رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عن اللغة العربية....قول مختلف

اللغة كائن حي يأكل ويشرب وينمو ويتنفس، وكل طعامه وزاده ليس سوى الاستخدام، ولأننا لا نتكلم الفصحى ولا نحسن صياغتها إلا فيما قل فوجب الآن الاعتراف بأن تراثنا مليء بما نحن أولى بالتخلي عنه تماما وليس غربلته أو حتى الانتقاء منه.

لا يمكن أن أتخيل مرور كل هذه القرون على علوم اللغة بلا تطوير أو تبسيط فيها.  العروض صناعة من يجيدها يصبح شاعرا! النحو العربي دخله الكثير من الأحاجي والألغاز التي تناسب المنطق والسفسطة أكثر مما تناسب القواعد التي تضبط الكلام، والتي وضعت بعد أن تكلم الناس لا العكس. فكيف للأعراب البدو البسطاء أن يخترعوا قواعد لا نغيرها ونحسبها مقدسات ونحن الآن في عصر العلم لا يحق لنا تغيير هذه القواعد أو حتى تطويرها بما يتناسب وحاجة العصر والإيقاع السريع الذي نعيشه.

وبحكم دراستي العميقة للإنجليزية وغير العميقة للألمانية وعملي بالترجمة فإني أوقن بلا أدنى شك أن الإنجليزية الآن أقوى وبمراحل كبيرة من العربية ليس لعيب في العربية، ولكن لأن هذا النمو قد توقف منذ زمن بعيد بينما سبقنا الغرب بالعلم والمعرفة فطوع للعلم لغته وقواعدها. وليس أدل على هذا من أن قاموس أكسفورد (Deluxe Edition)  قد زاد في مواده ثمانين ألف كلمة جديدة تماما منذ خمس سنوات بينما أننا بالكاد نحيي ما هجرناه في المعاجم مع إيماني أنه ليس بالمعاجم وحدها تحيا اللغة. وحتى عند قراءتي للأديب والمحقق الكبير محمود شاكر وتلميذه الطناحي وهما هما لا أكاد أجد جديدا إلا حيث يمسكون بالكلمة من عنقها ويحشرونها حشرا في المقالات والدراسات لدرجة أن جرس بعض الكلمات الموسيقي مضحك مثل كلمة الحسيكة التي استخدمها الطناحي في رده على هجوم حسين أمين على شاكر، ومعناها الكراهية. المنتظر من شاكر والطناحي الكثير والكثير لو كانا قد توجها وجهة غربية نوعا ما في نظريات اللغة وعلوم اللسانيات الحديثة وهو ما أرجو المولى سبحانه أن أتمه مع فريق عمل يرسخ معنى المجموع لا الفرد.

ذاك هو السبب في أنه حتى العامية العربية أقوى من الفصحى في التواصل والوصف لا لشيء إلا لأن استعمالها في البيت والشارع والمدرسة والجامعة قد أكسبها قوة وزادها صقلا وليونة وقدرة على الاشتقاق والتصريف.

هنا أنبه أني لم يخطر – بكسر الطاء- ببالي تشجيع العامية على حساب الفصحى ولكني أنبه إلى خطر الانفصال والفجوة الضخمة بينهما في حين تتعملق العامية وتتقزم الفصحى.

في العدد الثالث عشر من مجلة الرسالة كتب صاحبها أحمد حسن الزيات مقالا جميلا بعنوان:" آفة اللغة هذا النحو" كان هذا في عام 1933 وجاء فيه:
الطالب الناشيء في الدراسة الأزهرية كان يجد أن أول ما ينبغي درسه هو  شرح الكفراوي على متن الآجرُّومية وهو كتاب شديد الكلف بالإعراب. يتفكه الزيات هنا بأن الإعراب مسيطر على كل شيء. والأدهى أن كل كلمة تحتمل وجوها كثيرة ومختلفة من الإعراب حسب التقدير أو الحذف أو التخيل في عقل المعرب. الحقيقة أن الزيات قال ما يمكن أن نقوله جميعا من أن الإيغال والإفراط في الإعراب والتقدير قد جعل هناك فوضى وسفسطة في عقول التلامذة على الطريقة الأزهرية الشهيرة: فيها قولان!
وقد جنى هذا الخلط على الأذواق وأضعف السليقة وطبع القرائح على هذا الغرار من التفكير العابث والتقدير الهازل كما يقول.
وإني بحكم دراستي الأزهرية (الكلام لي) أعرف أنه من الأسلم لك ألا تعارض نحويا أو فقيها فكل خطأ عندهما يمكن أن يصوَّب وكل صواب عسى أن يخطَّأ!
وقد كان للزيات معلم من هذا النوع المتحذلق الذي ينطق أي شيء ويجد له تبريرا ثم إذا عاتبه أحد رد في تفيهق وزهو:" لولا الحذف والتقدير لفهم النحو الحمير."
وحدثوا أن ممتحنا من هذا النمط ، كتب في ورقة طالب راسب:"لا يصلح" ثم ظهر لأمر خارج عن إرادته أنه ناجح ، فكتب تحت هذه الجملة: قولي "لا يصلح" ، صوابه: يصلح ولا زائدة!!!

