عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الإخوان وصراع الطبقات الجيولوجية السياسية فى مصر

ليست مهمة الكاتب أن ينافق قراءه أو يتملقهم، بل مهمته أن يسلط الضوء على العيوب والأخطاء الجسيمة بغية تصويبها، واستنباط الدروس والعبر منها وحتى يمكن تفادى تكرارها فى المستقبل.

والكاتب الذى يكون قد كون لنفسه رأيا فى قضية ما، خاصة إذا كان قد كون رأيه بعد بحث وتدقيق وتمحيص لكل ما أمكن أن يقع تحت يده من معلومات حول القضية موضوع البحث فإن الأمانة العلمية، ومسئولية الكلمة تحتم على هذا الكاتب أن يدلى برأيه فى القضايا الأساسية والمواقف الحرجة والأوقات العصيبة.

وكثيرا ما يقول لى بعض الأصدقاء المقربين لماذا لا أكتب ما يتوافق مع المزاج العام أو مزاج الأغلبية؟!... لماذا أحاول السباحة ضد التيار؟ بل إن البعض الآخر من الأصدقاء قد قالوا لى مرارا أنه لا فائدة من الكتابة أصلا، وأننى وغيرى من الكتاب كمن يحرث فى البحر، ولن يتغير أى شىء !....

والمقصود بالمزاج العام أو مزاج الأغلبية هو تلك الآراء التى تجمع عليها الأغلبية حتى ولو كانت خاطئة، وردى الدائم الذى لا يتغير هو أن إجماع الأغلبية على رأى معين ليس بالضرورة دليلا على صحة هذا الرأى، وأعتقد أن الواقع المصرى والعربى ، وأحداث ووقائع الماضى القريب تحمل الكثير من الشواهد على ذلك.

هذا بالإضافة إلى قناعتى التامة بإحدى المقولات " الديكارتية " للفيلسوف الفرنسى الكبير " رينيه ديكارت " والتى تقول:

" إن أخشى ما أخشاه هو تلك الآراء التى تصفق لها الجماهير ".

وإذا كانت نظم الحكم العربية فى معظمها نظم أحادية فى جوهرها ، وتغلب عليها النزعة الإستبدادية الفردية رغم محاولات تجميل واجهاتها بديكورات التعددية إلا أن الشارع العربى كله يعانى من فوضى الإزدحام الشديد من كثرة التيارات السياسية والأيديولوجية والمذهبية الطائفية، حيث لا توجد ضوابط أو إشارات مرور، وإذا وجدت فسرعان ما تجد كل الألوان مضاءة فى وقت واحد... الأخضر مع الأصفر مع الأحمر، فضلا عن وجود تيارات لا تعبأ أصلا بأى إشارات مرور.!!

وفى الشارع المصرى المزدحم ـ على سبيل المثال ـ تنسى التيارات السياسية المختلفة وهى تتناول الأحداث والوقائع التاريخية أن ثمة فرق كبير بين مناقشة التاريخ وبين نبش القبور.!

مناقشة التاريخ والبحث فيه أمر محمود وضرورى، وكل الأمم تناقش تاريخها بدرجات متفاوته، المهم هو كيف نناقش تاريخنا دون أن نتجمد فى مكاننا ، .. كيف نناقش تاريخنا وحاضرنا وعيننا على المستقبل بدلا من أن تتقوقع فى الماضى البعيد، والمجد الذى كان والخلافة التى ولت؟.

وأما نبش القبور فأمر كريه مذموم، تحرمه وتجرمه كل القوانين والشرائع السماوية.

نبش القبور لا يمكن أن يرجى منه أى إصلاح للأحوال والأمور..

فى مصر والمجتمعات العربية نرى القليل من مناقشة التاريخ، والكثير من نبش القبور.

إن الكثير من المشكلات التى نعانى منها منذ سنوات طويلة لازالت قائمة لأن الذين يتعرضون لحلها يرتكبون أخطاء فى تشخيص الأسباب التى أدت إلى خلق هذه المشكلات فى المقام الأول، وبدون التشخيص الدقيق لا يمكن التوصل إلى العلاج الصحيح.

إن الحوار الدائر فى مصر ومنذ وقت غير قصير بين فريق الليبراليين والعلمانيين من جهة وبين فريق الأصوليين من الأخوان المسلمين من جهة أخرى، أو حتى داخل ما يسمى بالحوار الوطنى ليس حوارا بالمعنى الديمقراطى المتعارف عليه فى المجتمعات الديمقراطية المتحضرة، وإنما هو فى حقيقة الأمر نوع من الحرب الأهلية الكلامية، فكل طرف لديه قائمة طويلة من مواقف مسبقة تميل إلى التشدد يطلقون عليها " الثوابت الأساسية " ودون أن يحدد أحد لنا بدقة ووضوح ما هى هذه الثوابت لأن الثوابت التى لايختلف عليها البشر جميعا هما : الموت والضرائب.

