رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

تأملات فى الذكرى الستين لثورة يوليو 1952

فى الثالث والعشرين من يوليو الجارى تحتفل مصر بمرور 60 عاما على ميلاد ثورة يوليو 1952، وشتان ما بين مصر فى يوليو 1952 ومصر فى يوليو 2012!!

أين مصر الآن فى 2012 من مصر 1952؟! هل نحن أفضل أم أسوأ حالا اليوم ؟ ، هل تم الإنقضاض على إيجابيات ومنجزات ثورة يوليو 1952؟ هل عادت سلبياتها وتلاشت إيجابياتها؟ هل أصبحت ثورة يوليو مجرد ذكرى فى ذمة التاريخ؟!، هل نحن فى حاجة إلى ثورة يوليو جديدة، أم أن عصر الثورات قد إنتهى وبدأ عصر الصفقات والتحالفات الإستراتيجية مع الأمريكيين والقوى الدولية ؟!!.

لقد كتب آلاف الباحثين والكتاب والسياسيين فى الداخل والخارج ولا يزالوا يكتبون عن ثورة 23 يوليو 1952، فماذا يمكننى أن أكتب عنها، ماذا يمكننى أن أضيف على ما كتبوه؟، وما قيمة كل ما يكتب ؟، فالذين أيدوا الثورة طوال حياتهم سوف يظلون على تأييدهم لها على الرغم من سلبياتها، والذين عارضوا الثورة طوال حياتهم سوف يستمرون فى معارضتهم لها على الرغم من إيجابياتها، كما أننى لا أريد أن أؤرخ للثورة ، فلست مؤرخا لها سواء كنت ناصفا أم ناقدا أو كليهما، لأن الذى يعنينى منها هو الحاضر وإستنباط الدروس والعبر من ثورة يوليو 1952 وما تلاها من أحداث وإنجازات ونكسات، لإستكشاف مستقبل أفضل لمصر ، .. كما أنه لا يوجد كاتب مهما علا شأنه من حقه أن يدعى أو يحتكر الحقيقة المطلقة بخصوص ثورة 23 يوليو عام 1952، لكن من خلال كل ما يكتب عن الثورة من كافة التيارات السياسية المؤيدة والمعارضة لها ربما تظهر الحقيقة المجردة للأجيال الجديدة الشابة صاحبة الحق وحدها فى المستقبل.

إن الذى يهمنى فى الذكرى الستين لثورة يوليو 1952 هو التأكيد والتركيز على عدد من الحقائق التالية التى لا يختلف عليها أحد والتى لها علاقة بوقتنا الحاضر وبمستقبل مصر:

أولا : أيا كانت المزاعم والتحليلات فإن الثابت أنه ومنذ يوم 23 يوليو عام 1952 وحتى يومنا هذا فإن الجيش المصرى أو العسكر أو بالأحرى المؤسسة العسكرية هى التى تمسك بزمام مقاليد الأمور والحكم فى مصر، وأنه منذ ما يقرب من 60 عاما لم يحكم مصر سوى أربعة رؤساء فقط – محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات ومحمد حسنى مبارك - ، جميعهم خرجوا من الجيش وينتمون للمؤسسة العسكرية، وأن المشير محمد حسين طنطاوى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة هو الرئيس الخامس لمصر – صحيح أنه مع المجلس العسكرى أدار الفترة الإنتقالية - لكن هذا هو ما سوف يذكره التاريخ والمؤرخون، .. جميعهم ينتمون إلى الجيش والمؤسسة العسكرية حتى ولو خلع بعضهم الزى العسكرى وارتدوا بذلة مدنية مثل عبد الناصر والسادات ومبارك!!

ثانيا: أن مبادىء وأهداف الثورة الستة وهى: القضاء على الإقطاع والقضاء على الإستعمار والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم وإقامة حياة ديمقراطية سليمة وإقامة جيش وطنى قوى وإقامة عدالة إجتماعية ، جميعها قد تحققت بإستثناء هدف إقامة حياة ديمقراطية سليمة .

