رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شكرا لبرنامج صبايا رغم أنفي

 

في مسالك الناس في هذا الزحام وهذه الفتن ما يُرعب. ترى هذا في أكبر موقف للسيارات في مصر كلها وهو عبود الذي إن حكيت عنه لربما لا يكفيني مجلد تنيف صفحاته على ألف. ستجد هناك ما يفسر لك المثل الأمريكي المعدل لمقولة داروين: البقاء للأصلح "سيرفايفال فور ذا فيتيست" إلى البقاء للأحقر "سيرفايفال فور ذا مينيست". ولتغفروا لي كتابتها بالعربية "ترانسليتيريشن" خشية اضطراب النص بوضع كلمات بحروف إنجليزية داخله كما حدث في مقالي السابقين.

عبود هو المثال الحي لما آلت إليه ثورتنا. فقد تحول كثيرون إلى باعة متجولين، ناهيك عن اللصوص ومن هم أشنع إثما من اللصوص. فمنهم من ينادي بصوت عال "ديمقراطية" ثم يخفت صوته عندما يكمل قائلا "نفعها لي وإثمها لغيري"، وشيوخ وقساوسة يقودون اعتصامات طائفية في غير سابقة، كنيسة يتصدرها صقور وأزهر بإمام لا حيلة له، واغتيال لأناس لم يثبت القضاء أي إدانة لهم حتى الآن، وانتهازيون وتجار، والنتيجة أن الموقف لا يتعطل لكن الصوت العالي فيه كما هو لم يتغير، وبنفس النبرات: إنه صوت الأدنى، فالبقاء للأدنى، ومرحبا بك في بلاد العجائب.

قلت سابقا إن ما في مصر الآن يحمل خيرا كبيرا لأنه مرحلة الفرز وما بعد المخاض والثورة قام بها أقلية لا أغلبية، وهذه الآلام صحية والحل بسيط وهو التكاتف. الحل الآن في هذا اللاحسم أن نعزز قيمة الفرد بجهد الفرد. أن يقوم المجتمع المدني وقوى الشعب بالدور المنوط بهما. لن ننتظر الحكومة حتى تبني لنا مشفى أو مدرسة، سوف نتلاحم في هذه المرحلة، وسنثبت للدنيا أن مصر كانت وستظل هبة المصريين. بل حتى في التعليم أنتم تعلمون أن أعظم جامعة في الدنيا وهي هارفارد جامعة أهلية، أي أنها قائمة على وقف خيري من الناس، وأن جامعة عظيمة مثل جونز هوبكنز قد أنشأها في الأصل أبوان فقدا ابنهما فأسميا هذه الجامعة باسمه. صدقوني سنجتاز هذه المرحلة بنجاح ساحق.

قابلتها في عبود وكنت وقتها وقبل أن أفكر الآن في شراء سيارة أفضل ركوب سيارات الأجرة لأن الطريق طويل وشاق وكانت عادتي عند العودة في آخر الأسبوع أن أتبين في الناس من حولي في هذا الزحام الرهيب كبار السن والأسرة التي تحمل الأم فيها رضيعا أو أي امرأة أو بنت ليس معها من يعينها على حجز مكان في السيارة التي يهجم عليها الجميع حتى تكاد تتهشم خاصة والمرأة بالفعل مهانة في مجتمعنا، وهذا ما أؤمن به يقينا.

كان معها طفل وطفلة ست سنوات وأربع على الترتيب، وشقيقة زوجها، وكان اليوم عصيبا وقد حلَّ الليل ملفوفا بالقلق، وما إن أهلَّ شبح السيارة

من بعيد حتى هجم الجميع. هرولت إليهما وقلت سوف أحجز لكما مكانين فاستعدا. تحركت السيارة وغرقت أنا في نوم عميق كعادتي في الكرسي الخلفي ثم صحوت في نصف الرحلة على صوت بكائهما يخلع القلب خلعا. لم أشأ أن أتدخل لكني سمعت المرأة تشكو وشقيقة زوجها تصبرها وعرفت أن الطفلين لا يسمعان ولا يتكلمان، وأن السيدتين قد طرقتا كل الأبواب بلا فائدة. قلت: هل يمكن أن تأذني لي بمساعدتك؟ هل يمكن أولا أن أرى هذه الفحوص الطبية؟ وقد رأيتها وكانت صادرة بالفعل من طب الإسكندرية ومعها تقارير كثيرة تؤكد حاجة الطفلين بسرعة إلى زرع قوقعة. وصلنا فأعطيتها هاتف زوجتي لتتواصل معها وطلبت منها أن تترك معي هذه الأوراق حتى أعرضها على بعض أصدقائي في مدينة الإنتاج الإعلامي.

تيقنت بنفسي أن هذه الأسرة في فقر مدقع، وأن الزوج عامل بسيط ومريض بالكبد وأن الطفلين بحاجة عاجلة إلى زرع قوعتين، فذهبت إلى الأخ محمد فوزي مدير إعداد صبايا و المخرج الفاضل محمود ولم أكن أتوقع أن يلقى طلبي كل هذه الحفاوة. وبدون الدخول في تفاصيل لم أصدق نفسي فقد أُجريت لهما العمليتان بتكلفة تقترب من نصف مليون جنيه. الحقيقة أني لم أفعل أي شيء وأن من يستحق الشكر بعد الله هو المعدن الأصيل لهذا الشعب، هم المتبرعون الأخفياء الذين أنقذوا مستقبل هاتين الزهرتين. ومن هنا أشكر المتبرعين وكل فريق العمل بصبايا وشكري الخاص للجراح العظيم الدكتور محمد الشاذلي هذا الرجل الذي شعرت من تعاملي معه بنهر العطاء الذي يجري في دمه. بارك الله فيه وفي كل طبيب وطبيبة وممرض وممرضة ساهموا في إنقاذ هذين القمرين وكل زهرة جديدة تتألم في بستان مصر.

ملحوظة: تعبير "رغم أنفي" ليس من الصعب فهمه.

[email protected]