عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

تحزيب للأديان أم تديين للأحزاب؟!

 

فور الخروج من الميدان التحريري مؤقتا، وحتي الذهاب إلي صناديق للاستفتاء حول التعديلات الدستورية المقترحة، كانت أزمة أطفيح بظلالها الكئيبة في عكس الاتجاه الينايري العظيم، وكان الذهاب إلي ساحة ماسبيرو.. وكان تعدد منصات الزعامة السياسية لحساب جماعات عقائدية ومذهبية.. منصات إسلامية، وأخري مسيحية.. ويغيب شباب يناير لحساب لجان للحكماء والأمناء وأولياء الأمور!!

ويبدو الأمر، وكأن هؤلاء الأولياء علي الثورة قد قرروا علي منصاتهم الحنجورية استلام الراية من ثوار الميدان، علي أن يكتفي الشباب  بفعل المبادرة الثورية وكسر حاجز الخوف عبر دفع ضريبة الدم، وتقديم المئات من ضحايا الصدامات الوحشية في ساحة الثورة علي مذابح الوطنية والفداء، وما عليهم الآن سوي الفرجة أو يكونون في صحبتهم يقنعون بدور التلاميذ، أو الانصراف بعد تنظيف الميدان!!

بعد نجاح ثورة 25 يناير والإطاحة بنظام مبارك بدأ نشاط أولياء الثورة من جماعات دينية إسلامية وبعض المسيحيين للقفز علي الإنجاز وتسيد المشهد الوطني استغلالاً انتهازياً لفكر الشباب الينايري العظيم الذي صنع وصاغ من ممارسة الطقوس والشعائر الدينية في الميدان دلالة علي عبقرية شعب يستطيع أن يُحضر تعاليم الأديان وقيمها في أصعب مراحل الجهاد طلباً للمدد الروحي الداعم لإنشاء حالة التوحد الوطني والانتصار علي سلبيات تراث تراكمي من الخلافات الطائفية الرذيلة التي باركتها نظم القهر والقمع لحساب المجد الوهمي لرموزهم باعتبارهم وحدهم من يصنعون الاستقرار والأمان، فهم من يبادرون بتحضير عفاريت الفتنة الطائفية والتفسخ الوطني وهم القادرون علي صرفها في مشاهد تبويس اللحي اللزجة المهينة للعقل المصري.. فكانت الصلوات الخمس في الميدان يحوطها سياج بشري من مسيحيي الميدان للتأمين، وصلوات وترانيم مسيحية بسياج من مسلمي الميدان..

وكان تسيد مشاهد الحضور الإعلامي من جانب أولياء الثورة، فكانت منابر إسلامية في ميدان التحرير وأخري مسيحية في ساحة ماسبيرو، وإقصاء ونفي حضور شباب عبقري كانوا في الطليعة وإليهم كان ينبغي أن نتوجه باحترام للاستماع وإقامة الحوار المشترك، وإتاحة فرص الحضور الفكري الحماسي القادر علي إحداث التغييرالفعلي، وبسرعة كان الحديث عن تديين العمل السياسي، ولما لا وقد اختطفوا إنجاز الثورة لحسابهم (خرج أحد كوادرهم القيادية إلي كاميرات التليفزيون يؤكد أن الشاب وائل غنيم أحد أهم رموز شباب الثورة إخواني عضو قديم في الجماعة!!).. وكان إحياء فكرة إنشاء أحزاب وصفوها بأنها "أحزاب سياسية بمرجعية دينية" استثماراً لحالة انفتاح سياسي قد تسمح بإنشاء أحزاب سياسية بمجرد الإخطار..

