رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ثغرة دفرسوار.. في ثورة 25 يناير

مازلت أتحدث عن ثغرة الدفرسوار التي واجهتها الثورة.. والتي أدت إلى ما نحن فيه الآن.. من فجوة وجفوة بين الثورة.. ورموز المجلس العسكري وقادته.. وبدأنا نقرأ انتقادات.. وتعليقات تهتف بهتافات غريبة.. وبدأت شكوك وهواجس. لا شك أنها تمارس ممارسات وأداء يبعث على الانتقاد.. وحان أوان مراجعته.. وعلاجه.

وبداية فإننا ورغم مرور أكثر من شهرين على حالة الغياب الامني الذي انفجر في وجوهنا منذ جمعة الغضب إلا أن أحداً لم ينجح في مواجهته على نحو حقيقي.. تولى أحمد شفيق.. فجاء محمود وجدي.. ثم تنحى مبارك وبقى شفيق ووجدي.. طويلاً طويلاً.. لكنهما لم يفعلا شيئاً مطلقاً على صعيد معالجة الغياب الأمني.. فلماذا تركا على هذا النحو.. ولماذا ترك لأحمد شفيق الأمر.. بحيث إن أولوياته كانت مختلفة عن أولويات الثورة التي لم تكن تخشى من الجوع.. وقلة انابيب الغاز بعد خروج الناس بالملايين أملاً في الحرية والعدالة الاجتماعية ولكن أحمد شفيق كان مشغولاً بمصيلحي والتحسر على زكي بدر.

هذا الغياب الامني الآن.. بل وأمس واليوم وغداً.. يثير التساؤلات ثم بدأ يثير الهتافات ويحرض على الانتقادات واندلاع المظاهرات ويثير المخاوف خاصة إذا لم ير الناس حلولاً حقيقية على مستوى الأحداث.. ومواجهات مباشرة لهذه المشكلة المفزعة إذ لم يستطع وزير الداخلية حلها.. منذ سقوط العادلي وكأنه يتعين عليهما أن يذهبا إليه في سجنه ليطلبا مساعدته "كصديق قديم!!".

بداية الشكوك والتساؤلات أو الثغرة تعود إلى فترة وزارة الفريق أحمد شفيق.. التي أستطيع اليوم باطمئنان أن أصفها بأنها كانت "ثغرة دفرسوار" جديدة في معركة ثورة 25 يناير.. ومن أسف أن طول فترة استمرارها ساهم إلى مدى بعيد في تعميق مخاطر الثورة المضادة، التي مازلنا نرى آثارها كل يوم دون ان يتحرك أحد.. من مشاهد البلطجة في ستاد القاهرة.. وما قبلها من هدم للأضرحة.. وقطع أذن أحد المواطنين في الشارع.. إلى عبث أياد خفية بالكنائس وإثارة الفتن والثغرات الطائفية.

كانت وزارة شفيق "دفرسوار جديدة" لمبارك.. وأتباعه.. بدأت فصولها الخبثية بحركات مدروسة لأحمد شفيق.. فلقد شغلنا الرجل – ولا ندرى إن كان ذلك قد تم بمباركة المجلس العسكري او من وراء ظهره.. أو من دون وعي منه!! – بأحاديثه وتصريحاته الغريبة العجيبة عن اهمية استمرار "مصيلحي" وزيراً (...) وعن هاجسه (شفيق) بالأساس الخاص بضمان توافر البوتاجاز وضمان توافر رغيف العيش.. وضرورة استمرار تأمينهما للناس، كما شغلنا بالتحسر على عدم قدرته باستمرار الوزير أحمد زكي بدر.. الوزير التصادمي الذي اعتبره شفيق "فلتة" تحسر عليها.. لانه أصبح مرفوضا شعبياً.. هذا ما شغلنا به شفيق، وجعلنا نرى فيه ضرورة.. وأهمية.. بعد أن "ثبتنا .. وسجدنا" على حد تعبير الخبثاء او البسطاء في الشارع المصري.. عندما قدم لنا اعتذاره عن واقعة الجمال والبغال المشؤومة وضحكه على ذقوننا عندما وعد بالتحقيق فيها بأقصى سرعة في حين أنه عندما "أخرج" من الوزارة .. لم يكن قد تحقق شيء في هذا الملف .. أو غيره .. لكنه – وياللمفاجأة المدهشة.. فعل الكثير في ملفات أخرى تخص النظام المخلوع.

