عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

إلاَّ الشهداء

قد يكون الحي أبدياً "وأبقي" من الميت كما يقول المثل العامي المصري الشهير.. اسمع الجميع يقولون "ابقي" لكنهم يستخدمونها بمعني "احق" او "ابدي" من الميت.. إلا هذه المرة.. نعم الا هذه المرة، فالموتي الآن هم شهداء مصر الذين سطروا بدمائهم اسماءهم كمصريين، في صفحات المجد والفخار، ومن منا لم يكن يتمني ان يكون معهم.. من منا لم يكن يتمني ان يضحي بحياته من اجل وطنه، خاصة في ساحة جهاد كساحة 25 يناير، تلك الساحة المقدسة التي اصبحت عنوانا لمصر الجديدة.. التي تعيد الآن استلهام عبقريتها وخلودها كأول حضارة شهدت "فجر الضمير" لتكتب في سفر الحضارة الحديثة صفحة جديدة - كل شيء - عندي علي الأقل يهون الآن.. إلا الشهداء، هؤلاء الأبرار وحدهم الذين اخرجوني من حالة الكآبة التي داهمتان - أنا وغيري - منذ انفجرت في وجوهنا اهوال النظام غير المبارك.. وملفات الفساد التي أطارت عقول المحرومين.. الذين كانوا يأكلون من القمامة لأن رؤساءهم وكبارهم يأكلون من مكسيم "مطعم فرنسي فاخر".. والذين يعيشون في عشش الصفيح والمفسدون والمرتشون والمزورون واللصوص الذين يسكنون المنتجعات والفيلات والقصور.. وفضائح وأهوال ومذابح أمن "دولة" مبارك وروائح فساد العائلة الرئاسية كل هذا يهون.. رشاوي الاعلاميين.. فساد رؤساء تحرير ورؤساء مجالس ادارات صحف ردد النظام السابق كذباً وزوراً انها قومية.. فساد نيابي بقيادة الشريف وسرور وعز وعزمي ومبارك "الكبير.. سنا".. والصغير وعز، وكل عائلة الفساد المخلوعة.

 

كل هذا يهون: فساد الذمم وخراب النفوس وفساد المحافظين والحكم المحلي.. وانعدام الرقابة وسوء الأغذية.. وأكل الطيور الجارحة ولحوم الحمير.. كل هذا يهون.. إلاّ الشهداء.. الا الشهداء، هذه الفئة يجب ان نسمو بها علي كل الفئات، لا أقول ان يتأثر العمل او الانتاج او تتوقف الجهود من أجل استعادة الاستقرار واعادة بناء مصر التي خربها فساد وظلم وتوحش آل مبارك.. لا أعني بأن نسمو بها فوق اي أمر أن نتجاهل ما عداها من قضايا حيوية أخري.. لكن ما أراه واجباً هو ان نصغي بدقة لأصوات الشهداء.. هؤلاء هم المثال والقدوة والوقود الطبيعي والحيوي الذي تعيش عليه مصر الحالمة بفجر جديد.. يستولد من مصر الهرمة مصرا فتية حقا.. مصر التي حلم بها سيد درويش وبيرم.. حليم وجاهين.. الأبنودي والطويل.. محمد عبده والغزالي.. محمد علي وعبد الناصر.. سعد زغلول والنحاس.. هيكل والأسواني.. زويل والبرادعي.. وموسي وقنديل وصولاً الي جورج اسحق وعصام شرف.. شهداؤنا الآن عند ربهم احياء.. لكن ما احوجنا اليهم واستلهام معاني استشهادهم. وهو ما لن يتأتي إلاّ من خلال تشكيل هيئة من رجال الجيش ومن ابناء الشعب.. هيئة تتابع اولاً كل ما يتنامي الي الاسماع عن وجود مصري استشهد دفاعا عن: وطنه او دينه أو عرضه.. فهؤلاء هم الذين يصنعون لنا الحياة.. هذه اللجنة المدنية  العسكرية.. التي يجب ان تضم ضباطاً مؤمنين بالفكرة.. ومفكرين - أعرف أن في مصر منهم عشرات ممن تطرب اسماعهم لأحاديث البطولة والشهادة - وتضم شعراء وكتابا واعلاميين وقانونيين ونشطاء سياسيين.. وتضم دعاة وقساوسة، وقبل هؤلاء وأولئك رموز من ثوار يناير.. يجب ان تختص بمتابعة كل حالات الاستشهاد.. وتوثيقها ومتابعة كل ما يترتب علي ذلك، ادعو سيادة المشير والمجلس الأعلي للقوات المسلحة ورئاسة الاركان ورئاسة مجلس الوزراء "د. شرف" والدكتور الجمل.. والنقابات وجمعيات المجتمع المدني الي تبني انشاء مثل هذه الهيئة.. وان

