عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الأقباط بين الغياب والتغييب

تأسست الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمصر على يدى القديس العظيم مار مرقس الرسول والإنجيلى. وهو كاتب الإنجيل الثانى من الأناجيل الأربعة فى العهد الجديد [الإنجيل المعروف باسمه]

، وهو رسول من القرن الأول الميلادى. يحكى المتنيح الأنبا صموئيل أسقف الخدمات الذى استشهد يوم أن قتل السادات، قال: «جلسنا مع الوفود الأجنبية وصار ممثلوها يحكون تاريخ كنائسهم. فقال أحدهم كنيستى تعود إلى 50 سنة ومؤسسها فلان الفلانى، وقال آخر إن كنيستى أقدم من كنيستك تأسست منذ 100سنة، وقال آخر أما أنا فكنيستى لها400 سنة منذ أيام مارتن لوثر. يقول: كنت صامتاً أثناء هذه المباراة، فسألنى أحدهم: «وأنتم منذ متى تأسست كنيستكم؟ » فقلت: «حقيقة أن كنيستنا تعود إلى 20 قرناً مضت» فعلق السائل قائلا: «أنا لا أسأل عن الفراعنة». فأجاب الأنبا صموئيل: «نحن من القرن الأول الميلادى حينما جاء القديس مرقس كاتب إنجيل مرقس وبشر المصريين فآمنوا بالمسيح، وكلمة «أرثوذكسية « تعنى المستقيمة الرأى..

 تحرص الكنيسة الأرثوذكسية على الحفاظ على تقاليد الآباء، والتذكير باستمرار بالأحداث التاريخية وبشكل خاص بالأيام الدينية البارزة بشكل عام، وسير الشهداء والقديسيين بشكل خاص..

وكان نصيب مصر هو الأوفر تاريخياً من حيث اضطهاد واستشهاد الكثير من الأقباط من أجل إيمانهم، الأمر الذى دعا المؤرخة الإنجليزية مدام بوتشر فى كتابها «الأمة القبطية» أن تقول «إننا نعلم أن عجائب الدنيا سبعة، ولكنه توجد عجيبة ثامنة لا يعرفها العالم ألا وهى بقاء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى مصر حتى يومنا هذا، رغم موجات الاضطهاد والاستشهاد التى اجتاحت أقباط مصر على مر الزمن».

وقد استشهد مرقس الرسول فى الإسكندرية سنة 68 م، إذ ربطوا قدميه فى ذيل حصان، وانطلق الحصان يعدو فى شوارع الإسكندرية، وكان رأس مارمرقس وكل جسده يصطدم بالحجارة، حتى نال إكليل الشهادة وقد روى أرض مصر بدمائه.

ولعل القراءات اليومية لصفحات السنكسار فى بدايات أداء طقوس صلوات القداس ما يشير إلى ذلك، و«السنكسار» هو كتاب يحوى سير الآباء القديسين و الشهداء (السنكسارات)، وتذكارات الأعياد، وأيام الصوم، مرتبة حسب أيام السنة.. وهو يستخدم التقويم القبطى، تراث تاريخى ودينى ووطنى رائع ومجيد يتم التذكير به بشكل دائم، فإذا أضفنا الحفاظ على اللغة القبطية واستمرار الصلاة بحروفها فى معظم الصلوات الكنسية، والإصرار على نغمات وترانيم كنسية تراثية بديعة، وعلى حوائطها ومن أسقفها تتدلى اللوحات والأيقونات التى تُحاكى تراثاً ممتداً والبعض منها له بالفعل قيمة أثرية لانتمائها التاريخى لعصور تاريخية قديمة.. وفى النهاية نحن أمام مواطن مسيحى تم استقطابه لصالح التاريخ الكلاسيكى التقليدى الروحى المدعم بالفكر الآبائى (السلفى)، ويدعم تلك الحالة رسائل متشددة صادرة بشكل دورى، وبإلحاح من قبل رموز الكنيسة على التشديد على حروف النص، وتعاليم الآباء، ولعل مشاكل الأسرة المسيحية، وقصور أداء الإدارة الكنسية فى تفكيك أزماتها فى الفترة الأخيرة، ما يؤكد على التأثير السلبى لذلك الالتزام التقليدى دون قراءة أكثر شمولا لواقع الناس وهمومهم..

