رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الأمريكان والإتصالات السرية مع الإخوان

لا أعرف سر تسابق قيادات جماعة الإخوان فى نفى وتكذيب تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى رودم كلينتون الخاصة بإستئناف الإتصالات مع جماعة الإخوان المسلمين وكأنها رجس من عمل الشيطان!.. هيىلارى كلينتون لم تكذب، وليس فى تصريحاتها أى جديد على الإطلاق إلا أنها جاءت هذه المرة على لسان أرفع مسئول رسمى فى الحكومة الأمريكية، .. كما أن الإتصالات السرية بين جماعة الإخوان المسلمين والأمريكيين ومع الإنجليز من قبلهم طوال السبعين عاما الماضية لم تعد سرا على الإطلاق فهى موثقة فى مئات الأبحاث والكتب والمراجع والصحف فى الغرب والشرق على السواء،.. بل أكاد أقطع أن بعض هذه الإتصالات مسجل بالصوت والصورة من قبل أجهزة المخابرات البريطانية والأمريكية.

خلال فترة الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن الماضى جرت إتصالات سرية بين جماعة الإخوان المسلمين والإنجليز، وكان مسئول الإتصال بين الجماعة والمخابرات البريطانية هو رجل المخابرات البريطانى وليام بير، وأول إتصال بين جماعة الإخوان والأمريكيين قد تم فى عام 1953 فى عهد الرئيس الأمريكى أيزنهاور وقد تم فى جامعة برنستون الأمريكية بترتيب خاص من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية السى آى إيه، وكان الهدف محاولة إستقطاب جماعة الإخوان المسلمين لصالح الولايات المتحدة فى التصدى لخطر المد الشيوعى فى العالم العربى والشرق الأوسط إبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والإتحاد السوفييتى،.. وبعد الصدام بين الرئيس جمال عبد الناصر والإخوان المسلمين بعد حادث المنشية وإعتقال النظام الناصرى للألاف من أعضاء الجماعة والزج بهم فى السجون نجحت المخابرات الأمريكية فى تجنيد بعض قيادات الإخوان التى تمكنت من الهروب من مصر إلى السعودية للعمل على قلب نظام الحكم فى مصر ومحاولة إغتيال الرئيس عبد الناصر، وكان من بين هذه القيادات التى تم تجنيدها سعيد رمضان زوج إبنة الشيخ حسن البنا مؤسس الجماعة، بل إن بعض الوثائق الغربية تكشف الدور الذى لعبته المخابرات الأمريكية فى تأسيس المركز العالمى لجماعة الإخوان المسلمين فى ميونيخ بألمانيا الغربية.

وطوال الثلاثين عاما الماضية إستمرت الإتصالات السرية العلنية بين جماعة الإخوان المسلمين والأمريكيين، وفى الوقت الذى حاول الرئيس السابق حسنى مبارك إستخدام الإخوان المسلمين كفزاعة للغرب بصفة عامة وللولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة كانت أمريكا تستخدم جماعة الإخوان المسلمين كورقة للضغط على نظام الرئيس مبارك عند الضرورة، كما أن السفير الأمريكى السابق فى القاهرة فرانسيس ريتشارددونى قد أكد فى تصريحات له أن الإتصالات الأمريكية مع جماعة الإخوان المسلمين تقتصر على نواب المعارضة فى مجلسى الشعب والشورى وبعض النواب المستقلين بإعتبارهم جزءا من المعارضة ( المصرى اليوم فى 24 مايو 2007).،.. كما أن نفس السفير الأمريكى السابق كان قد كشف عن إجراء اتصالات ولقاءات منتظمة بين سفارة بلاده وجماعة "الإخوان المسلمين" بدأت منذ عهد الرئيس الراحل أنور السادات في فترة السبعينيات وأكد ريتشاردوني أنه شخصيًا دأب على زيارة مقر الجماعة بمنطقة وسط البلد منذ أن كان موظفًا صغيرًا في السفارة الأمريكية بداية من الثمانينيات وحتى أحداث 11 سبتمبر حيث أعلنت الجماعة عن عدم رغبتها في مواصلة هذه اللقاءات ، وقال إن هذه اللقاءات تجرى بعلم وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس رغم إعلانها 2005 بالقاهرة عدم الاتصال بالجماعة خشية تأثر العلاقات مع مصر، مضيفًا في رده على سؤاله بهذا الشأن: "بالطبع نرسل تقارير كاملة عن هذه الاتصالات لواشنطن ( حديث السفير لصحيفة " واشنطن تايمز" – ديسمبر 2007)

وبعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر 2001، وفى نطاق ما سمى بالحرب على الإرهاب أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية العديد من المنظمات الإسلامية ضمن قائمة المنظمات الإرهابية المحظور التعامل معها لكن لم تكن من بينها جماعة الإخوان المسلمين ،.. كما قامت إدارة الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش بحظر نشاط العديد من المنظمات والجمعيات الخيرية الإسلامية داخل الولايات المتحدة وقامت بحظر دخول بعض الشخصيات الإسلامية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكان من بينهم الدكتور طارق سعيد رمضان الباحث الإسلامى وحفيد مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا، والذى يعيش فى سويسرا.

وفى عهد الرئيس باراك أوباما واصلت الولايات المتحدة الإتصالات بجماعة الإخوان المسلمين من جديد، وعندما حضر الرئيس الأمريكى إلى القاهرة فى 4 يونية 2009 لإلقاء خطابه الشهير للعالم الإسلامى فى جامعة القاهرة تم توجيه الدعوة رسميا من قبل السفارة الأمريكية فى القاهرة لثلاثة من نواب الإخوان فى مجلس الشعب لحضور الخطاب، وقبل الخطاب بشهرين أى فى شهر أبريل حدث لقاء بين ممثلين عن الإخوان ومسئولين فى الإدارة الأمريكية وتكشف وثائق غربية وإسرائيلية عن أن الرئيس أوباما قام شخصيا بالتوقيع على قرار بإلغاء الحظر المفروض على الدكتور طارق سعيد رمضان والسماح له بدخول الولايات المتحدة، كما تكشف الوثائق أيضا عن لقاء تم بين الرئيس أوباما فى البيت الأبيض مع ممثلين عن جماعة الإخوان على مأدبة إفطار فى شهر رمضان عام 2009، وتذكر بعض الوثائق أن الرئيس أوباما علق مازحا لبعض مساعديه أنهم ( ممثلى الإخوان) يحاولون تجنيده للإنضمام للجماعة

الإتصالات السرية والعلنية بين جماعة الإخوان المسلمين والولايات المتحدة كثيرة ومتعددة والتفاصيل أكثر، ولكن السؤال الذى يفرض نفسه الآن هو : لماذا قررت الولايات المتحدة الأمريكية الآن الإعلان وعلى أعلى مستوى رسمى فى الحكومة الأمريكية عن إستئناف الإتصالات الأمريكية مع جماعة الإخوان المسلمين ؟!.

الإجابة على السؤال السابق ليست كما ذهبت بعض التحليلات فى الصحافة المصرية والغربية بأن الولايات المتحدة دولة براجماتية وتتعامل مع معطيات الواقع التى تقر بأن جماعة الإخوان المسلمين تمثل قوة فاعلة ومؤثرة فى الشارع المصرى الآن، فالولايات المتحدة الأمريكية لم تكتشف هذه الحقيقة فجأة فهى تعلم القوة الحقيقة للإخوان منذ وقت طويل ودون أى مبالغات فى حجم هذه القوة، غير أن إعلان تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون الأخيرة بشأن إستئناف الإتصالات الأمريكية مع جماعة الإخوان المسلمين ينم عن حدوث تطور

جديد وتغيير فى موقف إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما من جماعة الإخوان ومن الموقف الأمريكى العام بشأن الفترة الإنتقالية الحالية فى مصر.. كيف؟

