رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

حقوق الإنسان.. للقاهريين فقط (1-2)

 

قبل أن تقرأ: لا تتعجب فيبدو أنها إرادة الله، فدكاكين حقوق الإنسان في مصر لا تعرف من مصر سوي مدينة القاهرة، العاصمة الساحرة، كل الدكاكين المستأجرة لبيع هذه البضاعة لا تجدها أبداً في الأرياف أو القري أو النجوع، لا فرع ولا أصل، فلا يمكن لهؤلاء «البياعين» أن يجدوا زبائن لهم في غير مدينة القاهرة، وكأن بضاعتهم جوارب تشتري من محل «جورج» في عدلي، أو «بدل» من «موباكو»، أو «سينييه» من عند «عوف»، أو «جينز» من شارع الشواربي!

من المستحيل أن تجد فرعاً لدكان من دكاكين حقوق الإنسان في أي مدينة خلافاً للقاهرة، أفيكون السبب قرب هذه الدكاكين من منافذ البيع الأساسية، في القنوات الفضائية والصحف اليومية والأسبوعية والصفراء أيضاً، أم أن زبائن هذه البضاعة هم «القاهريون» فقط، ولا عزاء لأهلنا في الأرياف.. فلا حقوق لديهم ولا يحزنون!، ومن الغريب أنك لو بحثت في الأصول ستجد أن كثيراً من هؤلاء، أصحاب الدكاكين «فلاحون» مثلنا، مع التحفظ الشديد علي «مثلنا» هذه، جاءوا من الأرياف بحثاً عن فرصة غالباً تنحصر في البحث عن وظيفة في صحيفة «بير السلم» يبدأون منها رحلة صعودهم بمصادقة ضابط المباحث وأمن الدولة لزوم جلب الأخبار «والأكاذيب والشائعات وأخبار الدعارة» وأيضاً طمعاً في زيارة بيت الله الحرام «بلوشي» وإقامة «FULL BOARD» ضمن بعثة وزارة الداخلية السنوية للحج «المبرور» والعمرة «المقبولة» مروراً بالتعرف علي وكلاء السياحة «لزوم السفريات الأونطة» والأوقاف «لزوم تملك شقق فاخرة بملاليم» وكل هذا لقاء «طرطرة» بعض التصريحات والأحاديث علي صفحات جريدتهم التي تطبع عشرة آلاف ومرتجعاتها يناهز العشرين ألفاً!
رحلة البحث عن فرصة - صاحب الدكان فيما بعد - قد تتعثر في البداية بسبب تأخر تعيينه وانضمامه لنقابة الصحفيين، ولذا لابد من «شوية اعتصامات علي إضرابات» لزوم ما يلزم بعدما ينفتح الطريق واسعاً أمام الحديث عن قمع الحريات، وعاش نضال الصحفيين ومع بزوغ فجر أول تصريح صحفي أو فضائي من صاحبنا يصنع الإعلام «اللامهني» من هذه الأكذوبة مناضلاً، رغم أنه لا يعرف أن حزب التجمع يقع في شارع جانبي من طلعت حرب اسمه كريم الدولة، وأنه في الأيام الخوالي كان مدير تحرير الأهالي الأشهر «صلاح عيسي» يستقبل زوار مكتبه بلوحة صادمة تستقر فوق رأسه أو أعلي قليلاً، تحمل توقيع مكسيم جوركي، تقول: «جئت إلي هذا العالم كي اعترض».
يحلم «دكاكينجي حقوق الإنسان» بأن يصبح صاحب محل، فهو ليس أقل من «الكبدجي» الذي أفلح في احتلال ناصية شارع «الأوديون» فكان فاتحة خير علي آخرين فأغلقوا محالهم العريقة في بيع الأحذية والمستلزمات الأخري، وافتتحوا محالاً لبيع الكبدة والسجق، تدر أموالاً طائلة من دون ضرائب أو أجور عمالة أو نحو ذلك، ومثله تماماً دكان حقوق الإنسان!
