عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الظلم مؤذنٌ بخراب العمران

كلمة قالها ابن خلدون  في مقدمته: " الظلم مؤذنٌ بخراب العمران " ..
فما من طاغية تمكن في الناس إلا سامهم سوء العذاب، وأبدل أمنهم خوفًا، وأهلك الحرث والنسل .
ولقد تابعتُ عن كثب تظاهرات الشعب المصري في ميادين ومدن مصر عبر سنة ونصف السنة من ثورة يناير.

كان صوت الشعب يجلجل الميادين، ويقرع القلوب،  في مشهد سكتت فيه الرموز، وتصاغرت فيه الرؤوس، وصمت فيه المتكلمون، وبات المحللون على وعيٍ تام أن الفساد الذي عاشته البلاد قد أتى أكله مُرًا وحنظلاً.

مشهد الجماهير وهي في الشوارع والميادين، وقد اتحدت كلمتها، وتوحدت مطالبها، في إسقاط رأس النظام الحاكم، يُشعرك أنه لا توجد قوةٌ على وجه الأرض تستطيع أن تقف أمامهم، ولو استطاع الحاكم أن يقتلهم بالطائرات أو يحاصرهم لفعل من دون تردد، ولكنه يعجز  عن ذلك لأسباب كثيرة....

ولو سأل سائل - وهو ينظر إلى هذه الملايين المحتشدة – ما الذي جمع هؤلاء ؟
وما هي القوة التي أتت بهذه الجموع من كل حدَب وصوب من غير أرحام بينهم ومن غير زعيم شعبي ومن غير حزب وجههم ؟ 
الإجابة :
إنه الظلم .. إنه الظلم !!!
هي كلمة السر في كل الثورات على مدار التاريخ ..
وصدق أديبنا المصري الراحل مصطفى لطفي المنفلوطي :
" وكذلك يفعل الظلم في نفوس المستضعفين"

تلك الطبقية النكدة التي تمخضت سريعًا حينما يُغيّب الشرفاء، ويُقدَّم سواهم، ويكون مقياس التفاضل بين الناس بقدر ما يمتلكون من مال، وتكون مؤهلات الوزير أنه صاحب فندق، أو صاحب معرض سيارات...، ويكون مقياس الحكم على المواطن صالحًا أو طالحًا بمقدار ولاءه للسلطة، وسيره في الشارع من دون صخب ولا جلَبة - أقصد من دون تظاهر -، ؛ حينما يُدفع الأمرُ إلى غير أهله، ولا يجد الشاب المُجدُّ، ولا الباحث المبدع، ولا العامل الأمين مكانًا له في وطنه؛ فاتَّسع الْخرق على الراقع، واشتبه الأمر على المستبصر .
خاست بضائع الحزب الأوحد، وانزوى عن المشهد السياسي حسيرًا؛ وقد أُضرمت في مقاره النارُ؛ بيدِ شبابٍ اكْتَوَوْا بناره عقودًا !

حينما يسقط الورع، ويذهب التُقى، ويُدلسُ على الشعب، وتُسرق ثرواته، ويُضرب بالهراوات المستوردة بأمواله، ماذا تنظرُ منه من ردةٍ فعل ؟

حينما تُجرح كرامة شعبٍ عريق، قهر الطغاة، وأذل الجبابرة، فتعمد إليه فتسلبه حقه في حياة كريمة، وتلبسه لباس الفاقة والمسْكنة، فيأكل رغيفَ العار من طابور الذل، ثم هو يرى وصلات الغاز موصلةً إلى عدوه، ومناجمَ ذهبٍ يسمع عنها الأساطير، وأراضي الدولة ملكًا للغشرباء، ومؤسسات القطاع العام نَهْباً مُباحا
لكل ذي مال؛ ماذا تنظرُ منه من ردةٍ فعل ؟

