رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

هل صارت السلفية هلامية؟

كتبت نقدا للخطاب السلفي وجعلت الأخ الكريم محمد حسان نموذجا وأثبتُّ قدرا عظيما من العشوائية والتعصب بل والسوقية في كثير من مخرجات هذا الخطاب. لكن اللافت أكثر إذ تتماس خطوط النقد مع الهجوم والهجوم المضاد

بحكم نشأتنا على فقدان (بكسر الفاء) فضيلة المراجعة هو أن التعليم هو الحل. فبين كل الردود وصلتني رسالة من باحث بالجامعة الأمريكية رجاني أن أفصل القول فيما أسميته "الطابع البدوي في الخطاب السلفي" وكنت أوجزت هذه النقطة فلفت الباحث نظري إلى أنه ودَّ لو كنت أطنبت عوض الإيجاز لأن هذا مفتاح كاشف لبينيات التسلف والسعودة. وكانت مناسبة كلام الأخ الباحث (ذي التعليم المحترم لا الأميري) هي ما سردته من حكايات تختلط فيها السوقية بالعشوائية بالتظارف وثقل الظل في خطاب الشيخ محمد حسين يعقوب حيث تتكرر مفردة الجمل كثيرا في حكايات علم الله أن قلمي يعف عن ذكرها لأن بها دلالات فاحشة!!

وأما التركيز على المفردات المتكررة فهو من أسهل السبل وأوضحها لتحليل الخطاب وإذا اكتمل بمنهجية ياااااه كان الزبد بالنرسيان كما تقول العرب. وقد كتبت سابقا عن أهمية الدراسات البينية الحديثة لكن الهجوم والهجوم المضاد عطلني. وكنت أقصد إلى تطبيق هذه الثمرات العلمية لتحليل مفردات الشيوخ والإعلاميين والتجار والعسكر واستبطان ما فيها من ترميز أيديولوجي وإعادة إنتاج الأيديولوجيات لغويا والتعددية اللغوية الاجتماعية وخطاب الأقليات اللغوي وتتبع الصعود أو الهبوط الأخلاقي من الألفاظ المولدة والمقايضة اللغوية بين الضعيف والقوي والتوحد اللغوي وعولمة الخطاب السياسي والحجج الحاضنة والأخرى المحضونة والتحولات التاريخية واللغوية للألفاظ. وحتى لا يُحسب كلامي مجرد شطحات سأعطي مثالا على النقطة الأخيرة. مثلا من الأشياء المحزنة عند الفقهاء الفجاجة في التعبيرات بمعنى أنه يتحدث صراحة عن ألفاظ الجماع، ولهذا في رأيي احترازان: الأول أن كثيرا من الفقهاء (على رأسهم متأخرو الأحناف) كانوا قضاة في ذات الوقت، والقاضي يحتاج إلى الفجاجة في القضايا الحساسة والتعبيرات الصريحة خاصة في النزاع بين الزوجين، والثاني أن اللغة لم تكن تسعفه لأن عقله يسبقها وكلما انطفأ لفظ استجد آخر، ولذا تجد وقعا موسيقيا ناشزا في الوطء والوقاع والجماع وتجد رهافة وجمالا في الباه وهنا الفكرة وهي التحول من الفجاجة إلى الرقة بسبب شيوع الاستخدام، ولهذا بحث آخر.

وأما خير مثال على هذا في قراءاتي القريبة فهو مقال بديع بديع لرئيس معهد واشنطن روبرت ساتلوف خصصه بحرفية عجيبة لتحليل مفردة واحدة تلخص العلاقة بين بلده وإسرائيل وهي (ironclad commitment) حيث بحث في معنى الكلمة الأولى تاريخيا ولغويا وإحصائيا وأدبيا ونفسيا وفلسفيا في بحث أنيق رشيق لا يخلو من طرافة معقدة، وهو جدير بتدريسه في كليات اللغات والإعلام والاقتصاد والعلوم السياسية.

وأما عني فقد جعلت حديثي مِزاجا من الثناء على ما قدمته الدعوة السلفية الطاهرة في بدايتها القوية من تعليم الناس الخير والتطهير الاجتماعي الجبار بأقل الإمكانات مثل الترسيخ الأخلاقي والتثبيت الإيماني لآلاف مؤلفة من الشباب كان بعضهم مدمنا للمخدرات ثم غدا طالب علم مجتهدا يبر والديه ويأكل من كسب يديه، وقصصت على القراء ما رأيته بنفسي حتى في قريتي من خير عميم صاحب الدعوة السلفية وقت ألم يك بها نجوم إعلامية تجاهد في تلميع نفسها واحتكار الإعلام الديني ومغازلة جميع فئات المجتمع بل والتخلي عن أخص خصائص السلفية.

وأما  بداوة الخطاب فهي يقينا استنساخ الداعية المتسلف لعادات المجتمع السعودي وتقاليده بنحو لا يناسب البيئة المصرية بل وتقمصه للرداء السعودي الدعوي (الغترة) واللكنة السعودية والإصرار من جانب آخر على مهاجمة الفنانات والراقصات ومتابعة أخبارهن (على طريقة الشيخ كشك رحمه الله) فاختلطت هنا البداوة مع فرش الملاية!!