لا يهمل «الدكاكينجي» حديث العهد بدهاليز بضاعة حقوق الإنسان، بدايات اشتغاله بـ «النضال» فرغم أنه يتدرب في قسمي الفن والحوادث، إلا أنه لا يهمل أبداً التواصل مع مصادره من هؤلاء، فهم غطاؤه المهني طوال الوقت، ولا يبتعد عمن منحوه أول فرصة لارتداء ثوب المناضل، فهؤلاء هم رأسمال «السبوبة» علي أن طاقة القدر تنفتح أمامه بمجرد إطلاقه أول تصريح ثوري علي الفضائيات، مطالباً بحقه في التعيين بوظيفة صحفي وبعضوية نقابة الصحفيين دون أن يكون إسهامه الصحفي معروفاً حتي لأقرانه علي مستوي صحيفة بير السلم التي «يتغطي» بها!
وكما يقول جويدة في الوزير العاشق: لا تخذل حلمك.. إن تخذل حلمك يخذلك.
فإن هذا «الدكاكينجي» مدعي النضال، الذي يشتغل بالصحافة، أو «يشتغلها» والحالم بـ «دكان حقوق إنسان» يرعي حلمه رعاية كاملة فهو مخبر بالنهار، وبلياتشو ومهرج في العصاري، وداعر في المساء، يبحث عن طريدة هنا وفريسة هناك، فتارة يتحمس لقضية الأقباط والأقليات، وعلي غراره تجد «الدكاكينجى» يدشن عمله بتحليل لتصريح مصطفي مشهور: «علي الأقباط أن يدفعوا الجزية وهم صاغرون» وبعده يبحث في حقوق النوبيين «وحديثاً حقوق الأمازيغ المصريين» وتارة أخري يتاجر بقضايا أبناء المهجر، ولابد له هنا من الانفتاح علي القطريين والخليجيين ثم الاتحاد الأوروبي وصربيا وأوتاوا وواشنطن دي سي، وكلها قبلة الحالمين بالتمويل الأجنبي، حيث عشرات المعاهد التي تعمل تحت عباءة CIA وتفتح صدرها وسيعاً لقضايا تمزيق الأمة والعالم الإسلامي، من الأقباط في مصر، إلي المرأة المقهورة في السعودية، والشيعة في البحرين، وإجمالاً الحريات المهدورة في الأمة العربية، كما لو أن أمريكا بالفعل هي واحة للديمقراطية.
ويمضي الزمان كما سيمضي دائماً.. سيف المعز وذهبه هما «اللي عليهم العين» فيقترب هذا الدكاكينجي أكثر وأكثر من «الشلة» المسيطرة علي الإعلام، فلا أمل في نجاح لصاحب دكان، وإعلامي متسلق، إلا من خلال شلة تخدم علي بعضها فتأتي بهذا لهذا البرنامج وتدفع بذاك للانضمام لفريق الإعداد في تلك القناة، وثالث للكتابة في تلك الصحيفة العربية التي تدفع بالدولار، ثمناً لفضائح الفنانين والوزراء ورجال الأعمال، ومن تقاليد الشلة دفع الرشوة من الهدية العينية إلي الرزمة المالية وصولاً إلي أعلي الذري بالرشوة الجنسية، يدفعها متأكداً من استرداد قيمتها أضعافاً.
يؤمن هؤلاء بأن حقوق الإنسان للقاهريين فقط، فتجدهم يختارون لأنفسهم شقة بوسط البلد، يقترضون لتأثيثها بأربعة مكاتب وتليفونات وفاكس وخط دولي من أحد البنوك وينشرون إعلاناً في صحيفة يطلبون للعمل لديهم «آنسة» وكام محرر بالحتة. كل منهم نجار وألفطي «كما يقال» وبعد ذلك يبدأ صاحب الدكان أولي أعماله بدعوة الفضائيات والمراسلين الأجانب لحضور أول ندواته لمناقشة أحوال حقوق الإنسان، وعلي «حس» العملية يرسل لبروكينز وكارنييجي وللاتحاد الأوروبي وهيومان رايتس طالباً منحة مالية لمشروعه البحثي، ولا ينسي أن يعطيهم رقم حسابه السري، ومع تلقي أول دفعة يدشن «الدكاكينجي» أولي خطواته صعوده السريع نحو بيع الضمير باقتدار علي وقع قاعدة «أحلي م الشرف مفيش».. وعلي الفور يمنحه الإعلام لقب «ناشط حقوقي».. وللحديث بقية.