عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

نجيب محفوظ ليس نبيا ج2

كانت لأبي رحمه الله منضدة يعتز بها كثيرا. كان أبي قد اشتراها منذ زمن بعيد من أحد النجارين المهرة الذين حكى الكثير عن فنهم وإتقانهم وذكائهم، وكيف أن هذه المنضدة من خشب الزان المعتبر كما كان يقول لي، والدليل على قيمتها هو وزنها الثقيل الذي كان يضحك عند فشلي في كل مرة أحاول فيها زحزحتها.

انتقلت العدوى إلى كل أفراد البيت فأيقنا أنها من خشب الزان المعتبر إلى أن مات أبي رحمه الله قبل أن أضحك أنا في المقابل لأني ووقت أن ساندني فيها ثلاثة من أصدقائي لزحزحتها اصطدمت بمسمار كبير، ووقعت المفاجأة لما رأينا الجزء المستدير بها محشوا بما يعادل عشرة كيلو جرامات من الرمل المعتبر!!!

بالتأكيد كان أبي معذورا فليس المخبر كالمعاين، ولو قد رأى ما رأيت لعرف أن من حقي أن أعمل العقل قبل أن أعمل الأذن. يقولون الكثير عن رواية الحرب والسلام لتولستوي ولما قرأتها بشغف واستعداد نفسي وقابلية للانبهار ...مع كل هذا أقول إني مللت وتخلصت منها بأف وتف. لماذا: شديدة التفاصيل، شديدة الإطناب في الوصف، مهلهلة بلا رابط، عقيم بلا فكر ولا فن.

يقول يوسف إدريس – الذي قال عنه نجيب محفوظ: إدريس هو ملك القصة القصيرة - في تصريحه لجريدة الوفد الخميس 20 أكتوبر 1988، أي بعد أسبوع واحد من حصول محفوظ على نوبل:"إنني رشحت للجائزة قبل نجيب محفوظ خمس مرات، وكانوا يستبعدونني في آخر لحظة لمواقفي السياسية، أما محفوظ فقد حصل عليها بفضل مهادنته لليهود وعدم انتقادهم، أما حكاية أن نجيب محفوظ قد فتح الباب أمام الأدباء العرب، فالعكس هو الصحيح لأنهم لن يمنحوها لأديب عربي آخر قبل ثلاثين عاما على الأقل، وأؤكد أن نجيب محفوظ قد حصل على الجائزة قبل ترجمة أعماله خصوصا أن زقاق المدق هي الرواية الوحيدة المترجمة له إلى السويدية."

أعرف ما كان بينهما من منافسة، وأعرف أن لدينا في علم الرجال أو الجرح والتعديل قاعدة تقول: كلام الأقران لا يعتد به، لكني أعرف يقينا أن محفوظ كان من المُطبعين الكبار، وكان من أشد المؤيدين لكامب ديفيد، وأنه بالفعل استقبل قبل أسبوعين من إعلان فوزه بنوبل وفدا إسرائيليا ورحب بهم أيما ترحيب.
وأترككم الآن مع الناقد الأردني أسامة فوزي ومقاله الماتع: نجيب محفوظ العبراني على هذا الرابط:
http://www.arabtimes.com/sourakia/issue_272.htm

ومسألة نوبل لا ولم ولن تكون حجة علي أو على غيري لإسكات صوتنا ورأينا في أن محفوظ لن يعلو بنوبل ولن يسفل بدونها. ثم إن تولستوي وأنطون تشيخوف وهنريك إبسن كانوا جميعا ملء السمع والبصر وأحياء في وقت نوبل ولم يحصلوا عليها لمواقفهم السياسية والاجتماعية مثلما حصل عليها المنشقون عن الاتحاد السوفيتي وقتها. ولما سئل برنارد شو عن رفضه نوبل قال إنها جائزة سيئة السمعة.

