رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

كل «أيامي وأوجاعي كانت معك» يا خال!

قبل أن نقرأ:
< عارف="" يا="" خال="" خبرك="" حنى="">
ودخل لي زيّ الرمح في حدودي
كدِّبتْ لكن صدقوا التانيين
صلّيت وقلت تعيش يا أبنودي
خبرك دخل م للقلب للدهاليز
... جايز، ولكن إمتى هذا أُجيز
راح اللي قال للظلم وكلابه

«آن الأوان ترحلي يا دولة العواجيز»
-الأبيات موقعة من الشاعر سعيد شحاته، من قصيدته الرائعة «صليت وقلت تعيش يا أبنودي»، المنشورة في الأهرام بتاريخ ٢٤ أبريل ٢٠١٥

مفردات وأبيات وقصيدة «سعيد شحاتة» التي اخترت منها هذه المقدمة، عفية.. خصبة.. سمرة.. مثل «أرض الأبنودي وعياله».. وله كل الحق الشاعر الموجوع بفراق الخال- مثلي وأنا مثله.. ومثل ملايين العرب- «مصباح المهدي» أن يعيد نشرها علي صفحته،و أن يصدرها لقرائه بقوله: شاعر عبقري يرثي الأبنودي!
أرض الأبنودي وعياله.. هما محور حياته .. كانا عنوان- وقضية- أول دواوينه.. وكانا مجمل حياته واهتمامه.. حتي كفت رئتاه عن الصهيل!
«معرفتش أعيط ع الأبنودي في التو واللحظة».. تأخر إلي الآن بكائي ونحيبي ورثائي.. مع أن الرجل « حي» و«مبيموتش» .. فعلا.. واللي زيه «مبيموتوش» .. أبدا .. وقصة خلودهم بتتحكي وتتحاكي في كل عصر.. وكفر.. وكل نجع وعزبه.. لكن « مقدرش بالفعل» معيطش».. مقدرش مابكيش يا خال.. وانا إتعلمت منك إزاي «أعيش» في حب «الأرض والعيال».. بحبك يا خال.. والديوان الأول الذي أهديته لي- وأنت لا تزال بشقة الزمالك، وزينته بإهدائك الجميل - لا يزال في قلبي ،قبل أن تفرح - وبه تزدان- مكتبتي وإن طال- أو كثر- التنقل والسفر.. والاغتراب والحزن ودمع المطر والوتر!
عاملين إيه عيالك (آية ونور) ؟سؤال مباغت يسأله (لك..؟!) الشاعر الجسور المقاتل - مثلك بحثا عن ضمير جديد وفجر وليد،للحياري والمظلومين والفقراء والمطحونين- مصباح المهدي، وأنا أقول لك ولمصباح: « بقوة الخال.. وبشحنة حب الأرض والتفاني من أجل العيال» ستعيش «آية» وستعيش «نور».. نوارتان ومنارتان.. وستكونان أقوي وأجدر بحمل مشاعل النور، التي حلمت يا خال بأن تضيء وتتوهج وتبدد الظلم والعتمة في الوطن..لن تكونا فتاتين «قليلتي الحيلة».. وستستلهمان من تركة «الأبنودي».. أثري شعراء الوطن.. بما يملكه من حب لطين و تراب وأنهار وترع وغيطان وقمح هذا البلد.. قوة اخضراره، وعذوبة ينابيعه.. وألق شطآنه .. وزرقة مياهه وفيروز عناقه.. وشموخ جباله، الممتدة من أسوان والنوبة الي عتاقة وجبل الحلال .. وكل وديان وقري النضال في مصر.. من أبنود الصابرة المثابرة الخالدة، إلي صدفا، الي بحر البقر..إلي الزعفرانة ورأس غارب.. إلي العرايشية في السويس الجسورة وبيوتها التي ستبقي تغني، إلي العريش (المرتهنة لسنابك وخيول المغول والتتار الجدد) إلي بورفؤاد الجميلة. 
ستبشران «آيه ونور» بالنور.. بأرض وعيال الأبنودي في كل عصر.. وتذهبان بشعره «الحي» الي كل كفر وقفرْ .. وسينبتان من «أبياته»..و سنابله الخضراء..شعرا ونثراً ومقالاً وحواراً. وستخرج من ترع مصر ألف ألف مصرية جديدة تغسل شعرها في المغربية.. وتنتظر طلوع نهار جديد، قادم م الغيطان وم المزارع .. م المدارس.. م المصانع « يعدي في الدروب « فيكتب نهاراً جديداً ، مسقياً بماء النيل الذي غنيت له أغنيات تكتب له- وهو الخالد - عمرا مديداً جديداً! ويعيش «الأبنودي» بآية ونور.. ألف ألف عام جديد.. خلوداً ووجوداً!
«كل أيامي كانت معك» يا خال.. كل أوجاعي كانت علي ضفافك.. كل أحزاني قرأتها في دواوينك.. كل أحلامي وخيالاتي وارتحالاتي.. كانت علي أنغام موسيقاك. صوتك «موسيقي» من جوف الأرض .. أصيلة.. عميقة.. عودها رنان.. ورناتها زنابق إحساس،لايذوي ولا يذبل.. صهيلها شموخ..ونغماتها تعبر عنا..فرحاً حين ننتصر .. وحزنا حين ننكفئ.. واصراراً حين ننهزم أو ننكسر .. فيخرج منها النهار..نوراً وناراً.. يهدي المتعبين والمقهورين والمظلومين..ويضيء عتمة الدروب الحزينة.. ويبشر فيها- كما المسيح- بالفجر الجديد.
أعلم - يا خال - أنك ستسألنا كل يوم .. بل كل لحظة: «عاملين

