الإفلاس يطارد 35 ألف ورشة "موبيليا" في دمياط
منذ سنوات ونحن نقرأ عن تراجع صناعة الأثاث في دمياط.. وخلال تلك المدة سمعنا صرخات استغاثة من كل الدمايطة ولأن أحدا من المسئولين لم يمد يد العون لأهل دمياط..
قضي الأمر وماتت صناعة الأثاث هناك ماتت بعد أن كانت ملكة متوجة علي عرش الموبيليا وبعد أن كانت فخر الصناعة المصرية.
علامات الموت مرسومة علي وجه كل أبناء دمياط ومرفوعة فوق أبواب كل ورش صناعة الأثاث ومختومة بشعار الجمهورية علي إنذارات الحجز التي تطارد ٥٣ ألف ورشة وعلي »باسبورات« آلاف الصنايعية الذين هاجروا مصر إلى تونس والمغرب والأردن ولبنان لدرجة أن صفاقس التونسية وطنجة المغربية والقويسمة الأردنية وطرابلس اللبنانية تحولت إلى مدن للأثاث تصارع دمياط وللأسف بأيدي الأسطوات الدمايطة، والذين لم يهاجروا للعمل فضلوا الذهاب إلى طرابلس في ليبيا بحثا عن مقهى السلسبيل في شارع عمر المختار أو مقهى الجندول أو باخرة السفينة في ميناء طرابلس هربا من حكم أو دين يكبله من سجن دمياط.
أسباب إفلاس دمياط كثيرة ولعل أبرزها هجرة الصناع إلى الإسكندرية والمناصرة في القاهرة ومحافظات قبلي ولأن الهجرة كانت لا تشتمل خطرا في بداية الأمر إلى أن تسببت في فتح أسواق للموبيليا خارج دمياط والنتيجة سحبت هذه الأسواق الذبون منذ (5) سنوات تقريبا من دمياط وتكدس إنتاج الدمايطة في ورشهم ومعارضهم وامتلأت المخازن عن آخرها بدون تعريف واكتفي السوق الدمياطي للأثاث تموين 5 ٪ من إنتاجها فقط لأبناء المدينة والقرى المجاورة ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل بدأت الهجرة من داخل مصر إلى البلاد العربية والإفريقية مثل تونس والمغرب ولبنان والأردن.
إبراهيم مصطفى صاحب ورشة دهانات يحكي قصته مع الهجرة الي الخارج فيقول إنه توجه إلى تونس بعد أن ضاقت الدنيا في وجهة وكان الأجر اليومي يتراوح من 70 إلى 100 دينار تونسي بما يعادل 240 جنيها مصريا لأن الأجر في دمياط لا يتعدي 60 جنيها يوميا وأثناء إبرام العقد مع صاحب العمل في تونس يشترط على الصانع الدمياطي أن يقوم بتدريب ستة شباب من التوانسة كل ستة أشهر وإلا فسخ العقد ويعود الدمياطي ترحيلا إلى مصر ولابد أن يسقيهم الصنعة لدرجة أن التوانسة قبل أربعة سنوات كانوا لا يعرفوا أطقم الزان والصالون والنوم والأنتريهات وكانت صالوناتهم هي القعدة العربي وحجرة النوم عندهم هي الجراية اصبحت مدينة صفاقس حاليا تصدر الأثاث إلى أوروبا وروسيا وإيطاليا من خلال معارض دولية بعد أن هاجرت الصنايعية الدمايطة بكل أنواعها إلى هناك الأيمجي والمدهباتي والمنجد ونجار الصوالين والنوم والسفرة والخراط والاسترجي ولو تم سحبهم من هناك سوف يأتي المصدرون التوانسة إلى دمياط وتجلب عليها عملة صعبة يمكن أن تنعش دمياط لدرجة أن تكلفة حجرة الصالون التي يتم تصنيعها في تونس لا يتعدي 1500 دينار يتم بيعها بــــ 6000 دينار.
ويضيف عبده العشماوي: نظرا لاتساع سوق العمل في تونس ووقف الحال في دمياط لجأ كثير من أصحاب الورش إلى غلقها وتحويلها إلى مقاه أو محلات بقالة لدرجة أن مدينة فارسكور المدينة الثانية بمصر في صناعة الأثاث ارتفع بها معدل الجريمة والبلطجة بدليل أن عدد المشاجرات المدونة في قسم الشرطة تعدت أكثر من 2000 محضر سنويا بسبب غلق الورش وبعض الصنايعية فضل أن يذهب ويحجز مكانا بنواصي الترع والمصارف وعلى شواطئ النيل في دمياط وفارسكور بسبب غلق ورشهم.