وللكاتب الأمريكي أرفنج ولاس رواية اسمها "الجائزة" تقع في 900 صفحة ترجمها أنيس منصور حيث يشن فيها المؤلف نقدا لاذعا لنوبل ولمن حصلوا عليها بأسلوب شديد العذوبة والجمال على حد تعبير منصور. إن هذا يشبه ما يحدث في الإعلام من تلميع رهيب لزويل بينما يغفل كثيرون عن حقيقة أن دفعة زويل كانت كلها سبعة طلاب فقط مع مستوى عظيم من الرقي في التعليم والأساتذة حتى إن كل طالب كان له مجهره الخاص به. سبحان الله! نحن في القرن الواحد والعشرين وعدد الفرقة الأولى بكلية التجارة جامعة الأزهر يربو على أحد عشر ألفا! وعدد الطلاب في فصل واحد بمدرسة إعدادية في الجيزة يبلغ مائة وسبعين طالبا في غرفة ضيقة بنص كلام الوزير السابق أحمد جمال الدين موسى، والأدهى أني وأنا طفل في الابتدائية وحتى نهاية الثانوية الأزهرية كنت أرتعش وزملائي من البرد لعدم وجود شبابيك أصلاً! أعني أن زويل حظه أفضل مليون مرة من حظوظنا نحن ، والمفترض العكس!

أعود فأقول إن مقال يوسف إدريس في الأهرام كان بعنوان:" أما حكاية نوبل" الذي كرر فيه أنه سمع بفوز نجيب محفوظ بنوبل لأول مرة من إذاعة إسرائيل، وأن الجائزة أعطيت لنجيب محفوظ مكافأة له على استقباله لعدد من الأدباء والمثقفين والصحفيين الإسرائيليين. وقد ذكر إدريس في حوار مع مفيد فوزي أن توفيق الحكيم كان يسعى للحصول على نوبل، ولذا فقد تبرع بثلاثة آلاف دولار لاتحاد الكتاب الإسرائيليين، وإن كانت هذه الحكاية الأخيرة شديدة الغرابة، ولا أميل لتصديقها.

نجيب محفوظ كما قال هو نفسه يشبه كثيرا شخصية كمال عبد الجواد في الثلاثية. فكمال كان شديد الإيمان بنظرية التطور لداروين، شديد التسامح مع صديقه رياض قلدس، شديد الثورة على التقاليد البالية.

نقدي لمحفوظ ليس غريبا بدليل نقد إدريس له بل ونقد الدكتور لويس عوض له حيث يقول لويس عوض عن أدب نجيب محفوظ: إن الغربيين يقرأون نجيب محفوظ كما يقرأون كتاب وصف مصر. والذي يقصده لويس عوض من هذا هو أن أدب محفوظ مفرط في الوصف والتقرير ولا يقوم على إبداع حقيقي في خلق الشخصيات والمواقف، وفي هذا نظر. وأما أعنف نقد وهجوم على محفوظ فكان في كتاب:" في الثقافة المصرية " كتبه د. عبد العظيم أنيس تحدث فيه باستفاضة عن أن محفوظ كاتب متشائم يرى فيما قبل الثورة كل الخطايا والآثام، وأن أدبه قد اقتصر في رواياته الاجتماعية على تصوير الطبقة الوسطى الصغيرة الناشئة دون النظر إلى ما عداها من الطبقات، وأخيرا استخدام محفوظ للفصحى في أشد الروايات توغلا في الحارة بين الشعب مثل زقاق المدق وبداية ونهاية، والنقد الأخير في رأيي حقيق بالمدح لا الذم.

قصص نجيب محفوظ تحمل تراجيديا لكن بأسوأ وأحقر ما يكون: مخدرات ودعارة وانتهازية كما في رواية بداية ونهاية، وأم البطل صابر في رواية الطريق عاهرة وكريمة تخون زوجها العجوز وتمارس الزنا مع صابر. والد صابر الضائع بنص كلام محفوظ كان يحب النساء ويتاجر بالخمور، والعجيب أن ذلك يصدر من الطبقة الوسطى التي اهتم لها وأرخ عنها محفوظ!!

حتى حميدة بطلة زقاق المدق وقعت في الزنا أيضا وتحولت إلى بغي وراقصة في أحد البارات التي يبلغ محفوظ قمة التفاصيل في وصفها كالعادة لأنها لم تجد المال، وعليه فيجب أن نعذرها ونعذر حبيبها عباس الحلو الذي تخلى عنها ليعمل مع جنود الاحتلال في قناة السويس، نفس الشيء والخسة والحقارة مع محجوب عبد الدايم بطل رواية القاهرة الجديدة، وأحمد عاكف بطل رواية خان الخليلي كان متشائما معقدا نفسيا وحيدا بائسا ضائعا، والبطل سعيد مهران في اللص والكلاب يقع في مشكلات وجرائم رهيبة، وعمر الحمزاوي في الشحاذ معقد نفسيا لكنه يجب على طريقة محفوظ أن يكون "فلاتيا" زانيا يدور على كل النساء من وردة إلى مارجريت إلى منى... كل هذا يقود محفوظ إلى تعميق مآسي الإنسان كله ليخرج لنا بالوجودية في السمان والخريف. طيب أما كان أجدى له وأخصر وأوفر لوقتنا أن يكتب كل عذاباته هو في مقال يبشر به بالوجودية بدلا من كل هذا القدر القميء من الشهوات والضجر والنذالة والانحطاط والمومسات واللصوص والقتلة والخمورجية؟!

