رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الزمر ليس مانديلا!!

لاشك أن زخم القرارات التي صدرت بشكل متسارع من جانب القيادة العسكرية ومجلس الوزراء كان استجابة لعطش المواطن المصري لتنسم نسمات الحرية، وبعد أن طال انتظاره للحظة ضرب الفساد ورموز الطغيان بمعاول شديدة البأس والفاعلية..

وإذا كانت تلك القرارات قد أتت متلاحقة لإثبات حسن النوايا ونبل المقاصد، فإن الأمر كان يتطلب ترتيب مراحل إصدارها وفق أولويات، والقراءة الجيدة لواقع الأحوال بعد ثورة 25 يناير، والأهم ألا تكون سبباً في شيوع تفهم خاطئ لما ينبغي أن ينعم به المواطن من مطالب قد يراها حقاً له، وهي ليست كذلك في كل الأحوال لتعارضها أحياناً مع القانون والمسئولية الوطنية، فنشهد كل يوم حالة من رفع سقف طموحات الناس إلي حد المساس بهيبة الدولة وصلاحية أدواتها لتيسير أمور الحياة علي الأرض..

علي مدي شهر تم إصدار قرارات كثيرة، ولا يختلف أحد علي أهمية أكثرها.. بداية من حل مجلسي الشعب والشوري، وإخلاء سبيل أعداد من سجناء الرأي، تقديم رموز الفساد الكبار للمحاكمة وسجن البعض منهم، إلغاء الحرس الجامعي، الإفراج عن مجموعة من السلفيين وكاهن، تعديل بعض مواد الدستور ودعوة المواطنين للاستفتاء عليها، إعادة الانتخابات الطلابية والقبول بممارسة أنشطة سياسية في الجامعات، الموافقة علي إنشاء حزب الوسط بمرجعيته الدينية.. وصولاً إلي إلغاء جهاز أمن الدولة..

وعلي جانب آخر مازلنا نعاني من حالة ضعف التواجد الأمني، مساجين ما زالوا خارج الأسوار وبلطجية يقتحمون محطات المترو والبنوك والبيوت، أسلحة تم سلبها من أقسام الشرطة في أيادي البلطجية، وتسيد لدعاة التشدد الديني وجماعات الانتهازية السياسية علي صدارة المشهد السياسي والإعلامي، وعلي منصات الميدان وأطفيح وماسبيرو!!

هناك خطورة من التداعيات الناشئة من تبعات بعض تلك القرارات إذا لم ترافقها بعض الترتيبات.. علي سبيل المثال، كيف نري تزامن قرار إعادة الانتخابات الطلابية، والسماح بممارسة طلاب الجامعات للنشاط السياسي في هذه الفترة التي يري شبابنا بفخر أنهم من كانوا في طليعة الميدان الينايري وأنهم في حالة ظمأ هائلة لأن يتمتعوا بممارسة العمل الديمقراطي، وفي غياب الحرس الجامعي دون فترة إعداد كافية لهذا التحول، فضلاً عن وجود جماعة وحيدة منظمة لديها موارد مالية وجاهزة لتسيد المشهد السياسي والثقافي في الجامعات، فمن يضمن سلامة وأمن شبابنا، وهم يعيشون حالة زهو ثوري، وغضب عظيم لتوالي نشر أخبار سقوط أباطرة الفساد، والتي باتت مذهلة وصادمة وتفوق أي تصور؟!

إن ما حدث علي سبيل المثال خلال الأيام القليلة الماضية، التي فتحت فيها جامعة القاهرة أبوابها لطلابها تؤكد علي تلك المخاوف، ونأمل أن يعي الجميع أهمية تقدير مدي خطورة انتهاك النظم والقوانين في تلك الفترة استغلالاً لحالة السيولة وتفكك البنيان المؤسسي عبر ممارسات غير لائقة كان ينبغي عدم تجاوزها في إطار ضرورة احترام علاقة الطلاب بأساتذتهم..