خلال أحداث الثورة المصرية من 25 يناير وحتى الحادى عشر من فبراير الماضى وبعد الإنقسام الحاد فى الإدارة الأمريكية والذى ظهر فى إجتماع مجلس الأمن القومى الأمريكى لبحث إتخاذ موقف أمريكى موحد إزاء الثورة المصرية والرئيس حسنى مبارك والذى حسمه الرئيس أوباما بتبنى وجهة نظر فريق الشباب من أعضاء المجلس بالإصرار على تخلى الرئيس مبارك عن السلطة فى الحال وتأييد الثورة فى مصر والذى أشرت إليه بالتفصيل فى مقال لى نشر هنا بعنوان " الإدارة الأمريكية تؤيد الثورة المصرية فى العلن وتلعنها فى السر"، وجدت إدارة الرئيس أوباما أن مصالح الولايات المتحدة الأمريكية الإستراتيجية فى الشرق الأوسط تتطلب الرهان على تأييد جماعة الإخوان المسلمين حتى لو وصلوا للحكم بعد إندلاع الثورات العربية والمصرية وبعد فشل الحكام الطغاة الذين إعتمدت عليهم الولايات المتحدة سنوات طويلة فى الحفاظ على هذه المصالح، وقرر الرئيس أوباما قبول المخاطرة بالرهان على جماعة الإخوان المسلمين، رغم معارضة إسرائيل ورئيس وزرائها بنيامين نيتانياهو واللوبى الصهيونى الموالى لإسرائيل فى الولايات المتحدة لهذا التوجه الجديد، وأيدت الإدارة الأمريكية كل الإجراءات التى إتخذها المجلس العسكرى الحاكم فى مصر مثل الإستفتاء الذى جرى فى شهر مارس الماضى على عدد من التعديلات الدستورية، وعلى إجراء الإنتخابات البرلمانية أولا فى شهر سبتمبر القادم فى موعدها، .. كان هذا هو الموقف الأمريكى المعروف لكن مع نهاية شهر مايو الماضى حدث تغير تكتيكى فى الموقف الأمريكى تجاة الإخوان وموضوع الإنتخابات البرلمانية فى مصر.

 

طوال الأربعة أشهر التى أعقبت غياب الرئيس حسنى مبارك عن الحكم وتولى المجلس العسكرى إدارة شئون البلاد خلال الفترة الإنتقالية كانت الولايات المتحدة الأمريكية ولا تزال تراقب الأحداث والتطورات فى مصر عن كثب، ولاحظ الأمريكان أن سلوك جماعة الإخوان فى مصر بعد الثورة وبعد حل الحزب الوطنى الحاكم السابق بدأ يتسم بالتعالى والغطرسة وإستعراض العضلات بعد أن أصبحوا أكبر قوة سياسية منظمة فى الشارع المصرى وإستثمروا جيدا نتيجة إستفتاء 19 مارس الماضى وأصروا على إجراء الإنتخابات البرلمانية أولا فى موعدها،.. سلوكيات جماعة الإخوان المسلمين بالإضافة إلى الظهور المفاجىء بعد الثورة لجماعات السلفيين وكافة التيارات الدينية على المشهد السياسى المصرى كلها أثارت الشكوك والريبة والهواجس عند الإدارة الأمريكية، ناهيك عن الضغوط التى تمارسها إسرائيل واللوبى الإسرائيلى فى الولايات المتحدة على الرئيس الأمريكى باراك أوباما لتعديل موقف إدارته تجاه جماعة الإخوان المسلمين،.. إزاء كل هذه التطورات أدركت الولايات المتحدة الأمريكية أنها أرتكبت خطأ بالموافقة على إجراء إستفتاء 19 مارس الذى جرى على عجل بعد مرور أسابيع قليلة من خلع الرئيس مبارك، كما أدركت أن إجراء الإنتخابات البرلمانية فى موعدها فى سيتمبر القادم يعنى أن الإخوان هم الذين سيتولون عملية صياغة الدستور الجديد وهو الأمر الذى يعترض عليه فريق العلمانيين والليبراليين ومعظم الأحزاب السياسية الأخرى بالإضافة إلى أن معظم الأحزاب الجديدة غير معروفة جماهيريا وغير مستعدة للإنتخابات البرلمانية فى سيتمبر القادم، فتغير الموقف الأمريكى كلية وطالبت الإدارة الأمريكية بأمرين: ضرورة إجراء إستفتاء على الدستور أو دستور جديد أولا، وعلى تأجيل موعد الإنتخابات البرلمانية لكن المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس العسكرى الحاكم يرفض أى تأجيل للإنتخابات، ويريد أن يسلم السلطة إلى السياسيين فى أسرع وقت، وإزاء موقف المشير والمجلس العسكرى جاءت تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلارى كلينتون الأخيرة بالإعلان عن إستئناف الإتصالات بين الولايات المتحدة الأمريكية وجماعة الإخوان المسلمين لإحراجهم داخليا من ناحية، و" فرملة" إندفاعهم وإصرارهم على إجراء الإنتخابات البرلمانية أولا وفى موعدها من ناحية أخرى.

إن الولايات المتحدة الأمريكية يا سادة هى التى ترفع مبدأ " الدستور أولا" ، وتطالب بتأجيل الإنتخابات البرلمانية القادمة.

كاتب صحفى مصرى – كندى

[email protected]

 

 

 

.

 

 

".