الشيطان شوك ونار
ربما كان أبيض الوجه ، لكن سواد قلبه يخترق الأفئدة فيصيبها بسهام قاتلة ، يعتقد أن ذكاؤه فوق العادة ، والحقيقة ليس ذكاؤه بل خبثه الذى جبل عليه وأصبح من مكوناته ، وبالتالى يصعب على سليمى النيّة فهمه أو إجتناب شره بأخذ الحيطة والحذر ،
كالزئبق تظن أنك ملكته بحسن الكلم ، فإذا به ينفلت من بين أصابعك ، يخترق بدهائه وتلونه أفقك كله ، يقفز إلى أحلامك ، يعرف مكنونات نفسك ، لكنه يهلل سرا كلما عصفت بأيامك المحن ، فى أول الصفوف تجده يربت على كفك مستاء لمكروه ألمّ بك فأرّق مضجعه ، يلمحك فتطل من عينيه البشاشة والرضا ، يذيعك الأسرار كأنه يأتمنك ، يشرع لك الباب والشباك لتقبل مثله على الدنيا فضوء الصبح آت بالخير والفرح ، فليس هناك بدّ أن تصبح مثله ، معه تفيض وتستفيض فتظن أنه سيضئ ليلك المعتم ، يقتنص الفرص ليمنحك المزيد من الأمانى عندما يبدأ بسرد الأيام الأولى للميدان وكيف قضى الليالى السود بين الشباب الثائر والبطش الأعمى يسحقهم ويسرق منهم نور العيون ، كم ساهم فى وأد الجراح ، وداوى الآلام وأحزان الصقيع ، ماكان له أن يترك التحرير دون أن ينشده أبياتا من حرير تعيد له مذاق الألوان ، وألحان شجية للوطن المعذب ، ولمزيد من الإتقان يفتح أمامك حقيبته لتقع عيناك على قميص ينبؤك أن عمر الدماء التى لطخته عامين ، فتنحنى خشوعا للمشهد ، للعطر الذى سال من أجل الحرية ، ثم يحاول أن يهدئ من روعك فيذهب بك بعيدا إلى الأراضى المقدسة فتتبدل مشاعرك حينما تقفز إلى ذاكرتك روحانيات وعبق المكان المقدس ، فكله أخضر وجميل ، لحظات الطواف حول الكعبة المشرفة ، الوقوف على عرفات ، ومناسك الحج التى كتبت له فتحقق حلم حياته ، أما العمرة فتضفى عليه من نور الله سلاما يعيد إليه توازنا وشعورا بالهدوء والسكينة تعيناه على تحمل تلك الأيام الصعبة التى صاحبت ثورة الشرفاء ، يسترسل فى الحوار... ثم تعبر هرّة منهكة من برد وجوع ، فيقوم من فوره لإطعامها ، يقول : إن أجمل مافى الحياة هو العطاء وحب الخير