تكون القواعد المعمول بها بالنسبة لشهداء مصر في ساحات القتال المقدسة هي الاساس الذي نعمل به ونضيف عليه.

لماذا هذه الدعوة اليوم ونحن في وقت مبكر من الثورة ومازلنا نتعلق بأهداب الأمل في عبور المنعطفات الخطيرة التي نمر بها كل لحظة.. دون ان نتمكن من مجابهتها جميعاً في وقت واحد.. إذ يبدو أن انزياح الكابوس المفسد افرج عما هو مكبوت ومخبوء في صدر الشعب المصري.. وبعد ان ران علي جسده جبالاً من الغضب. فبدا يعبر عن نفسه في مطالبات في غير أوانها وفي شكل مطالبات فئوية واحتجاجات مطلبية بعضها مشروعة وبعضها انتهازية.. وبعضها الأسوأ والاخطر الآن هو الاحتجاجات الدينية التي توشك ان تمزق الأمة التي تنسي أنها ثارت وأنها بذلت الغالي والنفيس وضحت بالأرواح.. نعم الأرواح وهي أغلي ما في الحياة.. وتتوقف حياتها الآن - أي الأمة - علي هدم دار عبادة مسيحية أو مسلمة!! اذا هدم جامعاً أو كنيسة نستطيع ان نعيد بناءه معا، اما اذا هدمت مصر فسوف نضيع.

ان التحلق حول فكرة تكريم شهداء مصر اليوم سيبقي جذوة النضال الوطني مشتعلة، فسيذكرنا دوما بثمن الحرية، وبقيمة الهوية المصرية وبتوحد الانسان المصري.. مسلم ومسيحي.. ضد ظلم النظام السابق، وهذا التكريم سيكون بمثابة درع قومي وحصن امان يستنكر وجوده كل مصري.. فيسمو علي صغائر الاعمال وكبائرها التي تكاد تسرق ثورة مصر وتهدر دماء شهدائنا ثمنا رخيصا لجهل مطبق بالتسامح الديني الاسلامي المسيحي.

أقول هذا وأنا استصرخ ضمائركم الحياة من اجل الوطن الذي يكاد يحترق.. وأبرز ملامحه نسيان الشهداء وعدم وجود قاعدة بيانات عنهم نرجع اليها ونضيف عليها.. أرواحا ذكية نسمع عنها قصصا متناثرة كل يوم.. من شهداء "الزاوية الحمراء" المختلف حول عددهم هل هم 14 أم 41 وهل سالي زهران استشهدت في الميدان ام في البيت.. وصولا الي الشهداء المجهولين في السويس وفي أحداث اطفيح.. وما تلاها في منشية ناصر وتحملوني اذا قلت لكم بكل اسف: ان الايام القادمة حبلي بالمزيد من الشهداء.

استصرخ كل الضمائر الحية احترام وتقديس شهدائنا.. وإنشاء هذه الهيئة او اللجنة الوطنية للشهداء المصريين.. فسنذكرهم ونجلهم ونقتدي بهم.. ونحافظ علي وطننا يذكرهم.. ومن اجل اسرهم ايضا نصون كل حقوقهم، والله من وراء القصد.