قصدت بتلك المقدمة الطويلة نسبياً، وضع القارئ الكريم فى الحالة التى عاشها ومازال المواطن المسيحى داخل كنيسته، وما مثل ذلك من حالة ارتباط روحى وعقائدى ذهبت به إلى حالة داعمة لحجب جموع الشباب عن الانخراط فى الحياة العامة، والمشاركة السياسية، والعمل المجتمعى بشكل عام..

وعليه يعيش المواطن المسيحى على قناعة بأنه مواطن «مشروع شهيد»، هكذا تحدثه

المراجع الكنسية ويوميات السنكسار، وسير القديسين، وتاريخ عصور الشهداء.. ثم هو مواطن تم التأكيد على مناطق شحنه بالإحباط والهزيمة، وأنه المواطن الأقل شأناً فى وطنه حيث تُمارس ضده كل ألوان التمييز الحكومى، حتى بات أمر حصوله على حقه فى بناء دور العبادة أمراً يستحق الخوض فى معارك لانهائية، وحلم حصوله على مراكز قيادية أمراً مستحيلاً ينبغى أن تضاف إلى قائمة المستحيلات الشهيرة!!

ونتيجة لكل تلك الظروف ساهمت الكنيسة والمجتمع فى غياب وتغييب الشخصية القبطية عن مواقع المشاركة السياسية، غيبته بالتأثير الكنسى التاريخى، ونظم الإدارة الكنسية التى تنافق السلطة، وتسعى إلى إرضاء السلاطين، وغيبه المجتمع عندما اختزل الوجود القبطى فى الكنيسة..

وكان تغييب الأحزاب بمختلف توجهاتها للمواطن القبطى بدعوى أن ترشيحه لتمثيل الأحزاب مقامرة خاسرة، ولا ينبغى التضحية بدوائر بدعوى التأكيد على مظاهر الوحدة الوطنية..

وكان على المواطن القبطى الذى يرغب فى ممارسة العمل السياسى أن ينتظر الهبة السلطانية، فى أمر ورود اسمه فى قائمة المعينين فى مجلسى الشعب والشورى، رغم ما تحمله فكرة التعيين السلطانية من مهانة حيث من العجيب أن يختار السلطان من يراه يصلح نائباً عن الشعب، بقرار يتخذه الحاكم بالنيابة عن الشعب، فيكون أمر ولائه للحاكم الذى منحه الكرسى، وليس للشعب تحت قبة البرلمان!!!!

وكتبت وكتب غيرى حول غرابة تصريحات القيادات الكنسية فى العديد من المناسبات والمحافل المؤكدة على مساندة ودعم نظام مبارك من منطلق شراء الرضاء السلطانى، حتى يرضى بالكنيسة والبابا الممثل الشرعى والوحيد لأقباط مصر، وكأن المواطن المصرى المسيحى فُرض عليه بالإضافة للقهر السلطانى، أن يرضى بقمع الكنيسة التى سبق وغيبته فى أمر تقرير مصيره وشكل حياته الاجتماعية، ولم تشركه عند وضع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين، فى إهمال غريب لحقوقه التى ما كان ينبغى أن يسلبها منه سلاطين الرهبنة، وهم الذين لم يعرفوا الزواج، ولا الشأن الأسرى، ولا أمر العلاقات الحميمة على فراش الزوجية..

أخيراً فإن الفرصة سانحة الآن أمام الأقباط لأن يعودوا للمشاركة السياسية والاجتماعية، وفق منطلقات وطنية، بعيداً عن طائفية التفكير والتوجه، عليهم الانخراط فى كل مناحى النشاط المجتمعى، والتى أتاحتها ثورة يناير العبقرية، بعيداً عن معلقات البكاء والنحيب والشكوى من الظلم الواقع عليهم..

hm_beshay[email protected]hotmail.com