وأما نقدي لتوغله في الوصف للدعارة والمومسات والخمارات والشهوات وآفات الإنسان فليس غريبا ولا نابعا من تعصب أو تزمت، وليسعك ما عاناه ويليام بوروز صاحب رواية: الغداء العاري الصادرة في عام 1959 وهي رواية تمثل رحلة ويليام لي وهو المعادل الموضوعي لبوروز (alter ego) في البحث عن المخدرات والدعارة والهروب من الشرطة. المشكلة ليست في كون موضوعها مثيرا للجدل وإنما في انحطاط وسفالة لغتها والتي تتعارض مع قانون الأخلاق الأمريكي في النشر! نعم قانون الأخلاق وفي أمريكا حتى لا يظن الحداثيون أننا وحدنا من ننادي بتعميق وتأصيل الأخلاق رغم أن القضايا كلها كسبها بوروز وكان تأثيره طاغيا على أمثال المغربي محمد شكري عندنا والذي نسج على منواله: الخبز الحافي لكن الفارق أن بوروز كان يصدر عن عقيدة يتعمد فيها بلغة شديدة الانحطاط أن يرد على المجتمع الاستهلاكي البرجوازي، أما شكري فكان مشوشا مثقلا بالهموم والشكوى فكتب من دون أن يدري ما كتب. والذي يعلوهما في السفالة هو الناشر الأمريكي المعاق لاري فلينت الذي تطارده السلطات الأمريكية بقانون الأخلاق لنشره أفلاما وكتبا جنسية.

بل والكاتب الفرنسي الكبير جوستاف فلوبير قد حوكم واتهم بعد إصدار روايته مدام بوفاري بأنه ينشر نوعا من الأدب المُعرَّى وقد ترجمها الناقد الدكتور محمد مندور في الستينيات وألحق بها فضلا كاملا عن المحاكمة ووقائعها التي انتهت بعدم المصادرة، وهناك محاكمة الأديب الإنجليزي د هـ لورنس على روايته عشيق الليدي تشاترلي. (لاحظ أني أعتمد في بعض الأمور على كتاب رجاء النقاش: "في حب نجيب محفوظ"، وهنا المفارقة لأن الكتاب عبارة عن وصلة حب ومدح لمحفوظ، سيما والنقاش كان قد كال النقد للعقاد لكراهيته له فأي نقد هذا الذي يُبنى على حب وكره يا نقاش؟!)

نجيب محفوظ اعترف بأنه استقى الكثير من حوادث رواياته من صفحة الحوادث التي كان يتعود قراءتها، والحقيقة أن القص في تراثنا العربي والشعبي ليس أمرا عسيرا ولا جديدا بدليل ما كان في أدبنا العربي من مقامات الحريري والهمذاني ناهيك عن القصص الديني في الكتب السماوية والتي تأثرها محفوظ وبخاصة القرآن الكريم حتى إن الباحث اليهودي ميتنياهو بليد قد ألف بحثا بعنوان: عقيدتي - بحث في أدب نجيب محفوظ أثبت فيه أن محفوظ كاتب إسلامي من الدرجة الأولى! ناهيك عن دراسة الإسلامية والروحية فى أدب نجيب محفوظ للدكتور محمد حسن عبد الله والتي ذهب فيها إلى اصطباغ أدب محفوظ بكثير من المباديء الإسلامية.

لكن يا عم نجيب محفوظ تشارلز ديكنز لم يفعل هذا في رواياته في وصف أسوأ مراحل بريطانيا فكيف تفعل هذا في تصوير المصريين برغم أن المآسي التي حلت بالمجتمع الإنجليزي وقت تشارلز ديكنز كانت أفظع بكثير.

