رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

شعراء وصعاليك

أستأذن القراء هذا الأسبوع فى هدنة مؤقتة من الكتابة عن العشق.. والشعر العربى القديم فى الغزل العفيف.. والغرام الجارف!

فقد جنيت على نفسى.. وظن البعض بى بما ليس فى.. أى أننى مصاب (بوعكة عاطفية).. وهو ظن ليس فى محله.. فقد تقدم بى العمر.. واشتعل الرأس شيبا، ومن ثم.. فالوقوع فى «الغرام» شرف.. لا يستطيع مثلى أن يدعيه.. وتهمة.. يتمنى ألا ينكرها!
المهم.. أننى سوف أحكى قصة مختصرة.. عن الأربعة الذين كانت العرب فى الجاهلية.. تخشاهم.. وسمتهم «الأغربة» و«الذؤبان» مع أنهم كانوا شعراء.. وفرسانا.. ولكن قبائلهم لفظتهم.. فهاموا على وجوههم فى الصحراء.. حتى التقوا.. وجمعوا حولهم الكثير من الصعاليك.. والفقراء والمنبوذين.. وحاولوا تطبيق ما أطلق عليه الأستاذ أحمد أمين الكاتب المعروف (الاشتراكية المبكرة) حيث كانوا يأخذون من الغنى الشحيح ليعطوا إلى الفقير المحتاج.. وهو ما حاول الأخ (روبن هود) تطبيقه فى بريطانيا بعد مئات السنين.
وأول هؤلاء الشعراء الصعاليك.. كان عروة بن الورد والذى لفظته قبيلته عبس.. لأنها تشاءمت منه حيث كان والده سببا فى الحرب الشهيرة (داعس والغبراء)، كما أنه كان شديد الكرم مسرفا على الفقراء.. إلى جانب تحقير قبيلته لقبيلة أمه، وكانت من «نهد» والتى لم تكن تطاول عبسا عراقة وشرفا.
وهو ما اعترف به شاعرنا فعلا، حيث قال:
وما بى من عار إخال علمتهُ
سوى أن أخوالى إذا نسبوا نهدُ
إذ أرى المجد قصر مجدهمُ
فأعيا على أن يقاربنى المجدُ
ومع ذلك لم يقلل هذا من فروسيته أو يضعف من عزيمته، وكان دائما ما يقول:
أليس علينا عظيما أن تلم مُلَمّة
وليس علينا فى الحقوق مُعّولٌ
إذا نحن لم نملك دفاعا بحادث
تلم به الأيام.. فالموت أجملُ
لقد اتخذ شاعرنا من الصحراء.. مسرحه ومرباه.. والشعر زاده ومأواه.. والسيف صاحبه ورفيقه.. كما قال فيه عبد الملك بن مروان «من زعم أن حاتما (الطائى) اسمح الناس.. فقط ظلم عروة ولئن تمنى جدى معاوية أن يصاهره.. فوالله لقد وددت أن أكون ولده».. ولماذا لا.. وقد كان فتى عريقا من عبس العريقة.. فيّاض العطاء مهيب الكبرياء.. يعشق الهمس بالشعر والجهر بالكبرياء.
أما الثانى.. فقد كان ثابت بن جابر ولقب بفارس الصحراء.. صديق الوحوش وصاحب الغول، تزوجت أمه من بعد موت أبيه من أبى كبير الهزلى وكان شاعرا فارسا من قبيلة هزيل.. وكانت

تكرهه وحرضت زوجها على قتله.. وعندما كانت تسأل عنه تقول (تأبط شرا.. وخرج) فأصبحت هذه كنيته.
ومع ذلك فقد شبا فارس شاعرا.. مغوارا.. وكان يقول عن نفسه:
قليل غرار النوم أكبر همه
دم الثأر أو يلقى كميا مسفعا
يبيت بمعفى الوحش حتى ألفنه
ويصبح لا يحمى له الدهر مرتعا
وإنى وأن عمَّرت أعلم أننى
سألقى سنان الموت يرشق أضلعا
والثالث.. كان السلُيْك بن السلكة.. نسبته قبيلته.. إلى أمه لاستهانتها به.. فخرج على القبيلة.. ولقب بقرصان الصحراء.. ووصف بأنه لم يكن يخيب له سهم ولا تحرقه نار ولا تعوزه حيلة.. وشبهه أعظم فرسان العرب عمرو بن معد يكرب.. بالمغوار والليث الضارى.. حيث هو الوحيد الذى هزمه.
وكان السليك يقول عن نفسه مفتخرًا:
وما نلتها حتى تصعلك حقبة
وكدت لأسباب المنية أعرفُ
وحتى رأيت الجوع بالضيف حزَّنى
إذا قمت تغشانى ظلال فأسدفُ
أما الرابع.. فكان الشنفرى.. ولقب بذلك بسبب سواده وغلظة شفتيه.. ولم تكن العرب تعرف له قبيلة.. ومع ذلك لقب بغراب الصعاليك وشاعر القوس.. وعداء القدمين الذى لا يلحق به أحد..
وكان يقول عن نفسه ما ينم عن طبعه:
وإذا ما أتتنى منيتى لم أبالها
ولم تذر خالاتى الدموع وعمتىِ
وإنى لحلو إن أريدت حلاوتى
ومرّ إذا نفسى العزوفُ استَّمرت
وكان أيضا يردد..
أديم مطال الجوع حتى ألفته
وأضرب عنه الذكر صفحا فأذهلُ
وأستف تُرب الأرض كى لا يرى له
عَلىّ من الطول امرؤ متطولُ
نعم ما أجمل الشعر العربى.. وما أصدق ما قيل منه على لسان فرسانه ومشاهيره.. ومنه ما قاله زعيم الصعاليك.. عروة:
إذا نحن لم نملك دفاعا بحادث
تلم به الأيام.. فالموت أجمل