عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

من »شباكه علي الثورة« (2)!!

في الجزء الأول من المقال حاولت الإجابة عن الأسئلة التقليدية التي قد يطرحها المشاهد التقليدي للأعمال الدرامية التي تتناول السير الذاتية، مثل ماذا عن دوافع اختيار الشخصية، ولماذا الآن؟، وهل تناسب الوسيلة أو الوسيط الفني والتقني تجربة صاحب السيرة؟ وكانت الإجابة فيما يخص فيلم الفاجومي ـ ومن وجهة نظري ـ جميعها إيجابية مع الإشارة لأهمية مراعاة إيجاد صياغات وأشكال إبداعية غير تقليدية عبر لغة سينمائية لها مفردات ينبغي أن توظف في توافق وتناغم لتقديم سيرة مبدع وطني كنا في انتظار فرح الاحتفاء به عند تقديم سيرة حياته درامياً.

في مقال هام للكاتبة الصحفية أمينة النقاش بجريدتنا الوفد حول الفيلم حدثتنا عن الدور الهام للكاتب والناقد الكبير الراحل رجاء النقاش في التعريف بظاهرة »إمام ـ نجم«، وتذكر الكاتبة أن الفيلم يحمل بعضاً من من هذا التاريخ، وأتوقف عند قولها »بعضا«، وأري أن هذا »البعض« هو ما ينبغي الإشارة إليه عند الحديث عن »الفاجومي« الفيلم.. فقد حوي بعض الإشارات غير الكافية (بل والتي قد تُسئ) لشخوص مر بها، أو مرت بحياة صاحب السيرة..

نعم الفنون بشكل عام، والدراما بشكل خاص يتم تشكيل معمارها اعتماداً علي مجموعة من الخيارات والاختيارات، فإذا كنا بصدد عمل درامي يتناول سيرة ذاتية، فإن الحذف والإضافة الإبداعية التي، حتي وإن اعتمدت علي الخيال الملتزم بلُحمة وسدة مُحكمة النسيج لأصل مواقف وتوجهات وقيم ودور صاحب السيرة من وجهة نظر صاحب العمل الإبداعي، فما بالنا لو كان الأمر يتعلق بسيرة شاعر وطني بديع، فالفاجومي تشابك بإبداعاته وخياراته مع نظم وحكام عاش عصورهم، واكتوي بنيران نظمهم وإن تباينت آليات حكمهم، إلا أن اتفاقهم كان مُدهشاً في وصفهم لحال عصورهم بأنها أزهي عصور الحرية والديمقراطية، بينما تاريخ المحروسة قد شهد أحداثاً ونظماً باطشة غاشمة بعكس ما يدعونه، والعباد علي أرض المحروسة يؤكدون أنهم في ظل نظم دام جلوس طواغيتها علي كراسي الحكم 59 عاماً لم يتعرفوا يوماً علي المدعوة »ديمقراطية« التي ظلت هي وأختها »الحرية« وشقيقتهما الأكبر »الكرامة« غائبات عن أرض وسماء الوطن في عهود العسكر (ناصر ـ السادات ـ مبارك)..

إن المواطن الذي قرر الذهاب لمشاهدة فيلم »الفاجومي« أظنه، وبفعل حالة الزخم العاطفي الثوري بعد ثورة يناير ارتفع سقف توقعاته بمجرد سماع اسم الفيلم الذي يشير لصاحب السيرة، بأمل الاقتراب من رموز تلك العصور »الإيجابي منها والسلبي« التي تعامل معها الفاجومي، بل والأهم التوقف عند المحطات الكبري التاريخية، فإذا بالمفاجآت تتتابع:

الفاجومي فاجومي في الفيلم عبقري في القفز في الهواء بأداء كوميدي أكروباتي ليقنع الشيخ إمام الذي لا يراه بمشاركته سكنه المتواضع وهو يتعرف عليه لأول مرة!

ويبدو أن تلك القفزة الأكروباتية تغطية ومقدمة لفرحة أكثر فاجومية تدفعه إلي قفزات أخري ذكورية علي فراش المتعة لجيران الهنا!

الفاجومي يخوض صراعه مع رموز الفكر المتشدد من موقعه علي فراش المتعة!

يخيب الأمل عند متابعة أداء الفاجومي الممثل، والذي لا يمكن توجيه اللوم للمخرج لاختياره للدور، لأن خالد الصاوي ومنذ كان طالباً في الجامعة هو مواطن ثائر في كل الأحوال.. له دواوين

شعرية ثورية ومسرحيات قام بتأليفها وإخراجها وأداء دور البطولة، ولعل مسرحية »اللعب في الدماغ« وما أحدثته من ردود فعل نقدية رائعة خير دليل علي نجم يعي بوطنية وإخلاص قضايا وطنه.. وتعود خيبة الأمل لدي المشاهد ليس فقط لقفزاته الأكروباتية، ولكن للأداء المسرحي الزاعق والخطابي للصاوي، وبشكل خاص في لقاءات الفاجومي مع الطلاب والمساكين، أما عند إلقاء أشعار نجم فقد تباعدت المسافة بأميال بينه وبين الشاعر الذي ما رأيناه يهتف صارخاً مثل بعض أقرانه من معاصريه من الشعراء، ومن منا ينسي الشاعر إياه كان يهتف صارخاً في الشوارع والميادين وعبر أشرطة الكاسيت بأشعار حنجورية تدغدغ مشاعر البسطاء، فإذا ما طُلب لنفاق السلطان في الأعياد الوطنية كان جاهزاً بأبيات التغني بالولاء، لقد كان نجم لا يحب الصراخ، وكان اقترابه من الشيخ إمام ليمتزج شعره بالنغم لا بالهتاف العبيط.. لقد نسي الصاوي أنه الفاجومي الذي ما مثل غير نفسه، وما امتثل لبيع أشعاره بالأداء الزاعق والخطابي..

أضف إلي ذلك أن الفاجومي الممثل لم يبذل جهداً في النزول بوزنه ليقترب من جسد الفاجومي النحيل الفقير البسيط المتآكل الخفيف العصافيري الطائر في الأفق.. هل يمكن لأحد أن يصدق مشهد الفاجومي الممثل لدور العامل البسيط الذي يضطر لتزوير أوراق التموين ليظل حياً بقلب ينبض يؤديه ممثل »أبيضاني« يميل للسمنة التي قد تشير لرغد العيش، وعليه لا يمكن أن أطيق مجاملة الصديق خالد الصاوي علي طريقة الناقد الأكاديمي الشهير الذي لا أظنه قد رأي الفيلم وإلا ما طاوعه قلمه ليكتب »لقد أجاد خالد الصاوي الدخول إلي أعماق الشخصية وتقديمها لنا خفقة كخفقات قلب كان يحيا في الظلام ثم أنارته شمس ساطعة رسمت أمامه معالم الطريق«.. يا راجل!!!

عن الفاجومي الفيلم واختيارات المؤلف الدرامية، وإبداعات المخرج التي أصلحت في أحيان كثيرة هنّات السيناريو، وما قدمه فريق الفيلم لمُشاهد ما بعد ثورة يناير، قد يكون للحديث بقية، فالفاجومي ليس مجرد شاعر وطني وإنما شاعر وطن.. لقد كنا في انتظار إطلالة الفاجومي في فيلم يتناول سيرة حياته!!

[email protected]