رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

قصتي مع أمن الدولة: دلالات كاشفة

شيئان دفعاني لهذا المقال. الأول ما ألمسه في رسائل بعض أسيادي القراء على بريدي من هشاشة الروح والثاني ما غمر حياتنا من كذب النضال المجاني والإفراط في الحيل النفسية الدفاعية.
جميعاً صرنا شكائين بكائين لا نرضى أو نكف عن الضجر...نفهم الثورة وكأنها حدث مُغير فيما هي حدث كاشف لا أكثر وعامل تغيير لا تغير، وإن أهملنا علو الهمة والأخلاق فلا سبيل إلى أي تقدم.

ما بين شاب في عمري أو أكبر قليلا يسرد مآسيه بغية رفعي لهمته وهذا مقبول وفتاة تحاول عرض مشكلتها وهذا غير مقبول لأن الأولى بها أمها أو أختها أو صديقتها وقد قلت هذا لأكرر حزني من بعض المواقع الدينية التي بها قسم لأمور النساء يختلط فيها الحديث عن المآسي بكشف فضائح السرير فيما لا يزيد القص صاحبته إلا مزيد اللوعة والخُسْر. (علمت هذا لأن زوجتي مشرفة في موقع نسائي ضخم وهي تحاول جاهدة كبح البنات والنساء عن الحديث في أمور يشيب لها الولدان في صفحات عادية وتقترح عليهن التراسل بعد التيقن من شخصياتهن على البريد الخاص).
ومناسبة حديثي هو مقال لأخت فاضلة تحكي فيه غرائب ما فعله سجَّانو أمن الدولة معها وكيف فعلوا بها وكيف وكيف مما يصيب بألم نفسي فوق ما يسببه فيلم فان دام (in the hell). وعليه فسأحكي ما رأيت في أمن الدولة فأبدأ بقول الحق سبحانه "مَا شَهِدْنَا إلا بِمَا عَلِمْنَا ومَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ."
في مسجد قريتي وحيث التقيت بصديقي الذي خرج لتوه من معتقل قضى فيه أحد عشر عاما أشار إليّ أنه يريد محادثتي في أمر جلل على ألا يسمع بنا أحد. خيرا قلت فردّ: لقد رأيت لك ملفا في مباحث أمن الدولة. وهكذا سار الحوار:
أنا لا انتماءات لي. لكني رأيت ملفك وسيرسلون إليك قريبا فلا تذكر اسمي وإن ذُكرت هناك فاشتمني وإن قابلتني لا تصافحني لأنني مراقب. ولم هذا؟ أنت مشهور بإمامة هذا المسجد وكونك حافظا للقرآن ولك أصدقاء يزورونك بانتظام. لكننا لا نتحدث سوى في أمور معرفية وعامة. على كل حال سيأتون إليك قريبا فتجلَّد. أنت تذكرني بفيلم حسن الهلالي غير أني لست أنور وجدي. أنا لا أمزح والله العظيم الأمر جلل. أخي لا تؤاخذني هل أنت مُرشد؟ وما يضيرك؟ لا شيء غير أني أحب الصدق. لا لست مرشدا والله. لست بحاجة إلى القسم لكن أما من نصيحة؟ كن رجلاً فهناك تُختبر عزائم الرجال.
ارتجف قلبي لأنه حدثني باديء الأمر عن الضرب المبرح الذي ذاقه وكيف كانوا يُشرحون آثار الضرب بالموسى لئلا يتقرح الجلد ثم يُعاد ضربه وهكذا دواليك، ثم إنه نال أحكاما قضائية كثيرة بالإفراج كان الحاكم العسكري ينقضها إلى أن مكث في معتقل دخله شابا وسيما وغادره شيخا بائسا.
لكن صاحبي غيَّب عني حقيقة أن اعتقاله لم يكن لتدينه بل لأنه وقع في بلدي حادث مؤسف هو وقوع مدرس مسيحي مع بنت مسلمة في الفاحشة ويبدو أن الأمر كان برضاها وخرج صاحبنا واعتلى المنبر يوم الجمعة وأطلق النذير وألهب حماس الناس واقتادهم نحو الكنيسة لينتقموا من كل المسيحيين في بلدي وهي كارثة بحق وظلم مجحف للإسلام قبل أن يكون للمسيحيين بل هو ما يحدث في العادة من كثير من المسلمين الجهلة كما حدث من المتخلفين الماليزيين.
ثم إنه قد حكى لاحقا كيف أن مدير السجون قد جاءه وصحبه واعتذر عما بدر أول الاعتقال من تعذيب نهاية الثمانينيات وحتى التسعينيات في الفترة التي كانت مصر تصلى نار الإرهاب وكيف غدا السجن فردوسا عامرا بالمكتبات والحدائق والورش والحرف المختلفة.
جاء زوار الفجر فعلا وكنت طوال هذه الرحلة الكئيبة محظوظا فقد كنت على سفر ولم تدرك أمي أنهم أمن الدولة وقلبوا أغراضي واتصلوا بي برقم خاص وذهبت طوعا لا قسرا.
رأيت ما هو أغرب من الخيال. كنت مع أكثر من ثمانين كلهم إسلاميون وانتظرت من السابعة صباحا حتى لقيت الضابط المسؤول عني قرب العشاء لا يبرح أحدٌ من الحضور مكانه على الأرض بغرفة كبيرة أغرب ما فيها هو أن بيننا عميانا ومُقعدين!!!!
كان دوري وكان الضابط قرب الأربعين أمامه مكتب شديد الوجاهة مكتوب أمامه: المقدم طارق (هي بالقطع أسماء حركية خشية أن يُقتلوا) أعطاني ورقة وقال اكتب كل شيء عن نفسك بتفاصيل التفاصيل. لم تمر دقائق قليلة حتى سألني: ما انتماؤك؟ لا شيء. لست من الإخوان؟ نعم، ولست سلفيا أنا فقط متدين. مكتوب عندي أن تصنيفك: مثقف متدين فما حقيقة ثقافتك هذه؟ هل تكره فعلا جمال عبد الناصر؟......أسئلة كثيرة من هذا النوع الخائب يبدو فيها الضابط آلة ذات معلومات ضحلة