إيه عيالي يا ولاد»؟ وقد «كانتا» كل «حدائق حاضرك».. و«بساتين وجودك» .. كل مشاغلك ومشاعلك وهمومك.. نورك ونارك.. بصيرتك وكل حياتك. أعْلَّمُ أنك لم تكن تكتنز مالا..وإنما دوما كنت تكتنز بداخلك ذلك الرجل الهائل.. وفوق أنك كنت تكتبنا وتنثرنا وتغنينا موالاً ،وتشعل فينا وجيد القصيد،كنت رجلا من طراز «أنبل الرجال»..أنظر إلي كلماتك.. تبوح بأسرارك.. أنت الفلاح العرقان الشقيان..تعرف كيف تغني علي «النورج».. وكيف تركب المحراث علي رأس البقرة.. وتعرف كيف يعرف الفلاح انها «خصبة .. عشار».. وتعرف ماذا يقول «الخولي» لأنفار جمع «الدودة» وكيف ومتي تبدأ الدورة الشتوية، وأنت العامل في السد العالي، صديق «حراجي» تعرف لغته وكيف يكلم « يامنه» وتعرف لغة « أحمد سماعين» وأيضا تعرف كيف تخاطب الإرهاب وتبيده، وكيف تتذكر عبد الناصر وتهتف» يعيش جمال عبد الناصر، وتعرف» تشي».. أرنستو جيفارا وتكتبه كأنه من دمنا ولحمنا، تكتب فيه قصيدتك (وكانت ضائعة!) وتعرف أيضا كيف كان يحشو بندقيته بالبارود، مثلما تستطيع التعبير عن قضيته ،وتعرف كيف هي طريقة قصف الكلاشينكوف والفرق بينها وبين دانة المدفع ، مع انك لم تقاتل سوي بالكلمات وأغصان الشعر العفي الأخضر المورق.. تعرف كيف ومن اين للجزار أن يذبح ماشيته، وتعرف كيف يعمل الطبيب، ويعيد الحياة لرئتيك المهترئتين، فتحييانك عشر سنوات وكنت تظنهما لا تفعلان يوما واحداً. تكتب «مصراً» وتكتبك .. وتعرف كيف للقصيد العامي أن يصبح ذاكرة وطن، وأن يشعل ثورة في «دولة العواجيز»، وأن يصل الـ«مرسال» الي «الرئيس» ووجدان المثقفين ،الذين لا يعترفون بأن للشعر العامي قيمة حقيقية، إلا في دولة الأبنودي الشعرية الحرة المستقلة. وإن كابدت يوما وجاملت.. أو هادنت، فلا محالة أنت عائد الي أصلك، تعيدك ضحكتك، تعيد سمرة قلبك المعجونة بطمي النيل، تعيدك بصيرة الحكماء، وتعيدك نسائم وأحلام العرقانيين الشقانيين الباحثين عن مكان تحت العواصف والزمهرير. وحدك تمتلك من كنز «المصرية» الكثير.. ليس بطولك الفارع.. ولا بملامحك السمراء القاسية.. المنحوتة من صخر.. لا يلين فيه سوي قلب الشاعر.. ووجدان الإنسان المفعم بالأحلام النبيلة، والمسكون بالعصافير والأماني الجميلة.. ولكن لأن الرجل فيك بصيرة .. في زمن عزَّت فيه بصائر الرجال. شامخ انت يا خال ومتدفق كنيل.
بعد أن قرأنا: أعدت قراءة سطوري لزوجتي .. فبكيت .. وساعتئذ أدركت - ياخال-لماذا تأخر رثائي أو «عياطي» كل هذا الوقت .. ففيك لا أبكي فقط «دولة الأشعار» وإنما أبكي رجلا من أغلي الرجال، وأبكي كل أحرار الوطن الأبطال.