رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هدى الكوافيرة

إذا دخلتي عند هدى للمرة الأولى قد تستغربين الزحام، فهي ليست الكوافيرة الوحيدة في المنطقة، كما إن محلها يبدو متواضعا بالمقارنة بمحلات أخرى قريبة تزينها المرايات والبورسلين وتدفعين فيها 10 جنيهات كاملة مقابل تظبيط الحواجب. في البداية قد تتململين قليلا للوقت الذي ستقضينه في انتظار دورك عندها أيضا.

ستعرفين سبب الزحام بعد أن تنتهي هدى من الزبونة وتبتسمين للنتيجة التي ستكون من نصيبك بعد وقت قليل، كما أنك ستتسلين كثيرا هناك. أحد الأسباب في نجاح هدى هو مهارتها في عملها ونشاطها وتطويرها لأدواتها، فربما لا تتوقعين أنها تعرف شيئا عن ماسكات الشمع أو المكياجات الحديثة، إلا إنها تعرف.. ولإن امكانياتها المادية ليست هائلة، فإنها تخترع أجهزة وحلول بديلة للأجهزة الغالية التي لا تستطيع شراءها، والتي تعمل بدورها بكفاءة عالية. كما إنها تملأ المحل بالمنظفات وعبوات الكيك الجاهز وما شابة ذلك لمساعدة زبوناتها وللحصول على عمولة من الشركات المنتجة بالطبع. لكن أكثر ما يميز هدى في رأيي هو شخصيتها.. فهي سمراء وبدينة بدانة محببة ولا تحب النكد.

هدى بالنسبة لي مثلا اكتشاف.. فعندها أتدلل وأترك المسؤلية كاملة ولو لدقائق.. فحتى لو كان ابني معي فهي تهتم بملاحظته –هي وجيش النساء الموجود هناك بالطبع- واغراقي بالنصائح المفيدة جدا بشأن التعامل معه. أذكر مثلا إنها أعطني دفعة هائلة عندما كنت أفكر في ارساله للحضانة، قالت لي "وديه وماتخيبيش أمل الواد. خلي مخه ينور ويشوف العيال والناس. احنا بس من خوفنا اللي بنقعد عيالنا معانا لما وكسناهم. تصدقي وتؤمني بالله؟ اختي راحت الصين وشافت العيال بشتغلوا من وهما صغيرين.. بيتعلموا ويبيعوا اللي بيعملوه.. وديه واقضي حاجتك وشغلك..العيال طاقة ولازم يطلعوها في اللعب " طبعا لم أكن أجهل هذه المعلومات، لكنني كنت محتاجة لهذه الدفعة وهذه الصراحة والجرأة.

عند هدى أيضا أستمتع بالفضفضة، فما إن تبدأ هدى الكلام غالبا بنكتة أو تريقة على الحال العام، إلا وتجد كل النساء يتجاذبن أطراف الحديث وينخرطن في حوار طويل –ربما أطول من اللازم. فهناك يمكنك أن تحكي دون أن تخاف من أن يفضح سرك، ففرصتك في لقاء نفس مجموعة السيدات مرة أخرى نادرة، كما أننا نتمتع لحسن الحظ بذاكرة قصيرة المدى، وسننسى تلك الوجوه بعد أسبوع مع التفاؤل. يقولون أيضا إن الناس تفضفض مع أول غريب يقابلهم في محطة القطار، بدلا من الأصدقاء والاقرباء الذين يخضع الكلام معهم لحسابات

أخرى. وجود هدى فاعل في هذه الحوارات الجانبية، فهي تجعل الجلسة خفيفة الدم، وتبعث في الحاضرين جرعات من طاقتها الإيجابية بقفشاتها الذكية و"تيشيرتها" مبهج اللون (أصفر أو برتقالي أو وردي فاقع وسعيد).

تتبني هدى الرأي الذي يقول إن حسني أحسن من غيره لإنه شبع، وإن العيشة صعبة، بس صعبة على الكل وإننا مصابون بداء السلبية. "لما الواحد بشوف ولا مؤاخذة الزبالة، مابيفكرش يشيلها، بيعمل نفسه مش شايف وبيرمي زبالته جنبها ف نص الشارع." لهذا تستفتي النساء هدى في العديد من الأمور، ويضربون معها صحوبية لا تتحقق في كوافيرات أخرى.. فواحدة كانت عند الجزار تطوعت بأن تدق لها الكفتة وأخرى تسألها باهتمام حقيقي عن مدرس إنجليزي لابنها، فهدى لديها ابن وابنة في الثانوية العامة (علمي وأدبي) وبالتالي فهي تعرف كل المدرسين الكويسين وكل "السناتر" –جمع سنتر- الجيدة والرخيصة والغالية ولكن تستحق..

في نهاية الحوار عادة ما تدعو هدى لنا ولها بعدم الحوجة لأحد أو لشيء، وهي دعوة قريبة جدا لقلبي وأرددها بصدق بيني وبين نفسي كثيرا. تتمنى هدى أن تذهب للحج، ولكنها تتساءل إذا ينفع أن تأخذ "العدة" معها.. "آخد الملقاط والفتلة وأقلب السكن هناك" نضحك وتقول واحدة "حرام عليكي عاوزة تبوظي الحجة من قبل ما ترجعي".. تستعجلها واحدة تريد أن تعمل حواجبها لإنها صائمة وتريد أن ترجع لتحضر الفطار في البيت.. نصمت ولا نعقب..

أخرج عادة من عند هدى مشحونة بطاقة أيجابية ولدي شعور بأن الدنيا لسة بخير، وأشعر كثيرا بأنني أتلكك لأعود لها بسرعة ولأي سبب..

من مدونة " مع نفسي " لجهاد محمد محمود