رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

الثورة المضادة..والخيال الإنجليزي؟!

 

رغم نشرها منذ ما يقرب من 66عاما مضت الآن، إلا أن القارئ لها اليوم ربما يرى فيها الكثير من ملامح المشهد المصرى العام فيما قبل وبعد ثورة 25يناير، خاصة طرحها لكيفية إمكانية الانقلاب على الثورة، ذلك بالشكل الذى يتماشى مع كثيرالأحاديث المثارة الآن حول"الثورة المضادة" وإمكانية عودة "النظام السابق" فى ثوب جديد، وهو الهاجس الذى بات يدفع بالغالبية من المتظاهرين والمعتصمين سواء داخل الميدان وخارجه على الاستمرار فيما بدأوه خوفا من احتمالية القفز على مطالبهم، من ثم ضرورة مواصلة الضغط أكثر لضمان تحقيقها والاطمئنان التام لسقوط النظام فعليا.

ورصدًا لهذا المشهد على الساحة الأن تأتى أهمية إعادة القراءة والعرض للرواية الانجليزية الخيالية "مزرعة الحيوان" أو (Animal Farm) لكاتبها جورج أورويل، تلك الرواية التى نشرت فى انجلترا فى السابع عشر من أغسطس عام 1945، لكنها ورغم ذلك لا ترصد أو تقدم قراءة فقط لمشهد الثورة، لكنها ربما تقفز أيضا بأحداثها فوق حاجز الزمن لتدق جرس الإنذار وتوجه التحذير للثوار من دفع البعض لهم لاختطاف ثورتهم بأيديهم، ذلك من خلال القالب الخيالى البحت للأحداث، الذى  يدور حول مجموعة من الحيوانات التى تعانى من ضيق معيشتها  داخل مزرعة يملكها اجليزى سكير يدعى (جونز)، مما يدفعها إلى التخطيط  للقيام بثورة انقلابية على أساس مجموعة من المبادئ التأسيسية وضعها خنزير عجوز يدعى"ماجور" فى خطاب له قبيل وفاته، دعى فيه إلى عصر جديد أكثر عدلا ومساواة تسود فيه الحيوانات وينتهى عصر سيادة الإنسان لها.

وتستمر الرواية فى سرد مشاهد ما بعد نجاح الثورة التى جاءت دون تخطيط من جانب الحيوانات، حيث بدأت تتبلور شخصيات أمثال: نابليون وسنوبول وسكويلر، وهم ثلاثة خنازير كانوا قادة العمل الثورى، حيث نابليون السياسى المحنك قوي الشكيمة، وسنوبول واسع الذكاء والمعرفة، وسكويلر الضعيف المقنع والمتحدث اللبق القادر على قلب "الحق باطلا والباطل حقا"، ومع تبلور هذه الشخصيات الثلاث تبدأ ترتيبات ما بعد الثورة فى التشكل، حيث التحول الطبقى فى مزرعة الحيوانات، ذلك بعدما وجدت الخنازير نفسها تسيطر فعليا علي مجريات الأمور بسبب تفوقها الذهنى من جهة وغباء باقى الحيوانات من جهة أخرى، بل ولتتحول هذه السيطرة رويدا رويدا إلى حكم استبدادى من جانب الخنازير لباقى الحيوانات، لتصل الأمور بعدها إلى قمة الاستبداد عن طريق عزل نابليون لسنوبول، ذلك بحجة أنه كان متعاونا مع "البنى آدمين" لاستعادة سيطرتهم على المزرعة، وهنا يظهر دور البوق الإعلامى لسكويلر، الذى استطاع بلباقته إقناع الحيوانات بعكس ما كانوا يرونه ويعرفونه عن سنوبول، ثم عن كل شىء لاحقا.

وتتتابع الأحداث ليتحول نابليون إلى زعيم، لا يظهر إلا في المناسبات، ويلقى ببياناته، التى تتحول لاحقا إلى أوامر، عبر سكويلر، وتدريجيا تبدأ حصة الحيوانات من الطعام تقل شيئا فشيء، ولكن دائما سكويلر كان يؤكد أنها أكثر بكثير من حصتهم عندما كان جونز سيد المزرعة، وكانت الحيوانات تصدق رغم جوعها. ثم بالتدريج يبدأ نابليون وأعوانه في تغيير (قيم ماجور) ومبادئ الثورة التى قام بها الحيوانات، حيث بدأ التغيير فى الوصايا السبع التى تضمنها خطابه ونقشت على حائط المزرعة فور اندلاع الثورة.

وفي النهاية نجد نابليون وقد سكن بيت

جونز بعد أن كان سكن المنازل محرما على الحيوانات، بل وبدأ يدخن ويشرب الخمر، وهو ما كان محرما أيضا، إلى أن ظهر نابليون واقفا علي قدمين، وليجلس هو وسكويلر مع مزارعين آخرين من الجيران، يلعبون الورق سويا، ويؤكد نابليون ألا مشكلة حقيقية بين الحيوانات وبين بنى آدم.

الرواية فى مجملها لا تعرض فقط إلى إمكانية فساد الثورة على أيدى قادتها، بل كذلك تشرح كيف أنه لا يمكن تدمير أعظم الأعمال أكثر من الانحراف عن أهدافها النبيلة واللامبالاة والجهل والطمع وقصر النظر، كذا فإنها تضرب مثلا  لمختلف الحركات السياسية والاجتماعية التى تطيح بالحكومات والمؤسسات الفاسدة غير الديمقراطية، إلا أنها تؤول نهاية هى نفسها إلى الفساد والقهر بسقوطها في بحر ملذات السلطة، ومن ثم استخدامها لذات الأساليب الديكتاتورية للاحتفاظ بها، وهو ما حدث فعليا فى العديد من الدول من قبل.

وفى إطار الحديث عن "الثورة المضادة" اليوم  فإن الرواية قد تحمل أكثر من التحذير لثوار يناير، لاسيما ما تحمله فى طياتها من إسقاط قريب الشبه على أحداث ما بعد الثورة، خاصة فى ظل ما بدأت تكشف عنه الكثير من المشاهد الآن من وجود خطة مدبرة لاختطاف الثورة من جانب بقايا رموز النظام الكامنة فى كافة المجالات، والتى تسعى إلى إنجاح عملية "استناخ" النظام السابق تحت عباءة"جديدة"، ذلك من أجل ضمان ابتعادها عن الملاحقة والمحاسبة القانونية والقفز على أهداف الثورة، والتى جاء من أهم أهدافها القضاء على الفساد ومحاكمة رموزه.

من ثم فقد بات الظرف يقتضى ضرورة الحذر، بل وربما اللجوء إلى إحداث ثورة على الثورة من خلال ذات الشباب الواعى الذى خرج فى 25يناير وظل صامدا على مواقفه حتى 11فبراير، ليجبر رأس الفساد على الانحناء أمامه، وهو نفسه القادر اليوم على طرد فلول النظام وأعوانه فى الداخل والحفاظ على مكتسبات ثورته، كذا فعلى المجلس العسكرى البدء فى الانتقال بدوره من مجرد (رد الفعل) على الأحداث، ليصبح فاعلا ومؤثرا فيها، ذلك حتى لا تتحقق مقولة الرئيس الجزائرى الراحل بومدين: "الأذكياء يخططون للثورة.. والنبلاء ينفذون الثورة.. والإنتهازيون يجنون ثمار الثورة".