رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ربنا موجود

تدفقوا من كل حدب وصوب ، من النجوع والقرى والمدن ، فى الصباح والبكور ، هرعوا الى مزاره حيث يرقد جثمان البابا شنوده ، فى دير وادى النطرون  ، تدافعوا بالآلاف فسقط ثمانية من الأقباط  ، أدى الزحام الغير مسبوق الى وفاتهم ،  وإصابة العشرات بحلات إغماء واختناقات

رحل البابا تاركا فراغا رهيبا ، فالظروف القاسية  التى تمر بها مصر بصفة عامة ، والأقباط بصفة خاصة  ، خلقت لديهم جميعا الشعور  باليتم ، الشعور الوحدة والخوف من المجهول ، الخوف على ماسوف تؤول اليه البلاد ،  فى ظل التجنى على الأقباط ،  فلم يمثلوا  إلا تمثيلا شكليا لاوجود له ،  سواء فى البرلمان أو فى  اللجنة التأسيسية المختصة بوضع الدستور فاضطروا للإنسحاب منها ،
أحد المرشحين للرئاسة المحسوبين على التيار السلفى
قال فى إحدى مؤتمراته : مستحيل أن أعين قبطى نائبا لرئيس الجمهورية ، وكأنه يزف بشرى للمواطنين فهو لايؤمن بحق شركاء الوطن فى البذل والعطاء
ولم يكد يمر يوم إلّا وحدثت فتنة طائفية  هنا أو هناك
التناحر وليس التنافس هو عنوان انتخابات الرئاسة ، خاصة بين التيارات الدينية ، التى تسعى لجنى الغنائم ، فمصالحها فوق الجميع
كان البابا شنوده ملجأ آمنا ،  حينما يتعثر الطريق ن وتغلق الأبواب
وضع السادات المسمار الأول فى نعش الوحدة الوطنية بنفيه لقداسه البابا لرفضه التطبيع من الكيان الصهيونى،  ولتلاها المخلوع لمدة ثلاثين عاما ، وقامت الثورة العظيمة  ، فظننا أنها  وأدت الفرقة
ثورة استطاعت أن  تلم الشمل فى ميدان سقاه مينا ومحمد بالدم ، وماهى إلا أيام  قليلة ، حتى عدنا  الى نقطة الصفر،  الغيوم تلبد سماءنا ،
هذالخوف منطقى و له مايبرره ، لدرجة أن عشرات الآلاف هاجروا ،  أو يفكرون  بجدية فى الرحيل ، ترتعد فرائصهم إذا حكم الإسلامييون وسارت مصر على خطى طالبان ، كل المؤشرات تلوح أننا نقترب من الخطر الحقيقى ، وخوفنا ليس على المستقبل ،  بل على حضارتنا العريقة إذا  اندثرت بفعل الجهل ،  فمحونا التاريخ إرضاء للفكر المستورد الآتى من بلاد النفط ، تدعمه الريالات والدنانير
كان البابا شنوده يعوض كل مغبون ،  لم يجد ضالته فى دولة تعيد الحقوق وتطبق القانون ، يحتوى المظلومين والتعساء ، كم سقطت دموعه دما على أبنائه فى نجع حمادى ، والقديسين يوم الميلاد ،  وماسبيرو وأطفيح وامبابة والعمرانية
خفف على الأقباط أحزانهم ،  طمأنهم أن هؤلاء شهداء فى السماء ،  ليفرحوا ،  وللحقيقة هم قتلوا برصاص مصريين تطرفت أفكارهم ، أوغرت  فى صدورهم أن الطريق الى  الجنة يستلزم

القضاء على الكفار وهدم دور عباداتهم
لم يكن البابا شنوده مجرد رمزدينى ووطنى كبير ،  بل  كان إنسانا محبا متواضعا حكيما حصيف للسان ، حينما يعظ الكل يستمع ويقتنع فيمتص  الغضب
كان بعيد النظر يستشرف المستقبل فرفض الطبيع ، ودفع الثمن حينما نفاه السادات  الى الدير عدة سنوات
الآن رحل عن الأقباط المعلم والمنقذ من الرياح التى أتت بما لاتشتهى السفن ، لم يستوعبوا أو يصدقوا أنهم فقدوا الحصن ،  وعليهم أن يتقبلوا إرادة الله،  فخرجوا بالالاف يحملون نعشه يبكون ويصرخون ، ومات عدد ليس بالقليل  ، وسقط آخرون مغشى عليهم من شدة الحزن عند وداعه الى مثواه الأخير
وهاهم الآن  يهرولون عند قبره يقبلونه ، يبكونه بالدمع والدم ،  يتحاورون معه ، يستنجدون به ، يسألونه تركتنا وحدنا  ، نحتاجك فالغد أسود مظلما ، تهدّم الجدار وسقط السقف على رؤوسنا ، بركان غضب ياسيدنا ، يا من كنت الملاذ والسند  
كل هذا الحب ، بل كل هذا الخوف ماجعلهم يسقطون قتلى بعد وفاته
الضباب يعكر صفو الأيام ، وكل مرشح يحاول أن يبث الإطمئنان فى قلوب الأقباط  ،  لكن الحقيقة أن الثقافة تبدلت ملامحها ،  شعارها إقصاء الآخر فلا تعاون أو حوار ، رسالتهم أن الأقباط هم الأقلية ، وعليهم أن يفهمون أن مصر إسلامية إسلامية  ، ويوم ما ليس بالبعيد الى الجزية  نعود
الخوف والرعب على مستقبل لاتلوح  نهاياته  ،حديث الناس فى البيوت والهواتف
والى أن تتضح الأمور هاهم يرقدون حول المزار ، يذرفون الدمع ربما يسمع البابا عويلهم  ، ربما يبعث برسالة  من السماء تعيد الى قلوبهم الأمان المفقود 
والحقيقة الوحيدة أن  البابا رحل ولن يعود ، فلنأخذ كلمته نبراسا يقينا الهجير
ربنا موجود