لقد كنا نتوسم فيه، لبساطته، واعتذاره، وهدوئه أنه سيكون رئيس وزراء مختلفا.. لكن المفاجأة أنه كان بكل قلبه وجوارحه مع مبارك وعائلته.. وليس مع الشعب المصري.. فقد جاء إلى الوزارة لأنه موضع ثقة الرئيس السابق.. ولأنه يمثل جبهة لا يمكن لاحد اختراقه منها.. وكان ابقاؤه على كل هؤلاء "أبو الغيط.. شهاب .. مرعي .. واللوائين وجدي .. وحسن عبد الرحمن.. من أجل مهام أساسية.. وفرا لها الوقت الكافي وبذلا فيها الجهد الأكبر والأوفر.. وهي مهمة "تستيف" أوراق الرئيس وتهريب الأموال التي يريد، لا نقول هذا من عندنا، فرغم الغضب الشعبي العارم الذي كان لابد ان يجعل الجيش والمشير طنطاوي ورئيس الوزراء شفيق ووزير الخارجية أبو الغيط أكثر حرصاً في ملف الاموال المنهوبة أو المهربة إلى الخارج ويتخذون إجراءات عاجلة واستثنائية ويبذلون جهوداً جبارة لتحقيق هذا الهدف.. إلا أن هذا لم يحدث.. والدليل على ذلك ما أوردته الأهرام في السابع والعشرين من مارس الماضي أي بعد مرور شهرين على الثورة.. تحت عنوان صادم يقول: "لا تجميد لاموال مبارك وأسرته في بريطانيا" وقال مراسل الأهرام في لندن عبد الرحمن السيد بالحرف الواحد: إن مصادر في وزارة الخزانة البريطانية أكدت أنه لا يمكن للسلطات البريطانية أن تفعل شيئاً في التحويلات المالية والتحركات المصرفية التي أجريت قبل يوم الثاني والعشرين من الشهر الحالي وهو اليوم الذي أصدر فيه الاتحاد الأوروبي مذكرة بمصادرة أموال وأرصدة وموجودات 19 مسئولاً مصرياً سابقاً في دول الاتحاد الأوروبي.

بل وبعمق المصدر نفسه جراحا للأمن المصري حينما يقول: لو كانت الاموال هربت أو نقلت بشكل ما من بريطانيا قبل هذا التاريخ فليس لبريطانيا سلطة قانونية للمساعدة في استرجاعها!!.

والأسوأ من هذا كله هو ما نبه إليه المصدر بوزارة الخزانة بخصوص "وجود فارق زمني كبير بين طلب مصر من بريطانيا رسمياً تجميد أرصدة وحسابات وأصول الشخصيات المصرية وبين صدور مذكرة الاتحاد الأوروبي الأمر الذي أتاح الفرص لنقل الأموال من بريطانيا إلى جهات أخرى؟!

فمن المسئول عن ذلك؟ وفي ظل من حدث ذلك؟ بوضوح.. ومن دون اجتهادات حدث هذا في ظل وجود الجيش والمجلس العسكري.. والاحتفاظ بأحمد أبو الغيط وزيرا للخارجية.. هذا الرجل الموالي فقط لمبارك ولنفسه.. والذي كانت تقطع يده ولا يصدر مثل هذه الإجراءات التي يخاطب فيها أي دولة يطالبها فيها بتجميد الأرصدة.. بحجة أن في مصر ثورة فحتى آخر لحظة لم يعترف بذلك.. وكانت صورة زعيمه هناك على جدران مكتبه.. والسؤال: أليس هذا جديراً بمساءلته ومحاكمته؟

المصدر الذي تحدث للأهرام قال بوضوح: إنه يعلم ان هذا الواقع سيسبب إحباطاً للمصريين.. لكنه يضيف لقد طلبنا كثيراً من السلطات المصرية أدلة قاطعة تمكننا من اتخاذ إجراءات قانونية تتعلق بتجميد الأرصدة لكننا لم نحصل عليها؟!