ما زلت أذكر كيف عبر تشارلز ديكنز بعذوبة وحزن وشجن شجي كأنه عصر القلب والصدر فأخرج منهما وفي يديه قفازان من حرير ما كتبه فركز فيه على ما عاناه الإنجليز على المستوى الإنساني وعلى

مستوى كرامة وشرف الإنسان ولم يركز على النصف الأسفل من الجسد كما يحلو لمحفوظ أن يفعل. ما زلت أذكر رهافة ديكنز حتى إني لأتذكر جيدا أنه كان على درجة عالية من البلاغة والاختصار، وقد تجلى هذا في استخدامه للفعل herd ولمرة واحدة فقط ليصف به كيف كان الرأسماليون والبرجوازيون يجمعون العمال في الحظائر، وكأنهم بهائم، لأن هذا الفعل في الإنجليزية لا يستعمل إلا للبهائم والمواشي.

أستاذا نجيب محفوظ الرئيسان هما سلامة موسى ومصطفى عبد الرزاق وكلاهما كان شديد التطرف في الأخذ عن الغرب والانبهار به والسخط على حال الشرق، وهو ما استبان في أدب محفوظ وبخاصة في مراحله الأولى.

وأما عن أولاد حارتنا التي ركزت عليها في الجزء الأول فإني أزيد الأمر تفصيلا بقولي:

أؤكد أن الأزهر – بل ولا الدولة - لم يصدر أصلا أي قرار رسمي أو دعوة لمصادرة أولاد حارتنا. أعني أن الأزهر ليس سيفا مسلطا على الفكر أو الأدب أيا كان نوعه، وإنما كان الأمر رأيا ووجهة نظر، وهذا حق الأزهر وعلمائه سيما والرواية نسخة كربونية من قصص الأنبياء.
يقولون إن أولاد حارتنا هي تصوير لكفاح الإنسان من أجل تحقيق العدالة وتخليص الإنسان من أية سلطة تطغى عليه وتظلمه. وأنا أقول لماذا إذن أصر محفوظ على موت الجبلاوي ونداء الناس عليه مرارا ليخلصهم من العذاب وما من مجيب؟ لماذا وضع محفوظ العلم في صراع مع الموروث الديني في حين أن لكل طريقه وهما طريقان متوازيان لا متصادمان؟ ما الذي يمنع المتدين أن يكون مبدعا ومنتجا ومفكرا وعبقرياً؟ ألم يعلم أن نيوتن وهو هو كان متدينا بل كان يكتب شروحا للإنجيل، وأين هو من كتابات عبد الحليم عبد الله الذي اعترف محفوظ بأن عبد الحليم عبد الله أفضل منه؟

العجيب بل والمضحك مع احترامي لحرية الرأي هو أن مدحت الجيار وهو أستاذ للأدب في جامعة الزقازيق يسفه من يفسر الرواية على نحو ما أسلفته مدعيا أن الجبلاوي هو عبد الناصر وأن أولاده هم مجلس قيادة الثورة ولا أدري كيف هذا؟ فلو صدقنا الأولى فكيف يمكنه توزيع أبناء الجبلاوي على شخصيات قيادة الثورة؟ لا وجه للشبه مطلقا خاصة والرواية شديدة الوضوح بلا رمز ولا مواربة، كما وأن عهد عبد الناصر كان عهدا ذهبيا في الثقافة والتعليم حتى سادت مقولة وهي: يطبع كتاب كل ست ساعات، بل وتحمل ناصر نقدا مباشرا في الفرافير ليوسف إدريس، والفتى مهران لعبد الرحمن الشرقاوي، وتبريزي لألفريد فرج بنص شهادة لويس عوض نفسه، ثم إن الأهرام نفسها هي من نشرت أولاد حارتنا مسلسلة في عام 1959 أعني في أوج المجد الناصري وإنجازاته، ولما نقدها الأزهر وقف حسنين هيكل إلى جانب محفوظ وشد من أزره وشجعه أيما تشجيع.

بل وقبل كل هذا فإن خطاب سكرتير لجنة الجائزة كان فيه إطراء على الرواية غير العادية من وجهة نظره لأنها قالت بموت الإله! أعني هل أنت يا جيار محفوظي أكثر من محفوظ؟! حتى التصوف الذي كنت أشعر به أحيانا في كتابات محفوظ لم يخرج عن الصوفية الملحدة أو الإلحاد الصوفي كما هو معروف في أدبيات الإلحاد كما يقول أخي وصديقي الأثير البحاثة الكبير الأستاذ معتز شكري في كتابه:"الطريق إلى نوبل عبر حارة نجيب محفوظ."حيث لفت سكرتير لجنة نوبل أن فصول أولاد حارتنا هي 114 فصلا أي بعدد سور القرآن ، والكتاب متاح على الإنترنت.