حينما تُزوّرُ إرادته، ويُسرق صوتُه، وينوب عنه من لا يمثله، ويكون نائبُ القومِ أرذلهم وأكثرهم فسادًا، وأشدهم تهافتًا على رشوة العالمين من أجل الوصول إلى كرسي البرلمان بأي ثمن، من أجل تأمين مصالحه الخاصة بقوة البرلمان، والتوسع في أنشطته المشبوهةِ تحت القبة البيضاء؛ وبعد ذلك ماذا تنظر من الشعب من ردةٍ فعل ؟
يجب أن ندرك خطورة الطبقية التي يواجهها المجتمع ؛ وتلك الفوارق الاقتصادية الفاحشة التي لا تقوم على قواعد العدل والإنصاف، تلك الفوارق المولدة لضروب الحقد والبغضاء، وانتشار الكراهية بين الناس، وهي بطبيعة الحال تدفع الناسَ بقوة نحو الثورة ..
وقد ضرب الله مثلاً للطبقية في القرآن، وأشار إلى عاقبة السوء التي ستأتي من ورائها، فقال تعالى : " فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ " [الحج45]
لقد أهلك الله هذه الحضارات

وتلك الدول لأنها ظالمة !
وما مظهرُ هذا الظلمِ ؟
قال : " وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ " :
آبارُ مياهٍ معطلةٍ، يُمنع منها الفقراء، وقصورٌ فارهة مشيدة بُنيت للكبراء؛ قومٌ لا يجدون الماء، وقومٌ يتمرغون في بروج فرعاء. فكان العقابُ العاجلُ بسبب هذا الفارق الظالم .

أفلم يمش العقلاء في البلاد، ويسيروا في جنبات الأرض؛ فيعلموا كيف كانت نهايةُ الأنظمة الجائرة من قبلهم على مر العصور، وينظروا مآلَ الطغاة السابقين وما حلَّ بهم من الدمار، " فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَة بِمَا ظَلَمُوا" ، " فتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ " [القصص:58] .

أو كما حدث لدولة سبأ، تلك التي كانت عند اليمن السعيد، وقد استرسل المؤرخون في وصف خيراتها، وزروعها المترعة، وحدائقها المونقة، ومساكنها البديعة، بل قال الله فيها : " لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ[سبأ15]
ظلموا وفجروا، فضرب الله عليهم الفقر والذلة، فقال : "فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَى أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ" [سبأ16]
أرسل الله عليهم السيول الغارقة، فأزاحت نظامهم، وأهلكت حضارتهم، ودمرت مساكنهم، وأبادت مزارعهم، ولم يبق من هذه الزروع سوى ثلاثةِ أصناف فقط:
أُكُلٍ خَمْطٍ : أشجار الأراك، وَأَثْلٍ  : شجيراتٍ لا ثمر فيها يُأكل، وَشَيْءٍ مِّن سِدْرٍ قَلِيلٍ : أشجار قليلة من السدر وهو النبق .
***
ينبغي كذلك أن نفهم الأسباب الموصلة للظلم الاجتماعي، بمعنى آخر تلك القوانين والدساتير المصنوعة على مقاس الحاكم، فهي قوانين تعبر عن هوى الحاكم، ولا تعبر عن إرادة الشعب، فالحاكم يبتكر قوانين تكرّث الاستبداد، وتكمم الأفواه، وتزاوج السلطة بالمال، والحد من تداول السلطة، وكل هذه الأفكار تقود الأمة نحو " الظلم "، ومن ثم شعور  " الاحتقان " ثم  "الانفجار والثورة " .. وهذا تراه في كل ثورة عبر التاريخ .
...
ولكن ، ماذا بعد الثورة، هل ننتقل إلى ثورة أخرى بعد الثورة، أما الثورة الحقيقة فهي التي تهدم الفساد ثم هي لا تهدأ حتى تعيدها نهضة كبرى، وتتحول هذه الحناجر الثائرة إلى أيادي عاملة، ناهضة في كل الميادين، . وهذا الامتحان الحقيقي  إذا كنا جادين في التغيير .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ عضو الاتحاد العالمي  لعلماء المسلمين.
[email protected]
www.yakotweb.com