رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

صباح الخير يا جارى

لم أصدق الرسالة التى وصلتنى عن وقوع فتنة طائفية فى المراشدة، إلا بعد اطلاعى على التقارير الصحفية التى تلقيتها من مراسلى «الوفد» فى قنا، وأشارت إلى وقوع أحداث عنف بسبب تحرش رجل مسيحى من القرية بطفلة مسلمة، فشعرت بالحزن والأسف والخجل، وكأن «كوكتيل» قرف

انحشر فى حلقى، خوفاً على تبدل علاقات المحبة والأُخوة التاريخية التى ربطت بالفطرة بين المسلمين والمسيحيين فى القرية بدون دستور يدعو للمواطنة أو قانون لا يفرق بين أبناء الوطن على أساس الدين أو اللون أو الجنس.
قرية المراشدة «20 كيلو» شمال قنا، هى بلد المنشأ بالنسبة لى ومهدى، وصباى، وشبابى، وأحلامى، أغلب  سكان القرية من المسلمين، لكن لا يشعر مسيحيوها بأنهم أقلية فهم يمارسون طقوسهم وشعائرهم في كنيسة القرية الوحيدة فى حرية تامة، وتدق أجراس الكنيسة فى أوقاتها المنتظمة، المسلمون في القرية من الكبار والشباب يحترمون جيرانهم المسيحيين فلا ينادونهم إلا بكلمة يا أبوجارى، أو يا جارى، أو يا خواجة، أنا شخصياً كانت لى علاقات طيبة مع مسيحيى القرية، كان بعضهم جيراننا فى الغيط منهم لبيب، عزمى، موسى، جودة، وكانت هناك مودة بيننا وبينهم، وكانت تجمعنا أحياناً أوقات الغداء فى الضليلة على أرغفة القمح والجبن القديم وفحل البصل، ونحبس بالشاى «التقيل» غرب الرنان، وكان الخواجة «عبيد» يسلينا بالنوادر التى كان يتعرض لها ويرويها لنا بطريقة جذابة مستغلاً ذكاءه الشديد فى الخروج من المواقف الصعبة.
كانت والدتى ترسلنى وأنا تلميذ فى المدرسة الابتدائية، إلى الخياطة لإحضار ملابس شقيقاتى، وكنت قد تعودت على أن أنادى الخياطة بـ«خالتى»، وكانت تستقبلنى بحفاوة وبشاشة وجه، وتقدم لى الشاى، وتستجيب لكل مطالب والدتى فى تفصيل الملابس، ولم أكتشف أنها مسيحية إلا بعد سنوات طويلة عندما عرفت أن الشارع الذى تقيم فيه اسمه درب النصارى، وعندما عرفت زاد احترامى لها، ولم أتوقف عن مناداتها بـ«خالتى» حتى كبرت، وعملت فى القاهرة، وعندما عدت إلى القرية، ومررت من درب النصارى، وقفت أمام بيت عم ذكرى، أسترجع ذكريات عمرها «40 عاماً» وكنت أريد أن أسلم على خالتى نجيبة، فلم أعرف إذا كانت على قيد الحياة أم توفاها الله.
وعرفت القرية الخواجة عطية العطار.. تاجر متجول، كان يتنقل بين نجوع القرية بحماره الذى يحمل جميع أنواع العطارة ومستلزمات البيت القروى، وكانت السيدات فى النجوع، يتوجهن

إلي المكان الذى كان يستقر فيه الخواجة عطية ليشترين احتياجاتهن من جميع أنواع العطارة والسلع الاستهلاكية الأخرى، كما كان هناك الخواجة رزق الله أول موزع للسكر على بطاقات التموين، وكان للخواجة عطية ابن اسمه نادر، يعاونه فى بيع العطارة، ثم ورث المهنة عن والده، ولا أعرف إذا كان يتنقل بين النجوع لبيع العطارة أم أصبح له محل دائم فى القرية، ونادر هذا هو المتسبب فى الفتنة التى شهدتها القرية بعد اتهامه بالاعتداء الجنسى على طفلة مسلمة عمرها «5 سنوات» وهو بلغ الستين من عمره!
هذا الحادث رغم بشاعته واستنكاره لاتصاله بالشرف والعادات والتقاليد، إلا أنه يجب أن يعالج فى إطار القانون، وليس بالعنف والتخريب  والاعتداء على الأرواح والممتلكات، راعى كنيسة القرية استنكر الحادث، واستمعت إلى صوته مختنقاً، وقال لى إن جميع أهل القرية يتمتعون بمحبته، ويلتقى معهم فى العديد من المناسبات، ولم يسمح منذ مجيئه إلى القرية بوصول مشكلة واحدة إلى مركز الشرطة، لأنه يعمل على حل الخلافات النادرة فى إطار العرف الاجتماعى، كما قامت أجهزة الأمن وعلى رأسها اللواء صلاح مزيد مدير أمن قنا بتهدئة الأوضاع فى القرية بتدخله السريع لاحتواء الأزمة والقبض على المتهم، وأدعو عقلاء القرية من الجانبين لضبط النفس ومعالجة الأزمة فى إطار علاقات المحبة التى تجمع بين المسلمين والمسيحيين للحفاظ على الأرواح والممتلكات وأن يلجأ الجميع إلى القانون ليفصل فى الواقعة، ونرجو أن تكون كلمة القانون سريعة دون إبطاء، وأن يستمر المسلمون والمسيحيون يتبادلون تحية صباح الخير يا جارى.