رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

"مجلس التعاون المصري الخليجي"....... نقطة نظام

الطرح الاعلامي الذي "كشفت" عنه صحيفة "الوطن" الكويتية الاربعاء قبل الماضي، أثار جدلاً هائلا لم يتوقف الى الأن، وخلاصته، أن مصادر خليجية كشفت للصحيفة عن اتصالات ومشاورات "تجريها دول مجلس التعاون الخليجي مع مصر"،

حول امكانية انضمام الأخيرة الى المجلس كعضو فاعل على غرار كل من الاردن والمغرب، مشيرة الى أن هناك دولا خليجية بعينها تتحمس لذلك انطلاقا من قناعتها بأن مصر وبما تملكه من امكانات ومايربطها من علاقات استراتيجية مع دول "الخليجي"، وكذلك الارتباط التاريخي لأمنها مع أمن الخليج قادرة على المساهمة الى حد بعيد في حفظ الامن والاستقرار بالمنطقة.
واستطردت الصحيفة بأن "مصادرها" أشارت إلى أن المشاورات المبدئية "أظهرت ترحيباً مبدئياً من جانب القاهرة بالوجود في إطار مجموعة مجلس التعاون الخليجي في أي صيغة للتعاون الاقتصادي والأمني والثقافي وغيره من مجالات التعاون، ولا تضع شروطاً مسبقة في هذا الخصوص انطلاقاً من القناعة المصرية بأهمية تفعيل العمل العربي المشترك على كافة المستويات الثنائية والجماعية وأن ذلك يصب في المصلحة العربية العليا بشكل عام".
ثم ما هي ساعات معدودة حتى إكتفى وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو بنفى أى علم لديه بوجود أى عرض على مصر للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجى، مشيرا إلى أن أحدا قد أبلغه بوجود تقرير صحفى عن ذلك، لكنه لم يتسلم أى عرض رسمى أو شفوى فى هذا الصدد.
الطرح الاعلامي بهذا الشكل "يكشف"عن أزمتين حادتين، الأولى مهنية خاصة بالصحيفة صاحبة السبق ومصداقيتها و"سذاجة الكمين" الذي وقعت فيه، حيث تم استخدامها كقناة لجس نبض الرأي العام وقياس ردود الأفعال سواء كانت مصرية أو خليجية حول موضوع شائك، عبر تسريب مقصود لمعلومات غير حقيقية من قبيل "وجود إتصالات مكثفة بين الطرفين" و"أن المشاورات المبدئية أظهرت ترحيبا مبدئيا من جانب القاهرة"
أما الأزمة الثانية ، وهي الأهم، فهي سياسية خالصة وتكشف عن خلل في المنظومة السياسية العربية بشكل عام، وذلك من عدة نواحي:
أولاً: توقيت طرح المبادرة  قد جانبه الصواب إذ أن الوضع السياسي الراهن في مصر لم تتبلور معالمه التشريعية والرئاسية وهو أمر غاية في الأهمية، إذا أن السياسات الآنية والمستقبلية لنتائج الثورة المصرية في مرحلة مخاض جديد قد يختلف كلياً عن مسار وتاريخ سياسي، ليس في عهد الرئيس السابق حسني مبارك فقط، ولكن ربما يختلف عن حقبتي الرئيسان السابقان جمال عبد الناصر وأنور السادات  ولايعرف منه الى الأن إلا "زئير الشعب"، وهو أمر لايمكن تهميشه تحت أية حسابات. وهذا الطرح في هذا التوقيت "لا يثمن ولا يغني من جوع"، إذا ما رغبنا في اصطفاف رجاحة العقول ـ لمجرد النقاش الهادئ للوصول الى نتيجة "حاسمة" لمعنى الطرح أو الخلاص منه أو البحث عن بدائل تحقق ما تسعى اليه السياسيات والطروحات.
ثانياً: العلاقات المصرية الخليجية في أشد الحاجة لـ نقطة نظام أى إعادة ترتيب الأوراق التي تبعثرت عبر حقب سياسية أهمها فترتين هما هجرة رموز جماعة الاخوان المسلمين في الخمسينيات والسينيات واحتواءهم في الكيانات الخليجية بإعتبارهم رجال دين ينتهجون الاعتدال والوسطية، والثانية هي حقبة ما بعد ظهور "الذهب الأسود" أي النفط، الذي ولدت معه حالة من هجرة الكفاءات المصرية في السبعينيات، ومن ثم بدء عجلة التنمية والتطور، في مقابل  تواتر عصر "الانحطاط  السياسي" في مصر وتعاقب سلسلة التدهور في منظومة "الحراك السياسي الفئوي" للسلطات الحاكمة، والذي جاء على حساب الولاءات للوطن، وكرامة المواطن ومكتسباته وما سببه ذلك من تدهور في صلب المنظومة التعليمية والمجتمعية الى درجات ومستويات أقل مما يطمح اليه المواطن المصري، فضلاً عن جمود وتدهور في "العظم الاقتصادي".
