رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الكتابة ومسئولية الكلمة

خلال حياتى الصحفية والإعلامية شاهدت وسمعت وحاورت وقرأت الكثير ومازلت ، وأحاول أن أنقل ما تعلمت للقارئ فى صدق وأمانة ، فمصداقية أى كاتب أو صحفى هى رأس ماله الحقيقى ، ولأن الكلمة فعلا مسئولية جد خطيرة لو علم كل من يمسك بالقلم ،... والذى أراه فى الصحافة والإعلام المصرى هو قليل من المسئولية والإلتزام ، وكثير من الإنزلاق فوق سطوح القضايا والأشياء. لقد غابت الفواصل بين الصحافة والإعلام الجاد وبين صحافة " التابلويد" الرخيصة وإعلام الإثارة والتهييج والتضليل، لم تعد الصحافة المصرية صاحبة الجلالة أو سلطة رابعة بعد أن فقدت الكلمة الإحترام والرونق والمصداقية. الكلمة يا سادة  قد تكون " إكسير الحياة " لإنسان تملكته مشاعر اليأس والإحباط ، وقد تكون السم الزعاف لإنسان آخر ، وهى قد تبث الحياة والأمل وتحفز الهمم فى أمة بأسرها ، وقد تتسبب أيضا فى نشوب حرب أهلية، وأظن أن المسيح عليه السلام هو الذى قال أن الإنسان لا يحاسب على ما يدخل فمه وإنما يحاسب على ما يخرج من فمه ، فهل الكاتب أو الصحفى حينما يكون صادقا مع نفسه ومع القارئ.. هل يستحق الشكر ؟! أنا أقول لا ، لأن هذا هو ما ينبغى أن يكون ، وهذا هو واجبه ولا شكر على واجب كما يقولون. هكذا تعلمت الصحافة منذ الصغر وهكذا أفهمها، ..  فى السنوات الأولى من إشتغالى بالصحافة فى مصر كانوا يقولون لنا ان الصحافة هى مهنة البحث عن المتاعب لكنى عندما هاجرت إلى كندا تعلمت أنها مهنة البحث عن الحقيقة لا المتاعب
وقديما قال احد الفلاسفة أن الباحث عن الحقيقة كمن يبحث عن قطة سوداء  فى غرفة مظلمة ، وأنا دائما أبحث عن الحقيقة أو عن قدر يسير منها ، وأجد متعة فى البحث عنها .أحترم كل من يبحث عن الحقيقة وأشك فى كل من يدعى أنه وجدها، لأن الحقيقة وكما قال الفيلسوف العربى الكبير أبو حيان التوحيدى أكبر من أن يستوعبها فرد واحد.

لى الكثير من الهوايات لكن ليس من بينها الكتابة أو الصحافة ، فتلك رسالة وأمانة ومسئولية. ... لا أحبذ أسلوب النصح والإرشاد فى الكتابة ، وإنما أفضل أن أقدم معلومة جديدة وأعرض للصورة من كل جوانبها وأترك للقارئ أن يختار ويحكم بنفسه احتراما لعقله وفكره ، وهذا يتأتى بالقراءة ، والقراءة المتعددة المصادر ، والإلتقاء بالمصادر كلما أمكن ، وبالتفكير وإمعان النظر وحتى يتسنى لك أن تكون رأيا سليما مستقلا عن علم ودراية ومعرفة .

 

والمعرفة عند الفيلسوف الكبير أفلاطون هى رأى حقيقى، والكاتب الأمريكى جيمى هيندركس هو الذى قال : " إن المعرفة تتكلم أما الحكمة فتصغى "

وعندنا المثل العربى الشائع: " إذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب ".

وعندما سئل فولتير عمن سيقود الجنس البشرى أجاب: الذين يعرفون كيف يقرؤون.

وقبل أن يقول فولتير قولته الشهيرة قالها قبله بقرون المولى عز وجل فى كتابه الكريم: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ .

كانت أول كلمة فى القرآن هى : اقرأ،.. ولم يكن هذا من قبيل المصادفة، بل كان أمرا إلهيا بالقراءة – أى بالعلم والمعرفة وتعليم الإنسان ما لم يعلم،.. والشعوب التى تقرأ هى شعوب قوية وقائدة، واما الشعوب التى لا تقرأ فهى شعوب ضعيفة يسهل إنقيادها وإستعبادها والسيطرة عليها.

ولنا أن ننظر إلى الأديب العملاق عباس محمود العقاد الذى لم يحصل إلا على

الشهادة الإبتدائية، وكيف وصل إلى ما وصل إليه من مكانة رفيعة فى الأدب وشموخ فى الفكر إلا بالقراءة  .
وعن القراءة يقول الأستاذ العقاد:

" لست أهوى القراءة لأكتب، ولا لأزداد عمراً في تقدير الحساب، إنما أهوى القراءة لأن لي في هذه الحياة حياة واحدة، وحياة واحدة لاتكفيني، ولا تحرك كل ما في ضميري من بواعث الحركة. القراءة وحدها هي التي تعطي الإنسان الواحد أكثر من حياة واحدة، لأنها تزيد هذه الحياة عمقاً، وإن كانت لا تطيلها بمقدار الحساب ؛ فكرتك أنت فكرة واحدة، شعورك أنت شعور واحد ، خيالك أنت خيال فرد واحد إذا قصرته عليك، ولكنك إذا لاقيت بفكرتك فكرة أخرى، ولاقيت بشعورك شعوراً آخر، ولاقيت بخيالك خيال غيرك، فليس قصاري الأمر أن الفكرة تصبح فكرتين، وأن الشعور يصبح شعورين، وأن الخيال يصبح خيالين.. كلا وإنما تصبح الفكرة بهذا التلاقي مئات الفكر في القوة والعمق والامتداد " .

إن القراءة ليست رفاهية بل ضرورة وحاجة للإنسان،.. هى ترويح ومتعة للنفس وغذاء للعقل، وبذكر الله وقراءة القرآن قراءة واعية عن فهم تطمئن القلوب  وتهدأ النفوس وتتغذى العقول وتسقط الفواصل الزمنية والحواجز الجغرافية.
وقد سأل أحد أبناء الفيلسوف الأمريكي وليم جيمس أباه قائلاً :

" إذا سألني الناس عن مهنتك، فماذا أقولك لهم يا أبتاه ؟ "

قال : " يا بني ! قل لهم إن أبي دائم التجوال ليلقي الأدباء والعلماء والمفكرين، من كل عصر وجنس ودين، يصغي إلي الأموات منهم، كما يصغي إلى الأحياء، يصافحهم على الرغم من المسافات الشاسعة التي تفصله عنهم .. إنه لا يعبأ بحدود جغرافية ولا فترات زمانية " .

ونحن الآن نحيا فى عالم تقاربت فيه المسافات الشاسعة وتحققت فيه فكرة الوحدة المكانية نتيجة للثورة الهائلة التى تحققت فى وسائل المواصلات والإتصالات والإنترنت، وفى عصر الإنترنت ازداد عدد الكتاب من كل لون وجنس، وكل من هب ودب بالملايين، ولا مانع فى هذا فمن حق كل إنسان أن يحصل فى حياته وكما يقول الأمريكيون على خمسة عشر دقيقة من الشهرة، ولكن المهم أن يكون عقل المتلقى – القارىء ـ كالغربال يقوم بتنقية السمين من الغث، والصالح من الطالح والحق من الباطل، وهذه مسئولية القارىء.

كاتب صحفى مصرى ـ كندى