هل كان ممكناً أن تحصل عليها بريطانيا من أبو الغيط؟.. وفي ظل حكومة أحمد شفيق لن   نوسع ونمد دائرة التساؤل إلى المجلس رغم ان التلكؤ في عملية معالجة مسألة الأموال المنهوبة استمر حتى قبل ايام قلائل فقط.. وتحديداً في نهاية مارس الماضي، عندما أعلن عاصم الجوهري (بإدارة الكسب غير المشروع) عن تشكيل لجنة (!!!) توفدها مصر إلى الدول الأوروبية للتفاوض معها بشأن الأموال المهربة أو الموجودة في مصارفها لمسئولين سابقين!!

وإذا كانت هذه معلومات الأهرام.. فإن معلومات الواشنطن بوست (الصادرة الخميس 31 مارس الماضي) كانت أكثر صدمة.. حينما أعلنت أن الغرب يتلكأ في تجميد أموال مبارك.. وعلى الرغم من أن تقريرا لخبراء أميريكيين ينصحون أوباما بإعادة صياغة علاقات أمريكا بمصر والشارع العربي الثائر وهو التقرير الذي أطلت

عليه زميلتنا الكبيرة بالوفد حنان البدري كشف لنا عن أن أوباما.. يدرك أن عربون المحبة مع الشعب المصري هو أن يدله على طريق ثروات الرئيس مبارك (المخلوع) وأن يساعدوا مصر على استرداد الأموال المنهوبة إلا ان أوباما لم يفعل لكن ليس هذا هو المهم وإنما المهم هو أن مسئولا واحدا بالمجلس العسكري أو بغيره لم يخرج علينا متحدثاً في هذا الموضوع فلم يتحدث أحد عن الطلب من امريكا ان تكشف المستور في هذه القضية أو أن تؤكد أيهما أكثر صحة؛ حديث جون كيري بأن ثروة مبارك (31) مليار دولار في أمريكا أم نفيه .. وإدعاؤه بأن الحديث كان عن ثروة القذافي .. أم أن حديث هيلاري كلينتون لدى زيارتها مصر.. بخصوص هذه الأموال وتأكيدها بأن أموال مبارك في أميركا بالمليارات هو حقيقة مستفزة.. ورغم ذلك فهي لم تستفز أحداً.. حتى إن أحداً بالجيش أو برئاسة الوزراء.. (السابق أو اللاحق) ولا ضمان على سبيل المزاح تهيئة للإرشاد في الإخوان.. أو حماية السلفيين!! أو حتى حزب التجمع .. لم يخاطب أميركا علناً في هذا الشأن.. وكأنها فجأة أصبحت مخيفة..

أو أنها فجأة أيضاً .. لم تعد موجودة على الخريطة!! لم يكن ممكناً في وجود شفيق وابو الغيط الحديث مطلقاً عن أموال مبارك وملياراته المهربة.. ووجوب مصادرتها ومحاكمته هو وأسرته.. في وجود أحمد شفيق وأحمد أبو الغيط وممدوح مرعي وفي ظل هؤلاء جميعاً يعمل المدعي العام المصري.. فهل كان ممكناً له ان يكون ملكياً أكثر من هؤلاء.. – بكل أسف – خذلوا الشعب المصري.. مع أنه كان لديهم فرصة ذهبية ليقفوا إلى جواره ويغسلوا ذنوبهم.. وليتخيل أحدهم للحظة أنه كان ضد مصالح الشعب لأي سبب.. ثم فجأة أتيحت له الفرصة لمحو أخطائه وطلب الصفح.. والتقدم إلى خدمته.. ماذا كان سيحدث وكان أمام هؤلاء فرصة ذهبية للوقوف مع الشعب .. والعمل فوراً على استعادة حقوقه المنهوبة.. لكنهم كانوا أقل حرصاً من سويسرا التي بادرت في اليوم التالي بتجميد الأموال.

