فى فترة التسعينيات وبدايات القرن الثالث سياسة تصفية قدامى الموظفين فيما عرف بتطبيق المعاش المبكر ... ولم يتواكب هذا الاعتماد على توفير التدريب المناسب للخارجين إلى المعاش مع إنشاء مشروعات صغيرة لاستثمار مكافأة نهاية الخدمة ... كما لم تحاول الدولة نشر ثقافة العمل فى مشروعات مشتركة ... ولا حتى أنشأت شركات يساهم فيها الخارجون إلى المعاش المبكر بأموالهم بحيث توفر لهم دخلاً مناسباً ... خاصة أن معاش الموظف المصرى بعد خروجه من الخدمة يكاد لا يكفيه وحيداً ... وتحت وطأة هذه السياسات المتعجلة ... والخاطئة ... والناقصة ...

اضطر عدد غير قليل من أرباب المعاش المبكر إلى الدخول فى مشروعات غير منتجة مثل شراء تاكسى ... أو فتح كشك ... ومعظمهم انتهى به الحال إلى خسارة فادحة ... هذه الخسارة كانت شاخصة أمام البقية الباقية من زملاء سنوات الخدمة.
وعلى الجانب الآخر لعب الجهاز المصرفى دوراً فى التجاء المواطنين إلى شركات التوظيف ... ففى الوقت الذى خفض فيه البنك المركزى الفوائد على الأوعية الادخارية لعملاء البنوك ... لم يمنح الجهاز المصرفى تسهيلات للإقراض الاستثمارى للمشروعات الصغيرة التى يمكن أن يقيمها أصحاب رءوس الأموال الصغيرة ... ورغم أن البنوك ملأت خزائنها بما يقترب من التريليون ونصف التريليون جنيه ... إلا أن الجهاز المصرفى لم يسهل من إجراءاته للإقراض ... واستسهلت البنوك استثمار هذه الودائع الكبيرة فى شراء سندات الخزانة وهوما يطلق عليه الاستثمار الآمن ... أو إقراض كبار العملاء والمدينين للبنوك فيما يعرف بسياسة التعويم.
والحقيقة أن المواطن معذور فى اللجوء إلى هذا النوع من الشركات حتى لو كانت وهمية مثل شركة «المستريح»  ... خاصة مع انسداد أبواب كثيرة للاستثمار الحقيقى ... ومع الارتفاع الجنونى فى أسعار ضروريات الحياة ...  والحصار الذى تفرضه الدولة على صغار المستثمرين بالمحاسبة الضريبية التى دفعت عدداً منهم إلى هجر مشروعاتهم ... وصعوبة إجراءات الحصول على قروض للمشروعات الصغيرة والمتوسطة  فى بلد ملىء بمشكلات البطالة ... والعنوسة ... والاسكان ... وارتفاع التضخم ... وغير ذلك من الإجراءات الطاردة لفكرة الاستثمار لدى عوام الناس ... كل ذلك أدى إلى تمكن فكرة الوظيفة الميرى ذات الدخل الثابت من الخطط المستقبلية للأفراد ... كذلك فإن سياسات الدولة تحارب فكرة الوظيفة الميرى  والجلوس على المكتب قولاً وتدعمها فعلاً..  وتشجع العمل الحر في الخطب والمؤتمرات.. وتحاربه بالملاحقات الضريبية والإجرائية... فلم يصدر قرار بخفض الضرائب على المشروعات الصغيرة ... ولم تسهل الحكومة إجراءات إقامة المشروعات الصغيرة.. ولم تشجع الدولة الأعمال الاستثمارية  الخالقة لفرص عمل كثيفة بوضع شرائح  ضرائب تناقصية لمن يوظف عدداً أكبر من العاملين شريطة أن يؤمن عليهم حتى لو كان عملهم لفترة محدودة.
إننا فى حاجة لبرامج متكاملة لتغيير سلوكيات المواطن ... وفكر المستثمر ... وخطط الحكومة المفتقرة إلى قرارات داعمة لتوجهاتها ... وبغير هذه البرامج انتظروا كثيرا من عينة المستريح...  والمستباح.
تباريح
الأموال تكتسب قيمها بفكر الإنسان ... المهم أن يفكر فى الاتجاه الصحيح.