ثالثاً: دشنت تلك المتغيرات حتى وقتنا الراهن بداية الخلافات والسجالات على مستوى صنع القرار السياسي تارة ، وعلى مستوي الرأي العام المصري الخليجي، وهو الأصعب تارة أخرى، تحت شعار "الأصالة والمعاصرة"، الأصالة التي صبت في غير موضعها، والمعاصرة التي ترغب في التنكر للماضي، واستمرار الشخصية المصرية في التمسك بفخر الماضي، مقابل التعمد الخليجي والعربي لجرح الشخصية المصرية والنيل منها، وما بين كل ذلك من متغير سياسي دولي، له توجهاته الخاصة، وساهم في ذلك وقود الاعلام غير الواعي، فاصبحنا في الحقيقة أمام جسد رخو وواهن من العلاقات المصرية الخليجية إن لم تكن العلاقات المصرية العربية بشكل عام، تحتاج  تدخل جراحي لانقاذ ما يمكن انقاذه.
رابعاً انعدام الشفافية والوضوح ومحاولة القفز على النتائج جعلت من الرأي العام فاقداً لمصداقية ما يعرض عليه من سياسات تسحب من رصيد العلاقات المصرية الخليجية، خاصة الشعبوية أكثر مما تضيف إليه، ويرتهن الرأي العام عندئذ لنواقص المهام الدبلوماسية العاجزة أصلاً عن ادراك الحلول، دون الولوج الى التشخيص الملاءم للحالة ومن ثم انتهاج وسائل العلاج الناجزة.
والمصريون في الخارج وعددهم يتراوح، بحسب إحصائيات تقريبيةــ بين ثمانية الى عشرة ملايين، منهم قرابة المليون في الولايات المتحدة وحدها، وهذا العدد أيضا ليس دقيقاً، وفي بريطانيا يتراوح عددهم بين المائتي ألف الى اربعمائة ألف مصري، طبقاً للهجرات الشرعية وغير الشرعية في أغلب الدول الأوروبية، بجانب الرعايا في بقية دول العالم، بنسبة تقريبية 40%، إضافة الى الرعايا في الدول الخليجية والعربية بنسية تقريبية 60%، يروون أن أداء وزاة الخارجية على مدى العقود الثلاثة الماضية بشكل خاص، سجل حضوراَ رخواً جعلهم، أي المصريون، يشعرون بأنهم لقمة سائغة، وبأن "دولتهم ساقطة" من حساباتهم لدرجة أن الكثيرين منهم كانوا لا يلجأون الى سفاراتهم في كثير من دول العالم، ويفضلون الخوض في معارك قانونية وإعلامية وغيرها لاستدراك بعض حقوقهم، وهو أمر لو تعلمون عظيم، في تأزيم العلاقات المصرية العربية، لو أن القائمون على أمر الخارجية المصرية لم ينصرفوا الى الانكفاء حول ذواتهم ومصالحهم الضيقة وبقوا خداماً لأوطانهم ورعاياهم على أفضل ما يكون الأداء.
والمفارقة أن حقبة الرئيس المصري السابق حسني مبارك على مدى قرابة 30 عاماً، رغم التقارب على مستوى العلاقات الدبلوماسية الثنائية المصرية الخليجية والمصرية العربية، قد سجلت مشكلات مفصلية طالت الرعايا المصريين كانت أكثرها عدداً في بعض الدول الخليجية، على رأسها السعودية والكويت وأقلها في بقية دول مجلس التعاون الست، قطر والبحرين وسلطنة عمان والامارات، انتجت بفعل شرارة الآخرين والمستفيدن من تأزم العلاقات في المنطقة، "رأياً معمماً" قد ينسحب على الأغلبية الثنائية، وهو الأمر الأخطر في علاقات الشعوب، إذ لا تحكمه معايير الموضوعية، ولكن تتملكه وتسيطر عليه "عشوائية" الأحكام و"وباء" الشائعات و"نقائص" التضليل

الاعلامي، بجانب سياسات ترحيل الأزمات، وعدم الحسم الفوري استناداُ الى الذاكرة المثقوبة للشعوب.
خامساً أن الارضية التي استندت اليها المصادر الخليجية في تحمسها لفكرة انضمام مصر للمجلس ــــ ارتكزت على مستجدات لمتغيرات الوضع الراهن في المنطقة بشكل عام ـــــ بإعتبار مصر هي الأقرب للتعاون مع دول "الخليجي" في ظل المصالح المشتركة بعد خطوة دعوة الاردن والمغرب، إضافة الى ان الحاجة والظروف الحالية زادت، بحسب المصادر الخليجية، من أهمية الدور المصري في المستوي العربي عموما، والخليجي بصورة خاصة بعد التغيير في العراق والتدخل الايراني السافر في شؤونه.