عن نفسي قابلت شيخا من النوع الذي تحدث عنه الزيات لما كنت في الإعدادية، وقد

طلب مني إعراب جملة اسمية فأعربتها ثم سألني: ما عامل الرفع في المبتدأ فأجبته: الابتداء، فهلل الرجل وتبعه بقوله: وما عامل الرفع في الخبر فأجبته: المبتدأ، فتهلل وجهه، وكاد يطير فرحا، ثم سألني لم اختصت الضمة والرفع بالأسماء فبهت ولم أجب إذ كانت قدرتي على السفسطة والتأويل قد نفدت. فرفع الرجل حاجبيه وتمشى متبخترا، وقال بيقين ليس يملكه هايزينبرج: لما كان الاسم أشرف الكلمات والضمة أشرف العلامات فناسب اختيار أشرف العلامات لأشرف الكلمات!

وليت شعري ما الذي جعلك أيها الشيخ الجليل تحكم على الفعل أنه أقل طهارة من الاسم، وأن الضمة أعف وأجمل من الفتحة؟ والأهم من هذا هل لنا أن نعاقب إن وأخواتها أنها تنصب الأسماء فتقلل بهذا من طهارتها!

ما قلته عن النحو يسير على الصرف والبلاغة واشتقاقاتها (المعاني والبيان والبديع) والعروض والفقه. فكلها علوم لم يحالفها الحظ فتسمح بجزء من التطور والحراك مثل باقي العلوم التي وصلت الآن إلى تخصص التخصص. وأستطيع الآن أن أكتب عشرات النماذج التي يمكن أن تكون أضحوكة ومثلا في السخافة من كتب الفقه لولا ولائي لمن علموني.

ما أطلبه:
التيسير اللغوي والتخفيف من القواعد الكثيرة. ولعلي وأنا أقوم بتدريس العربية لبعض الإخوة الأمريكيين أعرف كم أن هذا النحو بغيض رغم أني أجيده، لكن تدريسه أمر دونه خرط القتاد وصعود السماء. فألمانيا التي تعتز بلغتها والتي يرفض أهلها محادثتي لهم إلا بالألمانية يدرسون الطب والكيمياء بالإنجليزية لأنها أسهل بكثير من الألمانية المبتلاة بالإعراب والتعقيد أيضا.
وما أطرحه ليس غريبا ولا جديدا فقد ألف فيه د. شوقي ضيف رئيس مجمع اللغة العربية كتابا كاملا اسمه "تيسيرات لغوية" بدأه بأن سيبويه نفسه وبعض القدماء كان يجيز تسكين أواخر الكلمات. أقول إن سيبويه نفسه كان يرى ذلك وبهذا فإنه لا معنى للاستغراب من هذا الطرح لما أتى به توفيق الحكيم في عصرنا خاصة وتوفيق نفسه يقول إن طه حسين كان يستعين بنحوي يراجع له كتاباته!!!
وهناك أيضا شق آخر يتمثل في إحياء الكلمات البسيطة التي نظنها عامية وهي من الفصحى، والمؤلفات في هذا الباب كثيرة ذكرها ضيف في مقدمة كتابه هذا.
وبهذا نستطيع أن نكتب لغة وسطا بين الفصحى والعامية نتخفف فيها من هذا الترسل الرهيب في قواعد النحو، ونعلو قليلا فوق لغة الجرائد والبرامج لتكون لنا لغة جديدة تناسب هذا العصر.

وأخيرا لك أن تختلف معي في كوني أريد أن نتخلى عن ثلاثة أرباع النحو والصرف والعروض وربما الفقه مقابل التجديد فيها لكني أؤكد أن اللغة ما هي إلا أداة اتصال فإذا ما تم الاتصال فنعمَّا هي، وإذا لم يتم فبئست اللغة، ولو كانت ذهبا خالصاً.
[email protected]