البداوة كانت نقطة مضيئة جديرة بالتفكيك على طريقة المسيري طيب الله ثراه ثم التركيب بعد الفحص، ولهذا تضيء بعقلي كلمة الفيلسوف فؤاد زكريا عن الإصرار على تحريم كل أنواع الغناء والفن في النهج السلفي وهو أن العقل السلفي هنا لم يجرب التفكيك بمعنى أنه حتى مع الحديث الذي يستدل به (الحر والحرير والخمر والمعازف) هو لا يتصور الغناء منفصلا عن باقي المفردات المحظورة هنا. بمعنى أنه لا يمكنه تخيل أم كلثوم ذات الشخصية القوية وهي تغني في محفل لا يستطيع أقوى رجل أن يمس منها شعرة أو يحدث هرجا أو مرجا بل حيث ينصت الجمهور بسكينة ووقار عكس كلام الفقهاء الساذج عن أن الغناء يحرك الشهوة (لأن المحرك بدهيا هو المخ) وهكذا فقد آثر العقل السلفي أخذ هذه الأمور

وحدة واحدة.

ورغم بساطة ما رآه زكريا الذي أضطر إلى أن أقول كالعادة إني لست من أنصاره إلا أن الفكرة هنا جديرة بالتأمل.

والدليل أني أنا مثلا كنت أترجم مؤخرا بحثا طبيا مؤلما عن أورام الرحم الليفية (أورام حميدة) ولأجل إتقان الترجمة كان الموقع الطبي يعرض صورا للمهبل (بفتح الميم وكسر الباء لا العكس، ومعناه أقصى الرحم) ولم أستشعر أي استنكاف أو إشكالية لا شرعية ولا خلقية ولا أي شيء وعلم الله أني توجع قلبي بصورة هائلة وقلت إن المرأة مخلوق أسطوري من عمق البحث الذي ترجمته وكيف تعاني المرأة بأصل خلقتها لمجرد أنها أنثى فتجرب الموت في الولادة وأنواعا أكثر من السرطانات. وهكذا فإني استطعت تفكيك الأمور ولم أنظر للصور عمدا متفحصا على نحو مراهق ليس فقط لأن لدي استعلاء على هذه الأمور ولكن لأن فكرة فؤاد زكريا فعلا واقعية.

ومع هذا الخطاب وما فيه من أخلاط عجيبة تناسب مستويات الوعي الضحلة لدى عدد كثيف من المستمعين تلقفت الفضائيات بعض نجومه (مع ما تجلى ببشاعة في شريط "إنت مبتصليش ليه" الذي نجح وكسَّر الدنيا مع ما فيه من فحش وتظارف سمج!!) وحدثت كارثة تحتاج إلى ملف ضخم وهي التبرعات القادمة من الخارج (السعودية وليبيا) لقناة الرحمة وغيرها ثم نشوء ما أسميه "رأسمالية الشيوخ" والسعي الدؤوب على كسب جماهير كانت مؤجلة، وشيئا فشيئا تأصل في الخطاب السلفي قدر مخيف من المراوغة والتساهل.

وليست قضيتي هنا مبادرة الأخ محمد حسان بالعكس، أنا أشكره على هذه النية الطيبة وأشكر كل من يقدم الآن حلولا إطفائية باركه الله لكني لست بحاجة إلى القول إن السياسة الدولية لا تعالج بهذه الشعبويات وأن الأيام ستبدي أن العسكر سمن على عسل مع البنتاجون الذي نصحهم لاستعادة شعبيتهم بقليل من الشطة!

وإنما الفكرة هي في عطش الظهور الإعلامي وما صاحبه من تغير حاد في الخطاب السلفي من البداوة الشديدة إلى الحداثة الساذجة التي تجعل نادر بكار يصر بلا أية مناسبة أن يذكر أنه يقرأ لهيمنجواي (لاحظ ما ذكرته من الترميز الأيديولوجي) ثم يرجو على نحو مخالف لوقار السلفيين من ضيفة علمانية أن تسمح له أن يناظرها في حلقة أخرى كاملة ثم يتوجه بنظرات استعطافية لهالة سرحان يرجوها أن تسمح له أن يأتي مرة ثانية ثم يظهر وضحكته من الأذن إلى الأذن بحفل زفاف صاخب تُظهر فيه الملابس أكثر مما تخفي بصورة فجة لا يمكن أن يتصورها سلفي ثم يعيد الأخ عبد المنعم الشحات الاشتباك في قضايا غير ذات بال ولا يكاد ينهي حوارا حتى يظهر في آخر ومع كثرة الثرثرة يزيد الخطأ.

والنتيجة هي أنه مع كل هذه الحدة والتقلب والدونية في بنية الخطاب السلفي ستشهد السلفية (التي كانت علمية) تفككا هائلا وستظهر أشكال مضحكة من السلفية تثبت أن أنصار الشريعة (سلفية تونس) كانوا كما قلت سابقا على صواب وأنهم أكثر علما وأنقى قلبا وأعظم أجرا إن شاء الله.

[email protected]