إن مصطلح " أحزاب سياسية بمرجعية دينية " يطرح علامات استفهام لعل في مقدمتها : لماذا إقحام الأديان وتعاليمها في صياغة مبادئ وأطر عمل تشكيل سياسي؟.. ألا تمثل تلك الأحزاب علي أساس تلك القناعة عند الممارسة  لوناً من نفي وإقصاء الآخر علي أساس الهوية الدينية، وهو ما يهدم فكرة دعوة أي حزب سياسي يفترض دفاعه عن هدف سياسي، وليس أمر دعوي؟.. لماذا نهبط بتعاليم سماوية من علياء قدرها إلي ساحة النزال السياسي التي تُمارس فيها أحياناً أحط صراعات نجوم الكذب والمراوغة والخداع لتحقيق مكاسب للوجود السياسي للحزب؟.. هل من الوطنية استغلال لحظات الانتصار الوطنية لبث مفاهيم تُكرس الفرقة والانقسام عبر إنشاء أحزاب تتحدث للمواطن من منابر المساجد أو الكنائس ؟.. ماذا عن تأثير هذه الأحزاب علي شكل الدولة المدنية التي من أجلها كانت ثورة يناير؟.. ماذا عن  الاختلاف المرتقب بين تشكيلات الإخوان والجماعة الإسلامية وأصحاب الفكر السلفي.. حتي في هذا الإطار هناك خلل في توحد الفكر، فماذا هم فاعلون؟..

ماذا عن حالة الاحتشاد المسيحي وعقد النية علي تشكيل أحزاب مسيحية، أليس من المتوقع إذكاء حالة من التصادم غير المجدية فكرياً وسياسياً بين الأحزاب علي أساس الهوية الدينية ؟

إن حالة التداخل الديني في الشأن السياسي قد برزت بشكل قوي وغير مقبول في فترة التحضير للمشاركة في عملية الاستفتاء علي التعديلات الدستورية.. منابر مساجد ومطبوعات ولافتات لدعوة المصلي لخيار دخول الجنة عبر اختيار (نعم) للتعديلات، ومنابر كنائس وزخم من المؤتمرات والإعلام الديني لدعوة المصلي لاختيار (لا) حتي يكون للمسيحي وجود!!.. إلي حد قول أحد المتشددين للناس علي أبواب اللجان " انتبهوا.. اختيار (لا) تصويت لساويرس ومايكل منير".. وقول آخر "إنت مؤمن.. إنت مسلم قل (نعم) لطارق البشري"!

لقد قدم أشاوس المنابر الذين يدعون الحديث السياسي بتوكيل مسيحي أو مسلم بخطابات مختلفة السياق والتوجه والهدف ما يجعلنا نتخوف من إنشاء أحزاب دينية.. فإسلام أيهم نتبع، ومسيحية من التي نقف في صفها؟

إنني اعتقد أن الأهم في حالة استدعاء الأديان، هو إبراز الجانب الاجتماعي والإنساني والروحي والقيمي، فأحزاب اوروبا وإن أطلق عليها بالمسيحية فهي اجتماعية البنية تاريخية المسمي نظرا لدور الكنيسة التاريخي في محاربة ما يُسيء إلي الدين من سلوكيات، لذلك يتم تركيب مسمياتها من المسيحية التاريخية والديمقراطية المنجزة.. ونأمل في النهاية ألا نشهد سباقاً لإنشاء أحزاب لأصحاب الأديان، أو التسارع نحو تديين أحزاب موجودة..

إن إحداث التقدم مرهون بفهم حقيقي لدور الأديان في هذه الحياة، وتفهم حقيقة أن الإنسان كإنسان وحتي قبل أن يعتنق أي دين له دور اجتماعي إنساني في المقام الأول، وإذا كان هناك قصور في هذا الصدد ناجم عن تراجع لدور مؤسسات لا تسمح بتفاعل مجتمعي، فإنه لابد من الذهاب بسرعة نحو الإصلاح السياسي بقيمة وقدر هذا الوطن العظيم وبسواعد شبابه الذي صنع وفجر أهم وأروع ثورة في التاريخ الحديث في 25 يناير 2011.

إن المشهد الجماهيري الرائع، وحالة الاحتشاد البديعة للتصويت علي التعديلات الدستورية من جانب شعب حان الوقت ليرد علي كل من قال بشأنهم أنهم لا يستحقون الديمقراطية، لأنهم غير مؤهلين لاستحقاقاتها الوطنية.. خذلهم الله في مشهد غير مسبوق في التاريخ المصري الحديث، وصدق من قال إن المصري في أول اختبار بعد ثورة يناير قد وضع أول ورقة في صندوق الديمقراطية.

[email protected]