شظايا الخوف رياح تخترق الحلم
مخطئ من ظن أن الأصوات التى تعالت من العقلاء والفقهاء الدستوريين تطالب بوضع الدستور أولا ، قبل إجراء أية انتخابات ، كانت أصواتا تبغى مصالحا وأهدافا خاصة ، قالوا أنها اصواتا تسعى لإلغاء المادة الثانية من الدستور
وهى المادة لايمكن المساس بها ، مادة يجمع عليها المصريون أقباطا ومسلمين ، فوقف لهم بالمرصاد المنتفعون الحقيقيون ، سارقى الثورة ، فاتهموا الوطنيون المخلصون بالكفر والإلحادن وصمموا أنه لا لخريطة الطريق أولا ، صالوا وجالوا ، فكان لهم ماأرادوا ، وخرجوا علينا ببرلمان لم يقدم أى جديد ، سوى الوعود مستخدمين الصوت العالى والصراخ والمقاطعة أو الخروج بعيدا عن النص
ثم أكتشفنا أنهم لايملكون إلا دغدغة مشاعرالبسطاء ، تحت ستار الجنة والنار ، الحلال والحرام وضرورة تطبيق الحدود ، لنتحول من دولة مدنية عصرية الى دولة دينية ، نتحول من القاهرة الى قاندهار
وهانحن الآن نتجرع مرارة السير بالعكس ، نتوه بين شقّى رحى ، فريق يطالب بالدستور أولا وتصحيح المسار ، دستور يمثل كل الشعب وكل الفئات ليرضى عنه الجميع ، يليق بالثورة ومكاسبها من الحرية والديمقراطية ، لكن الوقت المتبقى لن يكفى لإصداره ، والإنتخابات الرئاسية على الأبواب ، وفريق ينادى بالدستور بعد انتخاب الرئيس وهو مطلب بعض المرشحين وهذا غير قانونى أيضا
أمس تحول ميدان التحرير الى منصات عديدة إنقسمت على نفسها ، تعارضت أهدافها ، كان الخوف سيد الموقف ، الخوف من ترشح مايطلقون عليهم الفلول ، الخوف من الإسلاميين ، ليتحول المشهد الى فوضى ، والشعب لم يعد يثق فى المجلس العسكرى ، بل يطالب برحيل حكم العسكر ، ولايثق فى البرلمان المنتخب بعدما اكتشف زيف نواياه ، وتأثيره على إرادة الشعب فخذله بآدائه الباهت والضعيف ، والذى لم يحل أى من مشاكله المتراكمة ، فانعدمت الثقة فى جميع الأطراف على الساحة السياسية
الكل يشكك فى الآخر ويكيل له الإتهامات ، ولانسمع الا تلك المفردتين
( الصراعات بين الأحزاب ) و ( المؤامرات بين الإخوان ) التخوينات المتبادلة جعلت المصريين فى خوف على الثورة ، وهاهى دماء الشهداء تئن فى القبور ، تتألم ، الشهداء الذين ضحوا ، ومازال حقهم ضائع ، لم يقدر عطاءهم ، من رحلوا عنا بعدما فقدوا شبابهم
والسؤال الى متى تظل الفرقة عنوان المرحلة ؟ الى متى يظل التنافر بين القوى السياسية قائما ، ويسعى كل طرف لجنى الثمار بمنأى عن مصلحة الوطن ، فيعيدنا الى الوراء ، وكأن ثورة بمصر العظيمة لم تقم
الآن الكل خاسر ، ونظرة على كمية وحجم المخدرات والأسلحة المصنّعة أو المهرّبة فى جميع انحاء المحروسة ، لندرك الخطر الحقيقى الذى بات يهدد أمننا وسلامنا ، كنا نظن أننا سنعلو فو الصغائر
لننقذ مصر بعد عام ونصف على الثورة لم نأت فيها بجديد ، سوى التشرذم والعناد ، والبسطاء من الناس نفذ رصيدهم من الصبر والتحمل ، نفذ رصيدهم من المال الذى كانوا يدخرونه للأيام إذا جارت عليهم ، وتنكّر لهم المجتمع أو تنكّر لهم الأبناء
وبدلا من عودة الكرامة للمصرى بعد الثورة ، هاهو يقف فى طوابير الذل والعار يلهث حول رغيف الدعم وأنبوب الغاز ، وكم سقط قتلى ومرضى من هول التدافع ، شأننا شأن دول لم تعرف من المدنية غير بعض الشعارات التى تتردد على مسامعه ، لكنها دول فقيرة تضور جوعا من المجاعات والزلازل والبراكين والأعاصير ، ومصر هبة النيل العظيم ، لم تعرف يوما الجوع بفضل الله ، لكنها عرفت الفقر من أوسع أبوابه ، فى ظل أنظمة الفساد ، مصر غنية ونستطيع تعويض مافات ، إذا وحدنا الصفوف
لكن الخوف كل الخوف من قيام ثورة ثانية ستكون أخطرا ، ثورة للجياع لهم فيها الكلمة الأخيرة