رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الحاكم والإعلام

دومًا ترى الأنظمة القمعية، تُسخّر الإعلامَ لخدمة هوى الحاكم، والأصل في المؤسسة الإعلامية أنها ملك للأمة، فلا يجوز أن تستخدم أموال الشعب في صناعة جهاز يكذب عليهم.
ولقد كان الإعلام المصري على مدار عهد مبارك إعلامًا يهدف إلى شخصنة مصر في مبارك،

وترسيخ ثقافة " مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلا سَبِيلَ الرَّشَادِ"، ثقافة " لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لأجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ "، ثقافة : رأي صواب ورأي غير يُعاقب عليه !
كان صفوت الشريف أيام كان وزيرًا للإعلام قد جعل من مؤسسة الإعلام وقرًا وبيئًا، يشتمل على صنوف الفساد ..
كانت تجارة المخدرات والدعارة وبيع الآثار كلها أنشطة تتم في ظلال أروقة مبنى مسبيروا، حتى أطلق البعض على مسبيرو " عش الدبابير " .
استثمر صفوت الشريف خبرته الاستخباراتية السابقة ، وقد كان قوادًا أيام حُكم عبد الناصر، يجلب بنات الليل والفنانات العاهرات إلى كبار القوم فيما يعرف بالقضية الخاصة بانحراف جهاز المخابرات العامة .
لقد باتت وزارة الإعلام معقلاً للفاسد، ونموذجًا صارخًا للفجور السياسي؛ في قصص ووقائع يندى لها الجبين..
كان بحق نموذجًا للإعلام الفرعوني ..
كنا نرى الإسلام يُسب ويشتم على شاشة التلفزيون المصري.
كان الإعلام الحكومي منبرًا لكل منحرف فكريًا وأخلاقيًا ..

وأسلوب محاربة الفضيلة باستخدام وسائل الإعلام؛ أسلوب قديم جدًا، أشار القرآن إلى نماذج منها؛ ولا سيما أنموذج فرعون في حربه الإعلامية ضد موسى ـ عليه السلام ـ وجماعته، ذلك أن فرعون كان يرسل المؤذنين في المدائن يحذرون الناسَ من اتباع موسى ـ عليه السلام ـ ، بل كان يستخدم أسلوب الكذب الإعلامي، بتدليس الحقائق واتهام موسى بما ليس فيه، ومن ذلك قول الله تعالى على لسان فرعون : "... إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأرْضِ الْفَسَادَ " [غافر26]

كذلك كانوا يقولون على الشعب الثائر في ميادين التحرير، هؤلاء سيدمرون البلد ..

بل بث الفراعنةُ في نفوس الشعب المصري شعورَ التشائم من موسى ومن معه، كلما حلت بالبلاد مصيبةٌ، زعموا أن موسى والمؤمنين؛ هم سببُ الأزمات، " فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُواْ لَنَا هَـذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُواْ بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللّهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ " [الأعراف131]

وكذلك قال فراعنة العصر : الاحتجاجات تسببت في خسائر بالمليارات. وتلك كلمة حق يراد بها تضييع الحقوق.

وشرَع فرعونُ في بناء صرح إعلامي كبير؛ ليعلوه، وليثْبت للناس ـ بزعمه ـ كذب دعاوى موسى ـ عليه السلام ـ :
"وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحاً لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ" [القصص38]
صرحًا عاليًا يراه القاصي والداني؛ وليقول الجميع : إن الملك قد ارتقى هذا الصرح ولم ير الإله الذي يتحدث عنه موسى .
إنه دليلٌ أحمق، مثل ذلك الدليل الذي قال : شباب التحرير يأكلون دجاج " كنتاكي " .. إذن هم عملاء لأمريكا !

دومًا كان فرعون يجمع الناس في الميادين؛ يخطب فيهم، يدلس، يكذب، يزور، يتهكم، يَقلبُ الحقائق ... اقرأ هذه الآية بعناية :
" فَحَشَرَ فَنَادَى " [النازعات : 23]
إنها آيةٌ من لفظتين ، الحشر والنداء؛ أي أسلوب الحشر والحشد، وأسلوب النداء والترديد وكلتاهما من أهم الأساليب الإعلامية .

"وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ " [ الزخرف:51]
في كل خطاب له، كان متعجرفًا على شعبه، متكبرًا على الناس، وقد ظن الرجل أنه يملك مصر، ويملك أنهارها، كما لو كان ورثها عن أبيه يستطيع أن يورثها لبعض بنيه !

وتلك الآيةُ الكريمة تصف جو الصخب الإعلامي الذي يدور في فلك فرعون، جو الاستعلاء، والاستكبار، والعلو، والعتو، والشخصنة... حينما تكون الترسانة الإعلامية في يد الحاكم الباطل، بينما الحق لا حول له ولا قوة، ولا يملك وسيلةً قويةً

تساعده في نشر رسالته، اللهم إلا الدعوة الفردية ـ سنةُ الأنبياء والدعاة في كل زمان .

ومارس أيضًا أسلوب المباريات، ولم ينس أيضًا أن يحشد الجماهير والغواغاء على موعد إعلامي ومكان إعلامي، وكانت المباريات دومًا وسيلة بريئة لشغل الناس عن قضاياهم الكبرى:
"قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى "[طه59]
وقبلُ قد أرسل الفرعونُ  رجاله إلى المدن والقرى والنجوع في جميع أنحاء مصر، وذلك لجَمع "السحرة " على اختلاف تخصصاتهم ومستوياتهم، فجاءوا بالساحر العادي ، و " السَّحار " الماهر الخبير بالسحر، وكان موعد المبارة يومَ الزينة، وقد حُشر المصريون من كل حدب وصوب، وانشغل الإعلام الفرعوني بقضية الساعةِ، تلك المبارةُ المرتقبةُ بين موسى والسحرة، والجماهيرُ المتفرجةُ الساذجةُ ترى أنها مبارةٌ بين موسى الذي يمثل فريق المستضعفين من بني إسرائيل، وبين السحرةِ المصريين أصحابِ الأرض والملك، وكان لسان حال الإعلام الفرعوني كما وصف القرآن: "وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ . لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ " [الشعراء، 39، 40]
فهو إذن إعلامٌ موجه، يحشد الناس لغاية محددة .. لعلنا نتبع السحرة، وقد كان أحرى بهذا الإعلام أن يكون نزيهًا .. أن يحشر الناس لعلهم يتبعون الحق أيًا كان..

وكذلك حشد النظام أربابَ اللسان ممن تابعه، وقيل لهم هل أنتم مُّجْتَمِعُون في ميدان التحرير، لَعَلَّنَا نصرف الجماهير الغفيرة عن المطالبة بحقوقهم !

وجاءوا ببعض مشايخ والكتاب والإعلاميين الموالين للنظام، بل أرسلوا المطرب تامر حسني إلى ميدان التحرير كي يصرف الناس عن ميدان التحرير..
وحرضوا سفهاء الفن على الثورة، فمنهم من خوّن، ومنهم من فسّق، ومنهم طالب النظام الحاكم بمنع الطعام والشراب عن المتظاهرين، بل منهم من طالب النظام بإطلاق النار عليهم كما صّرحت بذلك ممثلة عُرف عنها إدمان المخدرات.. 

ولما أفرط الفرعون في استخدام السلاح الإعلامي بهذه الصورة الخسيسة ضد موسى ـ عليه السلام ـ؛ كان العقاب من جنس العمل؛ إعلاميًا أيضًا، حيث أغرق اللهُ فرعونَ، وأخرج بدنه من البحر، ثم، جسدًا محنطًا، وآيةً خالدة في المتحف المصري بميدان التحرير بالقاهرة:
"فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ " [يونس92] .

ونفس المؤسسة الإعلامية التي كانت تعظم نظام مبارك، وتضفي عليه القداسة والحكمة، هي نفس المؤسسة التي فتحت ملف ثروة عائلة مبارك، وباتت  تسب وتشتم في النظام البائد ..

العجيب أيضًا أن جثمان فرعون موجودٌ حاليًا في المتحف المصري في ميدان التحرير..
لكأنما كانت ثورة التحرير تهتف في مبارك ارحل .. واعتبر بمصير فرعون !
"فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ " [ الزخرف : 56]
_________________
** كاتب وباحث
[email protected]