ويشير أحمد الجوادي صاحب ورشة نجارة موبيليا الي أن مشكلة قروض صغار الحرفيين التي تصرف بمعرفة بنك التنمية بعد اعتمادها من الصندوق الاجتماعي التي لا تزيد علي 5 آلاف جنيه للحرف يتم الحصول عليها بالواسطة لعدم ثقة الصندوق في الصناع بعد ضرب الأثاث الدمياطي في السوق علاوة على المصانع الكبرى في دمياط الجديدة والمدن الأخرى التي ساهمت في غلق عدد كبير من الورش وبدأت صفقات تصدير الأثاث الدمياطي في تراجع شديد خاصة في الأعمال النادرة مثل الأنتيكات وعمليات لصق القشرة والأعمال اليدوية النادرة التي كانت يتمتع بها الدمايطة.
ويضيف: هجرة الصنايعية تسببت في شلل الاتفاقية المصرية التونسية في تصدير الأثاث ويقول عبدالرؤوف عيسي ـ مصدر للأثاث الدمياطي ـ إن الأثاث الدمياطي أصبح في موقف حرج بسبب دول شرق آسيا التي نجحت في فتح أسواق عالمية تقل أسعارها عن دمياط بنسبة 40 ٪ بالجودة نفسها الأمر الذي يهدد المهنة بأكملها في دمياط وطالب عبدالرؤوف بتشكيل لجنة متخصصة لدراسة حال الموبيليا في دمياط لأنه من المفترض أن تصدر أثاث بها قيمته 3 مليارات سنويا من دمياط فقط بدلا من الرقم الهزيل الذي تصدره حاليا لا يتعدي 140 دولارا سنويا بحسابات الغرفة التجارية في الوقت الذي وصلت فيه صادرات دول شرق آسيا من الأثاث خلال عامين فقط إلى 3 مليارات جنيه.
وأضاف: بالرغم من الاتفاقية بين مصر وتونس لتصدير الأثاث إلا أن التوانسة يرفضون تنفيذها سرا
ويقول عادل الشرباصي عضو مجلس محلي مركز دمياط إن نواب مدينة دمياط يعملون في واد وحال أبناء دائرتهم في واد آخر ولم يفكر أعضاء مجلس الشعب والشورى بالمحافظة في تقديم طلبات إحاطة إلى وزير المالية والتجارة الخارجية لمعرفة الأسباب أو الطلب على دراسات لتحديث مهنة الأثاث أو اطلاع صناع الموبيليا على خطوط الإنتاج المتطورة في البلدان المتقدمة بهدف زيادة الصادرات وجلب عملة صعبة لمصر.
ويضيف: لم يفكر نائب مدينة دمياط في إعادة طرح ما طلبه ياسر الديب النائب السابق لدمياط من الدكتور يوسف بطرس غالي بتكليف الملحقين التجاريين في سفارتنا في الخارج بفتح منافذ بيع المنتج الدمياطي ومطالبته بإعادة النظر في الرسوم الجمركية على المواد الأساسية المستخدمة في صناعة الموبيليا والاكتفاء بضريبة المبيعات على المنتج النهائي كما هو حاصل في البلاد الأخرى كي نستطيع المنافسة في ظل الاتفاقيات العالمية.
ويعرب رضا سليمان ـ يعمل في لصق قشرة الموبيليا ـ أن سر هجرة الصناع بدأت بسفر الصنايعية مع أصحاب المعارض في هذه البلدان وبعدها بدأوا في التسرب للخارج وجلب زملائهم في المهنة.
ويقول: زاد الأمر سوءا زيادة الضرائب على الورش حيث وصلت ضريبة المبيعات حوالي 60 ألف جنيه على كل ورشة الأمر الذي ترتب عليه غلق الورش وهجرة صناعها وتشير أرقام الغرفة التجارية إلى تراجع صادرات الموبيليا في دمياط إلى 150 ألف دولار في الستة شهور الأولي عام 2008 / 2009 حتى أصبح المعروض في دمياط معرضا للتلف.
ويضيف: بالفعل تم إنشاء مركز لتكنولوجيا صناعة الإنارة في منطقة شطا من خلال الصندوق الاجتماعي بهدف إطلاع الصنايعية على طريق تجفيف الأخشاب والحد من مشاكل اللحام اليدوية لأن قوانين المنافسة العالمية لا ترحم وأصبح من الضروري تدريب صغار الحرفيين وكذلك تم الاتفاق على إنشاء مراكز تجارية عالمية بجوار ميناء دمياط لإطلاع العالم على الصنايعية الدمياطية وعرضها على الانترنت وإنشاء كلية للفنون الجميلة تابعة لجامعة المنصورة لتحديث مهنة الأثاث الدمياطي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.