عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الإخوان.. الدعوة قبل السياسة

تعرضت جماعة الإخوان لحملة شديدة جداً من التشويه طيلة عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بالإضافة إلي القمع البوليسي، وجاء المرحوم عمر التلمساني مرشداً جديداً للجماعة بعد وفاة مرشدها السابق وذلك في بدايات عهد السادات،

ووضع نصب عينيه تحسين صورة الجماعة السيئة وجعلها «حلوة» في نظر الشعب الذين يمثلون الناس العاديين.. ولتحقيق هذا الهدف جعل الدعوة في المقام الأول تأتي قبل السياسة، رغم أنه كان سياسياً من الطراز الأول بدليل تحالفه مع حزب الوفد الليبرالي، وهذا أمر لم يخطر علي بال أحد أبداً قبل مجيء التلمساني وسراج الدين وربنا يرحم الجميع.
وقد تسألني عن معني هذا الذي ذكرته.. الدعوة قبل السياسة.. يعني إيه؟.. والرد: الانفتاح علي الآخرين وتحسين علاقات الجماعة مع خصومها ولو كان ذلك مقابل تقديم تنازلات سياسية بشرط ألا يكون ذلك علي حساب المبادئ أو أركان الدعوة.
وهذا الذي ذكرته لحضرتك كلام نظري جميل، لكن تطبيقه كان صعباً جداً جداً.. وتعرض أستاذي - وتاج راسي - عمر التلمساني لحملة شديدة من المتشددين الإسلاميين، وحتي من الإخوان غير الملتزمين لإصراره علي أمرين تحديداً وهما: ترسيخ مفهوم رفض العنف عند المتدينين، والانفتاح علي المجتمع المدني بكافة أطيافه!
وكانت الداخلية تتصل بمرشد الإخوان وتدعوه إلي الذهاب للجامعات من أجل تهدئة الطلبة فكان لا يتردد في فعل ذلك، وهذا ما كان يثير حفيظة عدد من الإخوة، واتهمته بعض القيادات الإسلامية بالتخاذل وأنه تخلي عن مفهوم الجهاد، والغريب أنه بعد أكثر من ثلاثين سنة «ضبط» أحد تلك القيادات التاريخية المحترمة يشن هجوماً لاذعاً بالأمس علي الإخوان احتجاجاً علي موقفهم من الترشح لرئاسة الجمهورية.
وشاهدت أستاذي يذهب إلي خصوم الدعوة ويحاورهم مثل لقائه في مجلة «المصور» بدار الهلال الذي أثار ضجة كبري في وقتها، بسبب ما قاله مرشدنا لـ «أمينة السعيد» التي كانت تشن حملات لاذعة علي الإخوان، لكن صورة الجماعة عندها تغيرت تماماً بعد هذا اللقاء.. وكذلك ذهابه إلي حزب التجمع الذي كان لا يتوقف عن انتقاد الجماعة.
وكانت الدولة تستعين بالرجل العظيم من أجل مساعدتها في إطفاء نيران الفتنة وفي إخمادها، وأشهد بحكم قربي منه أنه كان رجل إطفاء من الطراز الأول، وسعي من أجل علاقات قوية مع الأقباط، وفور عودة البابا شنودة رحمه الله إلي منصبه من جديد أوائل عام 1985 طلب مني ترتيب لقاء لزيارته في مقر الكاتدرائية، وهذا ما فعلته بالتعاون مع القبطي المخلص لكنيسته «أمين فخري عبدالنور» الذي يكمل في هذا العام قرناً كاملاً من عمره المديد.
وبسبب تقديمه الدعوة علي السياسة تحسنت صورة الإخوان كثيراً في نظر الرأي العام، وزالت كثير من الشوائب التي علقت بتلك الصورة، خاصة العنف والتطرف والتشدد، وأصبح عمر التلمساني، رحمه الله، ودعوته رمزاً للانفتاح والاعتدال والوسطية الإسلامية، وعندما وقف أمام السادات قائلاً: «أشكوك إلي الله» كانت مصر كلها معه، وكان يوماً حزيناً لبلادي عندما توفي عام 1986 الموافق لسنة 1406 من الهجرة، وجاءني عدد من زملائي الصحفيين الذين لا صلة لهم بالإخوان يقدمون العزاء قائلين «مصر خسرته».
وإذا سألتني من جديد: ولماذا أكتب في هذا التوقيت بالذات عن الماضي الجميل؟.. أقول لحضرتك: ما أحوج الإخوان إلي استرجاع هذا السلوك في الوقت الحالي، خاصة أن هناك قسماً مهماً من الرأي العام غير راض عن سلوك الإخوان السياسي، فما أشد حاجتهم إلي تقديم الدعوة والانفتاح علي الناس وجعلها في المقام الأول.