رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الدستور ولجان "فض الاهتمام"!!

يقفز إلى ذاكرتي هذه الأيام مشهد جمعني طفلاً بجدتي لوالدي وهي تجالس جارتها الست فاطمة في أزمنة السماحة والتداخل المجتمعي في تشابك حميم، فبينما أتناول السكين لشق ليمونة،

فإذا بها تنهرني مبتسمة «كده يا ابني شقيت الليمونة مُسلمة» ثم ناظرة إلى جارتنا وهي تقول لي «خلاص اديها لأخوك حسين دي مش تبعنا» ويضحكان ضحكة مشتركة صافية ملؤها المحبة والود، لترد عليها موجهة حديثها إلى «ولا يهمك يا ابن بشاي شُقها مسيحية ولا مسلمة كله واحد وبيتعصر المهم متعورش ايديك يا حبيبي».. تلك كانت بعض أقصى مداعبات المحبة والود التي تتناول الشأن الديني.

الآن يتلاحظ عند دخول الجار أن يتسارع أهل البيت المسيحي أو المسلم لتغيير مؤشر القنوات بعيداً عن قنوات كهنة وشيوخ التعصب والطائفية من أصحاب الخطابات الطائفية المقيتة، التي تجد للأسف نسبة مشاهدة عالية يتابعها الأطفال، ومعها يراقبون ردود فعل قبول وحماس أهاليهم ومدى استحسانهم لما يشاهدون من قبل إعلان التدين والحماس الزائف لتأييد من يدعون أنهم حماة الأديان وخط الدفاع الأول عن معتقداتها، ويرون بجهل وتخلف معرفي وغباوة إنسانية أن البداية ينبغي أن تكون بتسفيه والنيل من عقائد الآخر وثوابته الإيمانية كسبيل للدعوة أو التبشير على طريقة «عقيدتي عظيمة لأنها خالية من كذا، بدلاً من القول ديانتي أعتنقها مؤمناً حافظاً لأنها تدعوني إلى كذا».

عقب حادث طائفي بعد ثورة 25يناير، كتب الكاتب الأمريكى «روز داوثت»، إن الكنيسة الأرثوذكسية فى مصر هى واحدة من أقدم الكنائس التي تخص المجتمعات المسيحية فى العالم، وتتبع جذورها إلى القديس مرقس الرسول الذى نجا فى القرن الأول الميلادى بالأقباط المسيحيين الذين تعرضوا للاضطهاد، وأضاف فى مقال له بصحيفة «نيويورك تايمز» أنه بصرف النظر عن عهد الرئيس المصرى السابق حسنى مبارك ، فقد عانى الأقباط (10% من جموع الشعب المصرى) من الاضطهاد والعنف الإرهابى، بالإضافة إلى تأكيده على هجرة 100 ألف قبطى للخارج منذ سقوط مبارك، وقد يزداد هذا العدد بعد تولى الإخوان المسلمين زمام الحكم فى مصر.

وأشار الكاتب إلى أن أسوأ ما تتعرض له دول العالم النامى هو أن تتحول بشكل مفاجئ من دول ديكتاتورية أو ملكيات إلى نوع من الحكم الشعبى، مثل العراق بعد صدام، والهند بعد الحكم البريطانى، وكشمير والضفة الغربية، وغيرها من الدول المختلفة فى العالم النامى، التى تقع فى أزمة العنف الطائفى، مشيرا إلى أن الأقليات وخاصة الأقباط هم أبرز ضحايا الربيع العربى.وللكاتب الأمريكي، ليس لدي ما أسمعه إياه ليفهم أن الناس في بلادي حالة خاصة جداً، مهما مال الحال وساء الواقع سوى ما قال الأب القمص سرجيوس خطيب ثورة 19 وأحد رموزها بشجاعة وانتماء « إذا كان الإنجليز يتمسكون بالبقاء فى مصر حتى يمكنهم حماية الأقباط، لو كانت هذه ذريعتهم فليمت الأقباط وتحيا مصر..».

نعم، هناك انتشار لحالة من التمييز على أساس الهوية الدينية يُعاني منها المواطن المسيحي، تفوق الحدود المقبولة لكونهم يمثلون أقلية عددية، ولا أرى داعياً لتكرار عرضها، فقد بات حديثاً مُملاً من كثرة ترديده على لسان شريك الوطن في الشارع وعبر وسائل الإعلام من قبل أهل الاختصاص في حقوق الإنسان، ومعلوم أن مشاريع القوانين المقدمة في هذا الصدد والمُعدة بشكل جيد أعدها وصاغها أهل الخبرة من شركاء في الوطن أدركوا خطورة استمرار حالة من الفرقة والغُبن التي يمكن أن يعاني منها المواطن ليس فقط على أساس الهوية الدينية، ولكن لاعتبارات أخرى تتعلق بالجنس والحسب والنسب والمقدرة المالية والوضع الاجتماعي والعمر الخ... وللأسف فإن كل المشاريع بداية من تقرير الدكتور جمال العطيفي منذ السبعينات، وحتى مشروع القانون المقدم لحكومة الدكتور عصام شرف بعد ثورة وضعت في مقدمة أهدافها تحقيق كرامة المواطن المصري على أرضه، تختفي جميعها وتضيع ويمل المواطن من كثرة السؤال عن مصيرها، ووصولاً لتقديم وثيقة الأزهر الشريف التي حظيت على موافقة كافة أطياف الشعب المصري، ويتجدد السؤال: هل تلحق بكافة المشاريع التي تم إحالتها للجان «فض الاهتمام» لمقاومة حالة الاحتشاد الرائعة على بنود تضمنتها الوثيقة تضمن العديد من الحقوق والحريات وسد الذرائع أمام طوفان فتاوي تضييق الحق، بل الحقوق التي كفلتها آيات وتعاليم الكتب المقدسة، قبل أن نتشارك جميعاً في لي معانيها لصالح أهداف سياسية ونفعية وقبلية شريرة تريد للوطن استمرار حالة من الغليان ترشح لفرص التقسيم والحروب الإعلامية على شاشات ازدراء القيم العليا الإيجابية التي هبطت الأديان للدعوة إليها والتبشير بمعانيها.

