رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صراع الثورة والثروة فى مصر والديمقراطية على الطريقة المصرية!

الحقيقة هى الضحية الأولى لكل ما جرى ويجرى فى مصر، والحقيقة وكما قال ونستون تشرشل  " ثمينة جدا ولابد أن نحميها بسياج من الأكاذيب".

والشارع السياسى المصرى فى الواقع ملىء بكثير من الأكاذيب والمغالطات ، اختلط فيها الحابل بالنابل، والحق بالباطل، والغث بالسمين، والثوار بالبلطجية ، ساهمت كلها فى خلق حالة من البلبلة وتزييف الحقائق عند الرأى العام المصرى، ولا مفر من وضع الأمور فى نصابها الصحيح أمام المواطن المصرى صاحب الحق الأصيل فى معرفة الحقائق المجردة بلا رتوش أو لبس  أو غموض،.. ولعل أهم وأول المغالطات التى إنتشرت أن المجلس العسكرى قد حمى الثورة، بينما فى الحقيقة هو حمى الثروة – ثروة الرئيس مبارك وعائلته، ورموز النظام البائد، بل وثروات طبقة رأسمالية جديدة من العسكر كونها الرئيس حسنى مبارك  خلال العقدين الماضيين فقط  لضمان فروض الولاء والطاعة له ولنظامه،.. إن المجلس العسكرى لم يحمى الثورة والثوار بل حمى حسنى مبارك من أن يلقى مصير الدكتاتور الليبى معمر القذافى، والمجلس فى الحقيقة لم يخفى ذلك عن الشعب، فقد أعلن عضو المجلس اللواء ممدوح شاهين  فى أول مؤتمر صحفى بعد خلع مبارك : " أن المجلس لن يسمح بإهانة أحد أبطال حرب أكتوبر"، وكأن عقارب الساعة قد توقفت عند يوم السادس من أكتوبر 1973!

المغالطة الثانية التى  روج لها المجلس العسكرى فى الشارع المصرى هى أنه لم ينفذ أوامر سيادية بسحق الثوار، مثلما حدث فى سوريا واليمن وليبيا، وكأن الجيش المصرى هو جيش خاص لجلالة الملك حسنى مبارك أو لطائفة أو قبيلة أو عشيرة، بينما قادة المجلس العسكرى هم أول من يعلمون أن تنفيذ مثل هذا الأمر كان يعنى إنقسام الجيش وسقوط البلاد فى آتون الحرب الأهلية، وجيش مصر أكبر من ذلك لأنه قولا وفعلا جيش الشعب.

والمغالطة الثالثة التى شاعت بين السواد الأعظم من المصريين أن المجلس العسكرى هو الجيش المصرى، والجيش المصرى هو المجلس العسكرى، وهذا غير حقيقى، حيث أن قادة المجلس العسكرى – مع إحترامنا وتقديرنا لهم - هم أفراد زائلون بينما الجيش المصرى باق إلى يوم الدين.

والمغالطة الرابعة أن المجلس العسكرى قد تبنى الثورة وعقد العزم على تحقيق أهدافها، والحقيقة أن المجلس العسكرى والإخوان والسلفيين هم أكثر من إستفادوا من الثورة المصرية، وبالرغم من ذلك نجحوا فى تحويلها إلى " ثورة مع وقف التنفيذ "، ويريدون وضعها فى ال " ديب فريزر".

والمغالطة الخامسة هى فى إدعاء بعض قادة المجس العسكرى أن الثوار الذين يتظاهرون فى ميدان التحرير وحتى لو تجاوز عددهم المليون ليسوا كل أفراد الشعب المصرى، وهذا حق يراد به باطل ، وإدعاء ضعيف مردود عليه بثلاثة أسئلة نطرحها على المجلس العسكرى:

أولا: هل مظاهرات الثوار المليونية قاصرة فقط على ميدان التحرير أم أنها أيضا فى ميادين أخرى كثيرة فى العديد من محافظات الجمهورية ؟
ثانيا: عندما قام الضباط الأحرار بإنقلاب عسكرى تحول إلى ثورة فى 23 يولية 1952 هل كان هؤلاء الضباط هم كل الجيش المصرى أو كل الشعب المصرى؟
ثالثا: لمصلحة من يريد قادة المجلس العسكرى تقسيم المصريين بين ميدانى " التحرير" و " العباسية"؟ هل يريدون أن يذهب الشعب المصرى كله إلى العباسية أم إلى " الخانكة " ؟!