ومصر شأنها شأن معظم المجتمعات العربية هى مجتمع طبقى ـ وهذا هو ما يعرفه المواطن العادى ووقر فى وعيه ، ولاوعيه، ويتصرف على أساسه وإن سكت ـ على الرغم من أن الدساتير والقوانين الوضعية لا تقر الطبقية ولا تعترف بها.!!

وهذه الطبقات الجيولوجية السياسية ليست طبقات كامنة تحت الأرض، وإنما هى كلها بارزة على السطح، تتفاعل وتتصارع مع بعضها البعض وفى آن واحد، وبرزت بصورة أكثر وعلا صوتها أو صراخها بعد تورة 25 يناير الماضى.

ومعظم الكتاب الذين يتناولون أحداث الحاضر والماضى القريب تغيب عن أذهانهم حقيقة هامة وهم يناقشون التاريخ ألا وهى أنهم ليسوا مؤرخين أكاديميين متخصصين فى كتابة التاريخ، وفق شروط علمية وأكاديمية متعارف عليها، .. قد تختلف فيها المدارس والإجتهادات إلا أنها جميعا تشترك فى هدف محاولة إستخراج العبرات والنظرات سعيا إلى مستقبل أكثر إشراقا من الماضى والحاضر.

ونظرا لغياب هذه الحقيقة عند معظم من يناقشون التاريخ، عندئذ لا تصبح المناقشة مناقشة تاريخ وإنما معركة بقاء شرسة، حياة أو موت لكل فريق ، وسرعان ما تتحول المناقشة إلى صراعات سياسية تختلط فيها المصالح والآراء والعقائد الدينية والميول والأهواء الشخصية والنفس الأمارة ـ غالبا بالسوء ـ والغرائز البشرية،... ثم نكتشف فى المحصلة النهائية أن الحقيقة المجردة هى أول ضحية!!.

فمثلا إذا نظرنا بإمعان إلى  الدور الذى لعبته جماعة الإخوان المسلمين خلال أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 – سواء كان هذا الدور كبيرا أم صغيرا – وحتى الآن، ونظرا لقرب موعد إجراء الإنتخابات البرلمانية المقبلة نكتشف أن الجدل والنقاش الدائر حاليا والمشوب بالتوتر والتربص والحدة قد أحدث نوعا من الإنقسام فى الشارع المصرى بين من يؤيد ومن يعارض، وأصبح المؤيدون يرون فى هذه الجماعة الخير والخلاص وطوق النجاة من الأوضاع الحالية المتردية على كل الأصعدة، بينما يرى المعارضون أنها شر مستطير، وإستغلال للدين للوثوب إلى الحكم، وخطر قادم يهدد الأمن والإستقرار فى مصر والمنطقة كلها... فما هى حقيقة هذه الجماعة وأهدافها بعيدا عن مزاعم قادة الجماعة، وبمنأى عن المواقف المسبقة لفريقى المؤيدين والمعارضين؟.

أعترف أن الإجابة على السؤال السابق ليست أمرا سهلا، ومن الإجحاف للقارىء بل وللجماعة نفسها أن نحاول الإجابة عليه فى مقال أو إثنين، لسببين رئيسيين:

-       أولهما أن جماعة الإخوان المسلمين ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب وإتما هى جماعة قد تعدى عمرها الزمنى ما يزيد عن ثلاثة أرباع قرن من الزمان، كانت الجماعة خلالها – قبل الحظر القانونى وبعده، وحتى اليوم ـ عنصرا لايمكن تجاهله.

-       وثانيهما أن الإجابة عليه لابد أن تتضمن الإجابة على عدة أسئلة أخرى ملحة ومطروحة بقوة فى الساحة السياسية وفى الشارع المصرى والعربى، نرى أن قادة الجماعة لم يقدموا بشأنها حتى الآن إجابات شافية ووافية، كما أنها أسئلة مطروحة أيضا خارج مصر والمنطقة وعلى مستوى
دولى فى دوائر صنع القرار السياسى، وفى معاهد ومراكز الأبحاث السياسية والإستراتيجية، وقبلهما فى الغرف المغلقة داخل أجهزة مخابرات نافذة فى عواصم عالمية كبيرة ومؤثرة... تحاول جميعها أن تقدم لصانعى القرارات السياسية إجابات على الأسئلة المطروحة ولعل أهمها:

-       هل يمكن أن تصل جماعة الإخوان المسلمين إلى سلطة الحكم فى بلد كبير محورى ومؤثر كمصر؟

-       ما هى تداعيات وصول الإخوان المسلمين إلى سلطة الحكم فى مصر ـ إذا ما حدث ـ على مجمل الأوضاع فى مصر والمنطقة، وتأثيرات ذلك على المصالح الإستراتيجية والحيوية للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بصفة خاصة والغرب بصفة عامة؟ ...

وهنا تجدر الإشارة إلى أن الفكر السياسى الغربى ليس من عادته أن يترك أى شىء يمس مصالحه الحيوية للظروف أوالمقادير.