كان شفيق يفكر فيما هو أبعد من ذلك، أن يبقى على كل الأمور وكان زعيمه قائماً.. حتى إنه وأبو الغيط رشحا مفيد شهاب للجامعة العربية.

كما تم في عهده.. وفي ظل سمع وبصر القوات المسلحة استمرار رئيس الديوان في مزاولة عمله، في فرم الأوراق والمستندات المهمة التي لا يريدون إطلاعنا عليها.. وإجراء الاتصالات التي يحتاج إليها الرئيس المخلوع "لتشتيت" أوراقه وأمواله.

في ظل عملية خداع كاملة.. قوامها البساطة في الأناقة.. وبالاعتذار عن واقعة خطيرة – كواقعة الجمل – واللف ليلاً على الفضائيات.. والترويج للأهمية القصوى لتوفير الخبز والبوتاجاز.. بقى شفيق ليسهل كل شيء للرئيس السابق.. ولذا لم يحدث انهيار لأي مؤسسة.. بالانفلات الأمني وغياب الأمن كان مدبراً.. أما الذي حدث في أمن الدولة فكان إيذائاً بمرحلة جديدة فقط سقط أحمد شفيق صباحاً.. لتنهار الحماية والمظلة التي وفرها لأمن الدولة عند الظهر.. فسقطت دولته في المساء.. واحترقت.. وأحرقت قلوبنا على من كنا نتوسم فيهم حب مصر..

لم يقل الجيش كلمة تعليقاً على هذا التأخر في تعقب الأموال، ولا صعوبة المعارك لاستعادة الأموال المنهوبة ولا لتأخر المطالب من قبل وزير الخارجية.. ولا في سقوط أمن الدولة.. ولا لاستمرار الغياب الأمني.. ولا لظهور جمال مبارك ورفاق السلاح في نادي العاصمة.. ولا قال شيئاً بعد ذلك لمن يظهرون التحدي والموالاة للنظام المخلوع في بعض المؤسسات.. مثل مكتبة الإسكندرية.. وإهانة ضيوف الندوات فيها .. ولا قال شيئاً عن كيفية وأسباب الإبقاء على الوزير سيد مشعل .. وهل لأنه من الجيش . والمؤسسة العسكرية.. وهل هناك أسباب لإعادة الوزير زاهي حواس.. ولماذا تأخرت كثيراً محاكمة رموز النظام سرور والشريف وعزمي بتهمة الإفساد السياسي.. ولماذا ترك عزمي حتى نهاية مارس الماضي يتحدث ويمارس مهامه ولم يجرؤ على إيقافه ولماذا لم يقل  شيئاً عن أحداث  السلفيين والاعتداء على الأضرحة ..الخ

يا سيادة المجلس العسكري.. يا سيادة المشير.. يارئيس الوزراء.. كل يوم تصدمنا آلاف المعلومات عن حيتان الفساد.. وعن مصائب الوزارة السابقة.. وعن سوء الأحوال.. وعن أن مصر لن تجد أموالاً لدفع الرواتب خلال 6 شهور (وهذا موضوع سأعود إليه قريباً) وعن ثورة جياع قادمة.. وأنتم تسيرون بوتيرة عادية.. وتتركون أموراً معلقة.. وبلا حساب.. وقد عادت "المليونيات إلى التحرير" وبدأت التعليقات في المنتديات تقول مجدداً إرحل .. إرحل .. فانتبهوا أيها السادة للدفرسوار الجديدة.