هذه المغالطات الخمس التى ذكرناها كان من الممكن مناقشتها ودحضها بالحجة والعقل والمنطق فى العديد من المقابلات التليفزيونية التى أجريت مع بعض جنرالات المجلس العسكرى الحاكم، ولكن ذلك لم يحدث كما ينبغى، ولا أخفى على القارىء أن أكثر ما يضايقنى ويستفزنى فى تلك المقابلات التليفزيونية هو أن المذيعين والمذيعات يتعاملون فيها كما لو كانوا عساكر يتحدثون مع جنرالات فى الجيش،.. إنهم يسألون كل الأسئلة إلا الأسئلة التى يجب أن يسألونها! .

وعلى الرغم من عدم خبرتهم فى السياسة وهذه ليست مهمتهم الأساسية ولا وظيفتهم ، نجح قادة المجلس العسكرى حتى الآن فى تفتيت كل القوى السياسية ، وإخراج كل التيارات الدينية من الجحور ، ثم نجحوا  فى ضرب الجميع بقوة تحت الحزام، وردت كل القوى - سياسية ودينية -  بضرب بعضها البعض، فالمجلس العسكرى لا يفهم إلا فى جدولى الضرب والقسمة .

إن الجماعات السلفية التى ظهرت على السطح بعد ثورة 25 يناير هى " العفريت" الذى أخرجه المجلس العسكرى من العلبة كحركة " كش ملك" للإخوان المسلمين، والذى لخبط كل حسابات قيادات الجماعة ،  وعلى الرغم أن لى تحفظات على أداء المجلس فى الأمور السياسية، لكن لا بد أن أعترف أنه نجح حتى الآن فى اللعب بالطرفين فى إطار لعبة  " شطرنج " كبيرة - لعبة العقل والذكاء -لا يجيدهاا السلفيين أو الإخوان لأنهم يلعبون مع المجلس " طاولة " - لعبة الحظ والقسمة والنصيب.

إن شعلة الثورة المصرية لم ولن تخمد جذوتها رغم محاولات قوى كثيرة وكبيرة إطفائها، والمجلس العسكرى الحاكم يحاول جاهدا أن يفرض الإستقرار بالقوة، غير أنه فى الحقيقة، ودون أن يدرى ينثر بذور حالة عدم الإستقرار فى مصر التى تسببت فى الإطاحة بالرئيس حسنى مبارك ورؤوس نظامه.

فى العالم العربى كم من الجرائم  ترتكب تحت ستار الحرص على الإستقرار!،.. نائب الرئيس السورى (السابق) عبد الحليم خدام كان يقول للبنانيين إن سورية تنعم بالإستقرار لأن النظام الحاكم فيها مستقر منذ عام 1970، وبعد سنوات قليلة هرب عبد الحليم خدام من سوريا، وفضح النظام السورى الذى كان يدافع عنه! ، .. ويوجد  فى مصر من يردد نفس النغمة!،..
إن الإستقرار الحقيقى يا سادة يا كرام هو إستقرار الشعب المصرى أولا وليس إستقرار النظام الحاكم فقط.

إن الثورات الحقيقية لا يصنعها أحد وإنما تولد من رحم المعاناة والظلم والقهر والطغيان، كما أنه ليس بمقدور أحد أن يوقفها بقرار سيادى أو أمر ملكى أو عسكرى

،.. والثورات مثل الزلازل والبراكين، يصعب التنبؤ بها، والمصريون لم يستيقظوا فجأة من النوم ثم نظروا فى المرآة وقرروا أن يقوموا بثورة، .. الثورة تبدأ كخاطر، ثم فكرة، ثم شعور بالظلم والغبن والقهر فى القلوب والصدور، ثم تظل كامنة فى الصدور والعقول تختمر يوما بعد يوم، ثم تنتظر الشرارة كى تندلع،.. وكان الشباب هم الشرارة التى أشعلت ثورة الخامس والعشرين من يناير،.. وشباب الثورة المصرية الحقيقى لا تنقصه الحماسة الثورية والرغبة المخلصة فى التغيير، ولكن لصغر سنه تنقصه الخبرة السياسية والدراية بدروب ودهاليز السياسة ومكائدها،.. يجب على شباب الثورة أن يعرفوا فى المقام الأول ما هى القوى الحقيقية التى يواجهونها على أرض الواقع أو فى الخفاء، وقبل كل شىء يجب أن تكون لهم قيادة حقيقية لا إنتهازية تعبر عنهم وعن آمالهم وتطلعاتهم ومطالبهم وتتفاوض بإسمهم، لكن عليهم أيضا أن يدركوا أنهم إذا كانوا هم الشرارة التى أندلعت فى بداية الثورة، فإن الثورة فى النهاية هى ثورة الشعب المصرى، .. ثورة الملايين الغفيرة التى خرجت فى كل ربوع مصر تطالب برحيل الرئيس مبارك ونظامه الفاسد، وتطالب بالعيش الكريم والحرية والكرامة والعدل والديمقراطية، .. لقد كفر المصريون بكل أشكال الدكتاتورية، وهم لا يريدون إستبدال ديكتاتورية حاكم بدكتاتورية ثوار.