ثالثا : أن ثورة 23 يوليو 1952 والتى بدأت كإنقلاب عسكرى أو ما أطلق عليه وقتئذ اسم حركة الجيش التى سرعان ما أيدها الشعب تأييدا عارما جارفا قد قام بها ضباط أحرار من الجيش وأن الذى انقلب عليها وقام بتحويل مسارها والخروج عن أهدافها  فيما بعد هم رؤساء وجنرالات كبار ينتمون أيضا إلى الجيش ومن أبناء المؤسسة العسكرية نفسها، ولقد بدأت عملية الإنحراف هذه فى عهد خليفة الرئيس الزعيم جمال عبد الناصر الرئيس أنور السادات، عندما أعطى إشارة يسار للثورة ثم دخل بها إلى اليمين وخاصة بعد أن أعلن الإنتقال من شرعية يوليو 1952 إلى شرعية حرب أكتوبر 1973 ، .. قرار استراتيجى كهذا غير مسار ثورة يوليو بالكامل من اليسار إلى اليمين،.. من الإشتراكية إلى الرأسمالية أتخذه رجل واحد هو الرئيس السادات، والذى كان من أحد الضباط التسعة الأوائل المؤسسين لمجلس قيادة الثورة، وهذا معناه أن مصر فى ذلك الوقت لم تكن بها مؤسسات حكم حقيقية كما هو الحال فى الدول الديمقراطية العريقة ، وإنما بها مؤسسات شكلية تسيطر عليها إرادة رجل واحد هو رئيس الجمهورية الذى يتمتع بسلطات شبه مطلقة بعد أن تم تفصيل دستور على مقاس السيد الرئيس وضعه " ترزية القوانين " والدساتير!!، واستمر الحال على هذا المنوال بعد إغتيال الرئيس السادات وتولى خليفته الرئيس حسنى مبارك شئون الحكم والرئاسة ، والذى سار أيضا على نهج السادات ولكن على طريقته هو، إلى أن حدثت فى عهده تغييرات جوهرية قامت بتفريغ معظم أهداف ثورة يوليو 1952 من مضمونها، فعاد الإقطاع إلى مصر مرة أخرى بصورة متوحشة وأكبر من إقطاع ما قبل الثورة ، وفى قطاعات عديدة غير الإقطاع الزراعى، ثم سمح بعودة الإستعمار الجديد فى ثوبه الإقتصادى، كما سمح بعودة سيطرة رأس المال وتزاوجه مع السلطة بصورة صارخة لم يسبق لها مثيل إلى درجة مست نزاهة مؤسسة الحكم نفسه فى مصر!.

رابعا : إستمرار الصراع الدائر على الحكم فى مصر بصور وأشكال مختلفة طوال الستين عاما الماضية بين جماعة الإخوان المسلمين وطبقة العسكريين أو المؤسسة العسكرية فى مصر وحتى يومنا هذا، وهذا الصراع هو أحد المعضلات الكبرى التى تقف حجر عثرة فى طريق نهضة مصر وتقدمها إلى مصاف الدول المتقدمة، ولن يحدث أى إصلاح حقيقى فى مصر طالما استمر هذا الصراع محتدما!!. 

فى أعقاب كل ثورة من الثورات التاريخية قدر من الإفراط والتفريط  يدفع بأحوال الجماهير والشعب إلى الفوضى والخراب فى سهولة وسرعة وهم مغيبون بمشاعر الحنق والغضب والحماس الثورى والرغبة العارمة فى تغيير الأوضاع جذريا بعد سنوات القهر والظلم والإستبداد،  والثورة المصرية فى يوليو 1952 لم تكن إستثناءا ، كما أن ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011 لم تكن أيضا إستثناءا ، رغم أن الأولى كانت حركة ضباط من الجيش أيدها الشعب، والثانية ثورة شعبية لا قيادة لها وغير مكتملة أيدها أو اختطفها الجيش مع جماعة الإخوان ، ولا يدرأ عن مصر الفوضى والخراب إلا أمران: الحزم والفهم ، ولقد وصلنا إلى الحالة الراهنة من تردى الأوضاع والأحوال على كل الأصعدة نتيجة سلسلة من الأخطاء ما كان يجب لها أن تحدث لو كان هناك حزم وفهم للوضع الجديد الناجم عن الثورة ومنذ أول يوم تقلد فيه المجلس العسكرى زمام مقاليد الحكم فى البلاد خلال الفترة الإنتقالية،.. ولو كان قد تم التعامل مع هذا الوضع بمنطق إدارة الأزمات وهو علم، لا بمنطق ردود الأفعال وجس النبض والعشوائية فى القرارات قصيرة النظر لكنا الآن فى حال غير الحال.

إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقيادة المشير محمد حسين طنطاوى هو رمز المؤسسة العسكرية والتى هى أقوى وأكبر مؤسسة منضبطة فى المجتمع المصرى،.. وعلى عاتق هذه المؤسسة تقع مسئوليتها فى الحفاظ على الأمن القومى المصرى،.. "

والأمن القومى يمثل الأمن الإقتصادى والأمن العسكرى والأمن الإجتماعى والسياسى" وهذا التعريف ليس من عندى وإنما هو تعريف المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع  السابق – رحمه الله – ( حديث أبوغزالة الصحفى مع شيخ المراسلين العسكريين حمدى لطفى فى يناير 1987).