مثال آخر علي الاستغلال غير المسئول من جانب معظم الفضائيات لمناخ الحرية وعقب الإفراج عن كاهن قبل انقضاء مدة العقوبة، وأيضاً إطلاق سراح عدد من أصحاب الفكر السلفي كان قد تقرر عدم الإفراج عنهم (بقرار غير مقبول) في زمن مبارك والعادلي.. فيتابع المشاهد مظاهرة تأييد للكاهن علي المنصة في ماسبيرو، وتتسابق كل الفضائيات وبرامجها المهمة في هرولة غير مسبوقة للاحتفاء الإعلامي بمشهد خروج عبود وطارق الزمر (باستثناء برنامج "صباح دريم" الذي رفضت مُقدمته الإعلامية البديعة دينا عبد الرحمن السير في منظومة تبعية القطيع، بل وإعلان الدهشة والاستياء برؤية وطنية مسئولة).. لقد نسي أو تناسي الجميع أنهم يحتفون برجل تم سجنه في قضية جنائية (ليست سياسية) لضلوعه بالمشاركة في قتل الرئيس السادات، مما أراه يطرح من وجهة نظري علامات استفهام منها :

ــ قبل ثورة يناير، وفي العهد الذي تم فيه

تجاوز الكثير من قيم العدالة ، تم تقديم رمز كبير من رموز الحزب الوطني للمحاكمة بتهمة التحريض (ليس المشاركة) علي قتل مطربة (وليس رئيس جمهورية صاحب قرار العبور في أخطر مراحل التاريخ المصري)، وكان الحكم الأول بإعدام (المُحرض)، فلماذا الاحتشاد الإعلامي غير المبرر بخروج (المُشارك).. هل من تفسير؟

ــ كيف ونحن نثمن بكل تقدير وقفة الجيش الرائعة انحيازاً للجماهير وثورتها الينايرية العظيمة، وهو يتولي مسئولية القيادة بكل اقتدار في تلك المرحلة الفارقة في تاريخ أمتنا، أن تحتفي الفضائيات برجل كان ينتسب للمؤسسة العسكرية  شارك في إفساد احتفالية القوات المسلحة بانتصارات أكتوبر المجيدة عبر المشاركة في قتل القائد الأعلي في عملية تتسم بالغدر والترويع، وفي خروج غير مسبوق عن قيم تلك المؤسسة العسكرية العتيدة.. هل من تفسير؟

ــ ألا تُمثل تلك الاحتفالية بآل الزمر والتصريحات الصادمة بغير حساب عبر لقاءات سعت إليها معظم الفضائيات والصحف، إشارة برسائل ملتبسة لشبابنا قد يكون مفادها السماح بالعودة لأزمنة عانينا فيها من صراع بين من يرون أن لديهم توكيلات باسم الأديان ليحكموا، ومن يرون في الحوار والممارسة الديمقراطية أساساً لتحقيق حلم الجماهير بدولة مدنية.. هل من تفسير؟

ــ هل تسمح ثورة يناير التي حررت آل الزمر (باستحقاق لانقضاء فترة العقوبة)، لأن يُشارك من حُكم عليهم في جرائم جنائية في وضع ملامح مستقبل شعب قرر أن يثور لتحرير المفاهيم والعقول من سطوة الطواغيت؟!

هناك العديد من علامات الاستفهام في هذا السياق لا يتسع المجال لسردها، ولكن يمكننا الجزم لمن استقبلوا الزمر علي أبواب السجن أن "الزمر" ليس "روليهلالا مانديلا" المجاهد الوطني الإفريقي المناضل الذي استقبلته الجماهير إثر الإفراج عنه بعد سنوات سجنه الستة وعشرين بفرحة وطنية غامرة، وبعد أن أصبح النداء بتحرير مانديلا من السجن رمز لرفض سياسة التمييز العنصري، وبعد أن رفع شعار "اتحدوا! وجهزوا! وحاربوا!.. ما بين سندان التحرك الشعبي، ومطرقة المقاومة المسلحة، سنسحق الفصل العنصري".. يامن صورتم "الزمر" "مانديلا" ألا ينبغي تقديم الاعتذار للمشاهد المصري؟!

في النهاية ونحن نتابع حملة جماعة الإخوان لتأييد التعديلات الدستورية بتوزيع اللافتات التي تدعو إلي الموافقة علي التعديلات المطروحة في وصاية علي اختيارات الناس، نذكر أن الدستور قد يسمح للزمر بالترشح للرئاسة، ولا يسمح للعالم الكبير أحمد زويل بنفس الحق.. صدق شاعرنا العبقري صلاح جاهين عندما أطلق رباعيته "أنا كنت شيء وصبحت شيء ثم شيء.. شوف ربنا قادر علي كل شيء"...

[email protected]