لا تستطيع إيهامك أنها مثقفة، هي فقط مدربة. ثم تصنيف مثقف متدين هذا سخيف جدا وغريب جدا وشخصي جدا. ثم تابع: الضابط المسؤول عنك سيكون بمدينتك (كنت وقتها في القاهرة) وينبغي أن يتفقدك كل فترة سيحددها هو. أخيرا هل يمكن أن تعمل معنا؟
كان هناك قبل الدخول شاب يكبرني ربما بخمس سنوات ويبدو من حديثه أنه قيادة إخوانية شعر أنني جديد فأحس كما يقول شوقي أن المصائب يجمعن المصابينا ونصحني قائلا: لا تُغضب هذا الضابط لأنه غبي ودموي. هو سيشعر بأنك "غشيم" مهما حاولت التذاكي وسيفجؤك بعرضه "هل يمكن أن تعمل معنا" قل له بأدب: أنا عندي طموح علمي وأحب إكمال دراساتي العليا سيتركك فورا، وهو ما حدث بالضبط!!
تكرر الذهاب إلى الضابط المسؤول عني حيث لا أفعل شيئا سوى أن أجرب ما هو مشهور في أمن الدولة بمصطلح "التكدير" ومعناه أن يعمد الضابط إلى الإرسال في طلبك مبكرا ثم يظل مشغولا عنك ويقابلك في المساء بعد أن تكون قد انهرت نفسيا ومعنويا وكرهت حياتك. كنت أظن أن التفقد فرض لا مناص منه إلى أن لقيت هذا الأخ الإخواني مرة ثانية فضحك وقال لي: ألم أقل لك إنك "غشيم"؟ لا تأتي وقل حاضر فقط ولن يمسك أذى. وفعلت ولم أصب بأي أذى وتجاهلت الذهاب تماما واستغرق الأمر شهرا واتصلوا بي ولم أذهب واتصلوا مرارا ولم أذهب واتصل ضابط جرَّأني كونه من عمري فشتمني فشتمته ولم يحدث أي شيء ثم لم أذهب ثم تلقيت منهم تهديدات ثم لم أذهب ثم هددوني كثيرا ثم لم أتعرض لأي أذى وانتهت القصة.
الشاهد أن هذا الأخ الإخواني قد استحث فيّ حاسة الفضول المعرفي فتجاذبت معه أطراف الحديث غير ذات مرة وقال لي الكثير لكن أهم ما استقر بخاطري حتى اليوم هو هذه الأقصوصة الكاشفة...وكل لبيب بالإشارة يفهم.
حكى لي كيف أن ضابطا جديدا جاء إلى المنصورة ولم يكن قد عرف كبير الإخوان وقتها في المنصورة (الشيخ محمود أبو رية) أو نسق معه وأحس الضابط أنه غربال جديد له شدة فبعث في طلب إخوانية وكان هذا غريبا ومجحفا (النص كله للأخ الإخواني لم أتدخل فيه) وأصر على اقتيادها لأمن الدولة ولما غضب زوجها وأصر ألا تخرج أجبرها أمن الدولة على الذهاب إلى المقر مع زوجها ثم طلب الضابط دخولها وحدها. لم يفعل سوى أن طرح عليها بعض الأسئلة لأنها كانت نشطة جدا في محيط النساء والبنات وخرجت سالمة إلى زوجها الذي اتصل على الفور بالشيخ أبي رية الذي غضب واتصل بكبار قيادات أمن الدولة فطيبت خاطره ورجته أن يغفر للضابط الجديد الذي لا يعرف كيف يتعامل مع الإخوان (وهم من هم...مرة أخرى النص له لا لي) لكن الشيخ أبا رية أصر على تأديب الضابط فأمر بعض شباب الإخوان فاختطفوا الضابط وجردوه من ملابسه وضربوه ضرب الموت وربطوه بأحد أعمدة الكهرباء في شارع رئيسي وكتبوا فوقه "كلب من كلاب أمن الدولة." ولم تفعل القيادات شيئا سوى أن نفت الضابط إلى المطافيء."
[email protected]