هذه المؤسسة العسكرية فى مصر لها مكانة خاصة فى قلوب المصريين لا تنافسها عليها أية مؤسسة أخرى من مؤسسات الدولة ولا ينبغى أن يكون هناك تنافس، وهذا لا يعنى أنها مؤسسة فوق الدستور أو القوانين، وإنما بالنظر إلى طبيعة عملها ومهامها المتعلقة بالأمن القومى المصرى،.. وهذه المؤسسة العسكرية هى نتاج وتطور مذهل وطويل لعملية إعادة بناء الجيش المصرى  تقريبا من الصفر كجيش عصرى محترف بدأت مباشرة فى أعقاب الهزيمة المريرة فى حرب 1967 . إن هذه المؤسسة العسكرية هى قيمة كبيرة وأكبر من المشير طنطاوى أو أعضاء المجلس العسكرى مع كامل تقديرنا وإحترامنا لمناصبهم وشخوصهم، لكن جميعهم ومهما علت رتبهم العسكرية أفراد زائلون ومتغيرون سواء بحكم السن أو التقاعد العسكرى، وتبقى الحقيقة الثابتة والتى يعرفها جيدا أعضاء المجلس لكن لا بأس من التذكير بها ألا وهى أن هذه المؤسسة العسكرية هى ملك خالص للشعب المصرى الذى لن تجد عنده بيت لم  يقدم لهذه المؤسسة إما شهيد أو جريح معاق أو ضابط أو مجند،.. هى ملك لرجال أفنوا عمرهم وقضوا نحبهم فى سبيل إعادة بناء الجيش المصرى بعزيمة وإصرار وإرادة فولاذية،.. رجال مثل جمال عبد الناصر ومحمد فوزى و عبد المنعم رياض وأحمد إسماعيل وسعد الدين الشاذلى وعبد الغنى الجمسى ومحمد على فهمى وأنور السادات و حسنى مبارك وأبو غزالة وعشرات من القادة العظام، بالإضافة إلى مليون ضابط وجندى تحت السلاح فى أكتوير 1973 حتى أصبح جيش مصر عاشر أكبر جيش فى العالم.

ولكن المعادلة الصعبة والمشكلة الكبرى التى تواجه مصر الآن هى كيف نحافظ على وضع المؤسسة العسكرية وبدون منحها مواد فوق دستورية أو إمتيازات خاصة تجعل منها دولة داخل الدولة ، وفى نفس الوقت تتحرر مصر من سيطرة العسكريين على شئون الحكم وتغلغل تعيين جنرالات العسكر فى مناصب مدنية كمحافظين ورؤساء مجالس محلية وهيئات مدنية مملوكة للدولة ؟!! إن الحل يكمن فى وضع دستور جديد لا يضعه لا العسكر ولا الإخوان يحدد بدقة متناهية علاقة الحاكم والمحكوم، ويتساوى فيه جميع المصريين فى الحقوق والواجبات، .. دستور يصلح لمائة عام قادمة وليس لسنوات قليلة ، لكى يتحقق هذا لابد لجنرالات المؤسسة العسكرية أن تتغير ثقافتهم العامة بشأن قيم الحرية والديمقراطية وأهميتها حتى للعسكريين أنفسهم، لابد لهؤلاء الجنرالات أن يسألوا أنفسهم سؤالا بديهيا: لماذا مثلا لا يفكر أحد كبار الجنرالات الأمريكيين أو الكنديين فى القيام بإنقلاب عسكرى على الحكم؟ الإجابة ببساطة أن هؤلاء الجنرالات ينعمون بالكثير من المزايا الإقتصادية العديدة التى ينعم بها أى مواطن مدنى يشعر بالإستقرار والرفاهية ، فإستقرار المجتمع المدنى هو أيضا إستقرار للعسكريين سواء كانوا فى الخدمة أو بعد خروجهم منها، وأما السياسة ودهاليزها فتترك لأهل السياسة ، ويتفرغ العسكريون لوظيفتهم الأساسية : حماية البلاد من أى عدوان خارجى وحماية الشرعية الدستورية ، هذا هو الوضع الطبيعى فى أى بلد نامى أو متقدم ، إذا لم يقتنع جنرالات المؤسسة العسكرية عندنا بهذا الوضع ويضعوه هدفا نصب أعينهم ولو على المدى المتوسط فإن العواقب على مصر سوف تكون وخيمة ، وسيكون البديل هو تردى الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية وظهور محاولات للقيام بإنقلاب عسكرى يستولى على السلطة ثم " يبلط " فيها إلى مالا نهاية ونعود إلى الوراء مكررين نفس السيناريو القديم وهذا مالا يريده الشعب، أو أن تقوم ثورة شعبية عارمة تشترك فيها ثورة جياع من أكثر من 1500 منطقة عشوائية فى مصر قد تدخل البلاد فى آتون حرب أهلية تكون ذريعة للتدخل العسكرى الأجنبى فى مصر تحت ذريعة حماية الرعايا الأجانب،.. إذا لم نفعل الصواب بأيدينا اليوم فقد يأتى يوم يفرض علينا مالا يطاق، وساعتها لن يفيدنا أى بكاء على اللبن المسكوب!! ..

لابد من تحرير الإرادة المصرية وتحقيق العدالة الإجتماعية وإقامة الحياة الديمقراطية السليمة وكلها من صميم أهداف ثورة 23 يوليه 1952 ،.. يجب أن نسعى جميعا إلى بناء دولة مدنية عصرية حديثة، لا دولة عسكرية ولا دينية فاشية إخوانية ، يجب أن تتحرر مصر من كل أنواع الإستبداد السياسى والعسكرى والدينى ، ولن تحل مشكلات مصر كلها إلا بإقامة دولة المواطنة والقانون والعدل الإجتماعى فى مجتمع حر ومسئول.

كاتب صحفى مصرى – كندى
[email protected]