كما أنه فى المقابل على قادة المجلس العسكرى أن يدركوا الوصايا العشر السياسية التالية:

أولا : إن الشعب يريد حكومة أفعال وليس تسيير أعمال.

ثانيا : إذا دخل العسكر من باب الحكم، هربت الحرية والديمقراطية والعدالة من الشباك.

ثالثا :  أى نظام فى العالم يطلق الرصاص على متظاهرين مسالمين شرفاء عزل من السلاح، بينما يترك " البلطجية " والمجرمين والمسجلين خطر مطلقى السراح يصبح نظاما فاقدا للشرعية.

رابعا : إن الذين لا يتعلمون من أخطاء الماضى وأخطاء الآخرين، محكوم عليهم أن يكرروا نفس الأخطاء .

خامسا : لا مفر من أن يدفع المجلس العسكرى بل والشعب المصرى كله ثمن صمتهم الرهيب على توحش النظام وفساده طوال أكثر من ثلاثين عاما، إذ أنه ليس من العدل أن يدفع الشهداء والثوار وحدهم ثمن الفاتورة.

سادسا : إن ظروف الولاء السخية التى كان يدفعها الرئيس حسنى مبارك لكبار قادة الجيش كانت من أجل ضمان الولاء لمبارك ولنظامه الإستبدادى فى الحكم، لكن بعد الثورة اختلفت الظروف، ويبقى السؤال : أين الولاء لمصر؟!

سابعا : الشعب المصرى يصر على إسقاط النظام وليس إسقاط الدولة، والفرق كبير بين الإثنين.

ثامنا : إن غاية كل الأديان السماوية، وغاية كل الحكومات الصالحة، بل والغاية من الحياة ذاتها هى إنجاب الفرد السوى السعيد، الذى يتمتع بالجسم السليم والعقل السليم ، كلاهما لا يتحققان إلا إذا حقق الإنسان فرديته وتميزه بعيدا عن باقى أفراد القطيع، وفردية الإنسان السعيد السوى لا يمكن أن تتحقق بدون الحرية ،.. والحرية لا تتحقق إلا بالتحرر من الخوف، والتحرر من الخوف يقوم على حريتين أساسيتين هما:
التحرر من الفقر والعوز ، والتحرر من الجهل والتخلف ، .. الأولى تتحقق بالعدالة الإجتماعية، والثانية تتحقق بالديمقراطية.

تاسعا : أنت  تستطيع أن تمنح الحرية لشعب فى الحال، ..تستطيع أن تحقق العدالة الناجزة بطريقة أسرع، لكنك لا تستطيع أن تحقق الديمقراطية لشعب بقرار فى الحال،.. الديمقراطية تحتاج إلى سنوات وسنوات من التعلم والتعليم الجيد للنشء ، والممارسة الفعلية. الديمقراطية الحقيقية لازالت بعيدة جدا عن مصر خاصة وهى لازالت تحكم بالعسكر.

عاشرا :  مصر ليست فى حاجة لا لجوامع ولا لكنائس جديدة، .. مصر فى حاجة إلى مستشفيات وعيادات، ومدارس وجامعات، ومعامل أبحاث، وإستصلاح أراضى، وغذاء مصرى، .. حقول ومصانع، وغزوات للصحراء ، ودوريات شرطة 24 ساعة فى اليوم ، وإلى عدالة ناجزة وعدل إجتماعى.

يقول زعيم الحقوق المدنية للأفريقيين الأمريكيين مارتن لوثر كنج :

" لا يستطيع أحد أن يركب على ظهورنا، إلا إذا كانت ظهورنا محنية".


كاتب صحفى مصرى- كندى
[email protected]