-       هل تغيرت جماعة الإخوان المسلمين حقا كما يزعم قادة الجماعة؟ أم أن التغيير الذى طرأ عليها هو فقط تغيير تكتيكى وليس تغييرا إسترتيجيا؟

-       هل يؤمن الإخوان المسلمون حقا بالديمقراطية كما يرددون أم أن الإيمان بها فى هذه المرحلة هو " وسيلة " ضرورية " الغاية " منها الوصول للسلطة فى مصر ومحاولة فرض خريطة جديدة للشرق الأوسط ؟

-       هل يمكن لجماعة الإخوان المسلمين ـ فى نهاية المطاف ـ أن تتلاقى مع الغرب فى منتصف الطريق أم ستتباعد الشقة والهوة بينهما، لتتأكد مقولة الجنرال البريطانى " كبلنج " القديمة بأن الشرق شرق، والغرب غرب، ولا يمكن أن يلتقيان؟!

-       إذا افترضنا جدلا أن الأخوان المسلمين يمكن أن يصلوا الى الحكم فى مصر، فما هو نظام الحكم الجديد الذى ستتبناه الجماعة؟ هل هو نظام جمهورى دستورى؟ أم هو نظام برلمانى دستورى؟ أم ستكون دولة دينية إسلامية؟ وإذا كانت دولة دينية فما هو النموذج الذى ستحتذى به؟ هل هو النموذج الإيرانى أو الطالبانى أو السودانى ( إبان حكم النميرى)؟ أم هو نموذج مصرى جديد؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هو؟!

-       إذا افترضنا جدلا أيضا وصول الإخوان الى الحكم فكيف سيتعامل النظام الجديد مع دولة مثل المملكة العربية السعودية والتى قام قادتها خلال الأعوام الأخيرة بشن هجوما ضاريا على الجماعة وإعتبارها مسئولة عن التطرف وتفريخ الإرهاب فى المنطقة، ..  مرة على لسان الأمير نايف بن عبد العزيز، ومرة أخرى على لسان الملك عبدالله بن عبد العزيز عندما كان وليا للعهد؟! وكيف سيكون التعامل مع دولة عربية مثل سورية تفرض حظرا قانونيا على جماعة الأخوان المسلمين على أراضيها؟!

-       ما هى البرامج التفصيلية لجماعة الأخوان المسلمين والخاصة بقضايا أساسية ومشكلات مزمنة تهم المجتمع المصرى بأسره مثل قضايا التعليم والصحة والسياحة وعمل المرأة وأزمة البطالة والزيادة السكانية وحقوق المواطنة وحقوق الأقليات، والتزامات مصر بالمعاهدات الدولية والثنائية والمواثيق؟

-       بعد مضى 83 عاما على تأسيس جماعة الأخوان المسلمين من حقنا أن نسأل: هل توجد أية فروق جوهرية بين فكر أول مرشد للجماعة الشيخ حسن البنا، وفكر المرشد الحالى الدكتور محمد بديع ؟

-       هل تؤمن الجماعة بتداول السلطة؟ وما هو موقفها من الفنون والآداب والثقافة بصفة عامة؟

إننا الآن فى مفترق طرق.!!!

والظروف والأوضاع الراهنة فى مصر والمنطقة العربية أصبحت شديدة الحرج والتعقيد والتشابك، ولم تعد تحتمل المزيد، فالمنطقة بالفعل حبلى بالمشاكل والأزمات والثورات الشعبية على السطح، وتحت السطح قنابل موقوتة وألغام، وبراكين تغلى، وبترول بكميات كبيرة، وقنابل نووية إسرائيلية ، وكلها قابلة للإنفجار فى أى وقت!!.

لقد حان الأوان لأن نحاول جميعا أن نضع جماعة الإخوان المسلمين تحت مجهر البحث والتحليل السياسى الميكروسكوبى الذى يتعدى أمر تسجيل مواقف بـ " مع " أو " ضد " هذه الجماعة، وبعيدا عن الشعارات الجوفاء، والصراخ والعويل، والعواطف الجياشة، ولقد جربنا ذلك كله عقودا ، ولم يعد أمامنا من سبيل سوى تناول الأمر بعقل بارد، ورؤية تحليلية واضحة تسلط الضوء على جماعة الإخوان المسلمين  وتعطى للجماعة مالها وما عليها من استحقاقات دون تحامل أو تحيز، ووفق المتاح من المعلومات والمصادر المختلفة، ودون أن يدعى أحد أنه يملك بشأنها صولجان الحقيقة الكاملة فذلك يتعدى نطاق أى فرد واحد أو جماعة، هى دعوة لكل أصحاب العقول الواعية المستنيرة، ومن كل التيارات السياسية، والأكاديميين والخبراء، ومن جماعة الإخوان نفسها أن تساهم بفكرها وخبراتها وآراءها، عسى أن نستكشف جميعا معالم الطريق فى الحاضر والمستقبل.

وللحديث بقية.

كاتب صحفى مصرى ـ كندى

[email protected]