رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

عن عبير

 

في البحر التثويري الذي يغمر مصر الآن خير كبير، فهذه أعراض المخاض، والأهم هو فك الاشتباك بين أمور تبدو للوهلة الأولى مسلمات وهي لا تصمد للنقد العابر.

عبير فتاة بائسة مثل كاميليا يسيء الزوجان معاملتهما إلى حد الضرب، وتشاطرهما في المعاناة وفاء قسطنطين.

عرفت عبير شخصا مسلما، وأقنعها بالإسلام لا أدري كيف، ولا كيف عرفته وهي متزوجة. هربت معه إلى القاهرة وأشهرت إسلامها ثم اختبأت عن طريق شخص لا أدري بناء على ماذا؟ عرف أهلها مكانها فأتوا بها إلى دار بالقرب من الكنيسة، وشهدت ألم تتعرض لأي أذى أو إكراه على المسيحية. الاشتباك هنا واقع بين الرغبة الحقيقية العليمة بالإسلام وبين الهروب إلى اللامكان مدفوعة بالألم. استنجد العاشق (لا أجد له تسمية إلا هذه) بمن يراهم خصوم المسيحيين، فذهب إلى سلفيين يستنهضهم، فانطلقوا، فرآهم مسيحيون فدافعوا عن كنيستهم، فاستغل البلطجية ما وقع وأشعلوا النيران، وقيل إن الكنيسة وما حولها من بيوت المسيحيين كانت بها أسلحة.

أهل الفتاة لهم كل الحق والعذر في البحث عن لحمهم ودمهم وعرضهم، والسلفيون قالوا إنهم قد أبلغوا الشرطة لكنها من تباطأ في الحضور.

النتيجة أن السلفيين الظاهرين الآن على الساحة تنقصهم الكثير من الكياسة، ويغريهم حب الظهور والبحث عن دور، وتدفع بهم الحماسة إلى نار الشبان المسيحيين المتعصبين الذين يرددون هتافات مهينة للإسلام وللجيش ولمصر.

يبدو الطرفان للوهلة الأولى مختلفين، والحقيقة أنهما متطابقان، فكلاهما أداة ومفعول به لا فاعل، وهنا يتجلى قيمة الوعي.

الوهابية مصطلح سياسي لا علاقة له بالدين، وقد نشأ ورعاه آل سعود ليكون حائط صد للصفوية. والأرثوذوكس هم سلفية المسيحية إن صح التعبير، فهم المتمسكون بحرفية النص والناقمون على الإنجيليين (الذين يغرون شبابهم بتغيير ملتهم إلى البروتستانتية) والكاثوليك. المحرك هنا هو السياسة، ولا دخل للدين بالأمر.

للبابا والكنيسة طموح سياسي نحو مكاسب طائفية بعد كل مشكلة، والسعودية تكسب كل يوم أرضا في الشرق الأوسط والخليج الفارسي، وتمول دعاتها فترى من المضحكات المبكيات لعن الشيعة ليل نهار، ومُدارسة كتبهم في بلد كمصر لا يمثل الشيعة فيها أي خطر، وترى في الكنائس مسرحيات تسيء إلى الإسلام، وقساوسة يربون أتباعهم على الكراهية لا للكراهية ذاتها وإنما تحصينا للشباب المسيحي الذي نراه الآن في أسوأ درجات العنف والتجاوز.

في القنوات السلفية وبعد أن سب الشيعي المتطرف ياسر الحبيب السيدة عائشة رضي الله عنها تبرأت منه الكويت واعتذر خامنئي وأنكر فعلته ومع هذا ظلت الأوامر السعودية للقنوات والمواقع السلفية أن ينهمر الردح للشيعة ليل نهار مع البحث بإبرة في كتبهم وتراثهم عما يشين، وهو ما كان يُظهر ضعف الثقافة الدينية حتى لكثير من المشايخ ممن كانوا يجمعون

الشيعة كلهم في سلة واحدة تحت اسم الروافض ولا يكفون عن لعنهم. والمحرك هنا مرة أخرى سياسة لا دين.

فمجلس التعاون الخليجي مثلا إنما نشأ ليكون كتلة سنية ضد إيران الشيعية (وفيما بعد العراق)، وكانت الكويت والسعودية الداعمين لحرب صدام (حارس البوابة الشرقية) ضد إيران، ولن أنسى الملك فهد وهو يكرمه بدرع القادسية فضلا عن تكريم آل الصباح له.

في البحرين ارتكبت السعودية مجازر وحشية، واتفقت وقناتي الجزيرة والعربية على إخفاء المعالم حتى لا يستلهم مليونا شيعي سعودي روح الثورة من شيعة البحرين وهم الأغلبية المهضومة. هنا مرة أخرى تجد السيطرة السعودية على الإعلام واستخدامها لمعتنقي الوهابية (لا السلفية). بالمقابل ستجد الإعلام المصري ينحاز إلى الكنيسة طمعا أو خوفا.

كان أمن الدولة يجيد المواءمات فيذهب إلى المسيحيين يقول: لا أستطيع أن أعطيكم شيئا وإلا سيشعل السفاحون الإسلاميون نيرانا، ويقتلونكم، ثم يذهب إلى السلفيين ويقول: ساعدونا وكونوا عامل توازن ضد تطرف المسيحيين في المطالب، وقاوموا النشاط التنصيري التابع للمنظمات الخارجية في المناطق العشوائية حتى لا تضيع المعونة الأمريكية لمصر، وحتى لا يشعر المسيحيون بأننا مع الإسلام ضدهم. نفس الشيء في الصعيد حيث يملك الطرفان كما رهيبا من الأسلحة تحقيقا للتوازن.

تحالف أمن الدولة مع بعض (وليس كل) السلفيين يشبه تحالف آل سعود مع آل الشيخ، وتحالف أمن الدولة مع بعض قيادات الكنيسة يشبه تحالف الكنيسة ذاتها مع النظام ككل.

في النهاية لم يكن أي طرف خائنا لنفسه أو وطنه بل كانا يعملان لما يعتقدان أنه لصالح الاستقرار وحفظ أمان البلد لكن بعد هذه الثورة، وحيث اكتشف الفريقان أنهما كانا ترسين في خدمة آلة عاتية هل يعي كل منهما الدرس ويتفقان على ألم يختر أي منا دينه، وأن اقتتالنا على السماء أفقدنا الأرض؟!

[email protected]