سادساً أن هناك حقيقة راسخة وثوابت استراتيجية مصرية على المستويين الرسمي والشعبي، تسمو فوق أية خلافات وهي أن أمن الخليج جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، وهي عقيدة "تشربناها" ونحن تلاميذ صغار في كتب التاريخ والجغرافيا وأوجاع القومية العربية و"ادمان الحروب"، ولايستطيع أي جندي مصري أن يحنث بهذا العهد مهما "تحفظ" على "تعمد" التأثير على الكبير والنيل منه، من جهات محلية وخارجية ومؤسسات وولاءات يصعب حصرها داخل الخريطة العربية نفسها، بل داخل الوطن الواحد، ومن المفارقة أنهما يظلان، العقيدة والتحفظ خطان متوازيان.
سادساً أن التقارب المصري الايراني في أعقاب الثورة المصرية وسقوط مبارك، يعزز فعلا، القناعة الخليجية بأنه يمكن أن يكون في مصلحة الامن والاستقرار في المنطقة بشكل عام، هذا إذا ما وضعنا في الاعتبار حسابات الدول الكبرى، ولكن المشكلة الأكبر أن الرأي العام المصري على مجملة وربما النخبة، يعانون نقصاً في ثقافة "الآخر الايراني"، بل ويحتاجون إلى إعادة التعريف بالسياسات الايرانية "الزئبيقة"، فـالشيطان يكمن في التفاصيل إذا ما أراد المصريون المشي على حبال الاشواك التي تصنعها "عمائم المراجع الدينية" العليا والدنيا في طهران وقم والنجف والجنوب البناني.... وغيرها وغيرها.
سابعاً أن دعوة مصر للانضمام تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي، وقت طرحها مؤخراً من جانب "الوطن" الكويتية، وتلقفها موقع "العربية نت"ومواقع مصرية كثيرة، لقيت استجابة كبيرة من جانب المدونيين قاربت الألفين تعليق،أكثرها في "العربية نت" حوالي1300 تعليق، تراوحتبين بين الرفض الواضح من جانب مصريين ومنطقهم أن مصر لا تنضم، بل مجلس التعاون هو الذي ينضم ويصبح المسمى في تلك الحالة "مجلس التعاون المصري الخليجي"، وبين الرفض القاطع أيضاً من جانب فصيل من الرأي العام الخليجي الذي يرى أن مظلة "التعاون الخليجي" لا تحمى أكثر من أعضاءها وأن ثمة مخاوف من تأثر حقوق المواطن الخليجي وضياع مكتسبات الثروة النفطية، بزيادة عدد الأعضاء، وهذا الفريق يرى أن مسألة المخاوف الأمنية يمكن علاجها بالتحالفات العسكرية مع الولايات المتحدة والدول الكبرى إذا ما استمر التهديد الايراني لدول المنطقة. وتراوحت الأراء الأخرى بين الترحيب بالدعوة أيضا ولكن على أرضية "المظلة الاسلامية"، وهي النقطة الأضعف مع ايران، تلك "الدولة الدينية" التي شعرك بأنها تنتهج اسلاماً آخر غير الذي نعرف.
ثامناً هناك قناعة مبدئية بأن التوصل الى اتفاقات واضحة وشفافة، مصرية خليجية تغطي مجالات الدفاع المشترك والاقتصاد والتجارة ربما تكون أكثر نجاعة من الدخول في مظلة واحدة، تكهنت ردرود الافعال ــ راضية وقانعة ـــــ باستحالة تطبيقها خشية تعميق "الجروح الكامنة"، كما أن مسالة التكتل العسكري الواحد هو أمر يصعب التوصل اليه في ظل تداخلات دولية ووضع اقليمي معقد، ويحضرني في هذا تحقيق صحفي في عام 1990  نشر في صحيفة "الوفد" حيث كنت أُشًرف على صفحة "الاستراتيجية"، بحثت فيه مع خبراء عسكرين واستراتيجيين وسياسيين، تحت عنوان "نحو تكوين جيش عربي موحد"، خلُص في النهاية الى صعوبة تحقيق هذا الأمل لحالة الانقسام العربي القابلة للتضخم، وحسابات التكتلات الدولية والوضع الاقليمي تارة أخرى.
لعل العلاقات المصرية الخليجية تحتاج الى نقطة نظام وخارطة طريق محددة المعالم، اذا ما خلصت النوايا، تبنى على قاعدة أن الاشارة الحمراء وجدت لتنظيم المرور، وبدونها تفرض الفوضى منطقها وناموسها وتقع الحوادث وتكثر المشكلات، ولهذا فالعلاقات المصرية الخليجية، إن أُريد لها الدفع للأمام، مرهونة بإعادة الترتيب والوعي والاحترام المتبادل والشفافية والمصداقية والتمسك بآمال الشعوب وخدمتها، وتنقية السرائر، وتعظيم الولاءلات للأوطان، لا على الصراع بين حقائق التاريخ والغاء الآخر، ولا بتسريبات صحفية مغلوطة، تلك هي بداية الطريق الصحيح نحو ثروة بشرية شاملة قوية عفية رصيدها العدل والعلم والمعرفة والثقافة الانسانية الواسعة والسلوك الحضاري القويم.