مسألة أخرى قبل أن أختم هي أن قيمة محفوظ الحقيقية هي في كتابته بالفصحى وأنه لم يقع في فخ الكتابة بالعامية. بل إنه في حديثه مع فؤاد دوارة في كتاب الأخير:" عشرة أدباء يتحدثون" نعى أشد النعي على من يستخدمون العامية في كتابتهم، وقال إنها كارثة تحل بالأدب. الحقيقة هذه نقطة تحسب كثيرا لمحفوظ سيما وقد استطاع أن يخلق مستوى جميلا وجديدا من اللغة العذبة البسيطة التي هي بين بين. أعني: لا إلى الأدب ولا إلى الفكر وإنما هي مزيج ووسط بين الاثنين. لقد وصلت العامية إلى درجة من الانتصار والتعصب لها بدرجة عجيبة وصلت بالدكتور حسين فوزي أن يعتبر الفصحى لغة أجنبية عن المصري! ووصلت بنعمان عاشور أن يكتب بها هو ويوسف السباعي. ولا أدري ربما أن كثيرين لا يعرفون أن والد يوسف السباعي وهو محمد السباعي كان مترجما وأديبا فصيحا لا يشق له غبار في البيان والأدب مع زميله وصديقه عباس حافظ وغيرهما من الأدباء الذين أوتوا موهبة جبارة في البيان والفصاحة والأدب والانتصار والالتزام بالفصحى مثل محمد صادق عنبر. وعلى كل حال يرجع في تاريخ العامية وآثارها والحرب على الفصحى لكتاب: تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر للدكتور نفوسة زكريا سعيد ، وهو متاح على الإنترنت.

النقطة الثانية هي أن لجوء محفوظ إلى القص رغم أنه بدأ بكتابة المقال أمر طبيعي لأنه لم يكن هناك ذلك الانفجار الكمي الرهيب في الرواية والقصة مثلما هو الحال في أيامنا هذه. فلم يكن قد سبق محفوظ مما هو مشهور من الروايات سوى زينب لهيكل التي صدرت في عام 1914 وعودة الروح للحكيم في عام 1927 وبالتالي لجأ محفوظ إلى الجديد الشيق وقتئذ ليعبر عما بداخله سيما وقد قال محفوظ بالنص إن دور جيله كان هو تأسيس الفن الروائي وتأصيله في البيئة العربية.

وموقف محفوظ وتمسكه بالرواية أمر طبيعي أقولها للمرة الثانية سيما وقد كان النقاد وقتئذ على درجة عالية من العناية بالشعر في المقام الأول. فقد قال العقاد في كتابه:"في بيتي": إن هذا البيت بكلماته القليلة أفضل ، بما يجمله من تجربة نفسية وفنية عميقة ، من آلاف الصفحات القصصية." وكان العقاد يشير إلى بيت الشريف الرضي الذي قال فيه:
وتلفتت عيني فمذ خفيت عني الطلول تلفت القلب.
وقد أعطى أمثلة أخرى مثل:
كأن فؤادي في مخالب طائر إذا ذكرت ليلى يشد به قبضا
وقد رد محفوظ على العقاد في مقاله بمجلة الرسالة بعنوان: "القصة عند العقاد"، وكان بينهما سجال ليس هذا محله، وقد أورده النقاش في نهاية كتابه، وهو متاح على الإنترنت.

على كل حال أنصف تلميذ العقاد وهو سيد قطب نجيب محفوظ لما كتب عنه نقدا يشجعه فيه في مجلة الرسالة عن رواياته الثلاثة: كفاح طيبة ثم خان الخليلي ثم القاهرة الجديدة، وقد ألحق النقاش هذه المقالات بنهاية كتابه.
أخيراً: أكرر، وأؤكد أني أحب في محفوظ أخلاقه العظيمة على المستوى الشخصي، فقد كان هذا الرجل مثالا حيا لما ينبغي أن يكون عليه الأديب من التواضع، والشرف، والأخلاق الرفيعة رغم إصرار حبيبه رجاء النقاش على إظهاره مرتادا للخمارات، والحانات، وبيوت الدعارة في شبابه!
[email protected]