ويبقى السؤال الأهم: هل سيتم وضع نص وثيقة الأزهر على طاولة عمل لجنة المائة المُكلفة بوضع الدستور الجديد

للاستفادة بمخرجات ذلك العمل الوطني النبيل؟.. مع الوضع  في الاعتبار سلبيات ما خضنا فيه من مراحل وخطوات كانت جميعها في عكس الاتجاه الذي يكفل الوصول عبر أيسر الطرق لتحقيق أهداف الثورة.. نعم كانت في عكس الاتجاه المأمول بداية من إلغاء تشكيل لجنة محايدة لوضع التعديلات الدستورالأخيرة، وتشكيل لجنة لا توفر هذه الحيادية، إلى الموافقة على إنشاء أحزاب بمرجعية دينية بما يخالف الدستور، ثم إجراء انتخابات بدأت بموقعة الصناديق الشهيرة كما وصفها وأرادها أحد مشاهير الدعاة صاحب الشعبية الهائلة ليحيلها لانتخابات بمرجعية دينية، والتي تبعتها قوائم خرجت من كنائس كرد فعل، ووصولاً لمجالس نيابية بمرجعية دينية، وتشكيل لجان عمل داخل غرفتي المجلس بنفس المرجعية.. فهل يصل بنا الأمر لوضع دستور بمرجعية دينية يكتب بنوده لجنة لها نفس المرجعية؟

لابد من مقاومة  محاولة أي فصيل أو تيار بعينه الاستحواذ على لجنة إعداد الدستور لتمرير مواد دستورية لا تتوافق مع الأغلبية من طوائف الشعب، لأن إعداد الدستور هو عقد اجتماعى بين الحاكم والمحكومين يدوم لسنوات طويلة، وينبغي ألا يرتبط إعداده بالأغلبية البرلمانية، وإنما يرتبط بمدى تمثيل كل أطياف الشعب السياسية والثقافية والدينية، و يجب أن يخضع للتوافق ويشمل كافة الفئات لإصداره بما يتوافق مع الجميع دون الارتباط بأغلبية النواب في المجالس النيابية، التى ربما تتغير غدا وتصبح أقلية، وبالتالى فمنظور الأغلبية لا ينبغي القياس عليه ، وإنما الدستور يجب أن يتضمن مواد أساسية تتفق مع حقوق الإنسان وتكفل الحريات، والتي منها حرية الاعتقاد، وتكفل سيادة القانون والمواطنة ونبذ أى مواد تمييزية.

إن استحواذ أغلبية البرلمان والنقابات يعنى السماح الطعن فى دستورية اللجنة، وهو ما يبطل العقد الاجتماعى، وسوف يواجه باعتراض من كافة التيارات وشباب الثورة وما يتردد عن إعداد مسودة من قبل الإخوان بمباركة العسكرى سيفتح الباب أمام معارك لا لزوم لها لأنه من غير المقبول أن يتم إسقاط الحزب الوطنى الذى كان يهيمن على كل شىء ويأتى الحرية والعدالة بديلا له. لابد أن تضم لجنة المائة نسباً عادلة ممثلة للمرأة والأقباط والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة وأهل سيناء والجنوب النوبي، ليكون الدستور في النهاية معبرا عن جميعنا دون إقصاء أحد لأنه وثيقة تاريخية يتفق عليها الجميع لتنيظم العلاقة بين السلطات وتحديد إطار وشكل النظام، وحتى لا يشوبه العوار ويطعن فيه إذا لم يعبر عن احترام حرية وكرامة كل إنسان يعيش على أرض هذا الوطن.

وحتى لا ننظر لوجود ليمونة تم شقها على الطريقة الإسلامية أو الأخرى على الطريقة المسيحية منذ أيام جدتي رحمها الله، وحتى موقعة الصناديق وقوائم الكنيسة ، تعالوا نتذكر تلك الأبيات البديعة للشاعر العربي الرومانسي الجميل في سعادته بتحية مواطنة مسيحية له، وكأنه عاش ليشهدها تصب ماء الوضوء لشاب مسلم بعدها بسنوات في ميدان التحرير..

فرحتُ لأنّ إنساناً يحيّيني / لأنّ يداً صباحيّة.. يداً كمياهِ تشرينِ

تلــوّحُ لي.. تنــاديني / أيا ربّي متى نُشفى تُرى من عقدةِ الدّينِ؟

أليسَ الدّين كلّ الدّين إنساناً يحيّيني / ويفتحُ لي ذراعيهِ ويحملُ غُصنَ زيتونِ

[email protected]