رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ساعة موت.. في القبر المغناطيسي !!

العالم الآن بدأ يفكر في العلاج النفسي بالموت، أي يضع الإنسان نفسه في قبر أو تابوت ويضجع فيه ليخرج مكنونات مرضه النفسي، وهو على هذه الحالة، التي سيصل إليها حتما كل إنسان على قيد الحياة،

وإن كان المسألة بدأت صينية، في عصرنا الحالي  فقد طبقها كثير من زهاد الإسلام منذ قرون عديدة،  وكان الواحد منهم ( الإمام سفيان الثوري، والربيع بن خيثم) وغيرهما يحفرون قبورهم ويضجعون فيها ثم يخاطبون أنفسهم بخطاب الوعظ وتمني النفس بالرجوع للعمل الصالح،  أي أنهم قد رجعوا في الدنيا فماذا هم فاعلون ومقدمون لله تعالى قبل أن يقال لهم ردا على طلب الحقيقي بعد الموت برجوعهم للدنيا للعمل الصالح : { كلا}.
أنا أعلم أن أكثركم يجفل من ذكر الموت، وسيرة الموت، لأن النفس -أو على الأقل نفوسنا الآن- لم تعد تريد إلا الحياة الحلوة بمالها وسلطانها وشبابها ونسائها وملذاتها وأهوائها وحلالها وحرامها، وحلوها وحامضها وزخرفها وبهرجها وزينتها ولهوها ولعبها وتفاخرها وتكاثرها, وكل ما فيها من حلو وجذاب، وننسى «حق اليقين» وهو الشيء الذي لابد منه, والكأس الذي لا بد من شرابه، والورد الذي لابد من وروده، والباب الذي لابد من دخوله، وأعني به الموت..
لكن بالرغم من كل ذلك فلابد أن أعيشكم هذه الساعة التي عشتها في رحاب الموت، بعد أن تم تكفيني وتربيط رأسي وعنقي وبطني ورجلي ويدي، ونقلت على النعش, وحيدا فريدا.. لا زوجة، ولا ابن أو ابنة، ولا صديق، ولا حبيب، ثم دخلت القبر ومددت فيه هذه المسافة الزمنية، التي أشعرتني بحقارة الدنيا وهوانها وأنها كما أخبر سيد البشر صلى الله عليه وسلم:« لا تساوي عند الله جناح بعوضة".
نعم ذقت الموت ورأيته بأم عيني, ولم يحكِ لي أحد التجربة, بل أنا الذي مررت بها و ذقتها وعرفتها وتذكرت فيها قول الله تعالى عن الموت:{ ولقد كنتم تمنون الموت من قبل أن تلقوه, فقد رأيتموه وأنتم تنظرون}.. ومرت عليَّ خمسة وثلاثون موضعا ذكر الله تعالى فيها الموت في قرآنه الكريم شيبتني وزلزلت نفسي وعرفتني أنني ضعيف أمام قوة الله وأمام سره العظيم في حقيقته الخالدة ألا وهي الموت, وعشت في حياة البرزخ، وأول منازل يوم القيامة, وهو القبر, ولم أملك خلال هذا الوقت إلا أن أتشهد وأتحقول-أي أقول لا حول ولا قوة إلا بالله - وأوحد الله بلساني وجناني, وأصلى على عبده رسوله وسيد ولد آدم, محمد صلى الله عليه وسلم وأستحضر عقلي وفؤادي وإيماني للرد على أسئلة منكر ونكير ولساني لا يزال يلهج بقراءة القرآن الكريم.
ولنبدأ الحكاية من أولها..
منذ سنوات طويلة -يعني مع بداية شهرة الأشعة المغناطيسية- ألم بي مرض في غضاريف رقبتي ولم يفلح استشاري العظام في واحد من أكبر مستشفى خاص-لن أذكر اسمه- في كشف ما بي، ولم تفدني مراهمه وكبسولاته ولا حتى إبره التي اقترحها لي أن تغرز في موضع الألم, واستمر الحال يوما بعد يوم ، وازدادت الآلام, ولم يسعفني إلا الله الذي أرسل لي صديقا حبيبا قادني إلى مستشفى ليس خاصا بل حكوميا, وما قصَّر أطباؤه في العناية والرعاية وقرروا أن يجروا لي أشعة مغناطيسية, للتأكد من سلامة الغضاريف, وبدأت إجراءات عمل الأشعة العجيبة الغريبة..
دخلت غرفة تبديل الملابس فتخليت عن ثيابي، ولبست "الروب" الذي هو أشبه بالكفن ما عدا لونه, فليس له جيوب, وليس له من الوجاهة ما يجعلك فرحا بلبسه, وتمددت على نقالة أشبه بنعش الموت، أو على« آلة حدباء», وتم تغطيتي بملاءات بيضاء مثل ملابس الكفن، ثم ربطوا يدي ورجلي وساقي وبطني ورأسي ورقبتي وطُوِّقتُ من كل جسدي, ثم ضغطوا على "زر" فسار بي النعش في غرفة ضيقة ضيق القبر، ونورها خافت, وأنا معصوب الأطراف لا أكاد أبين ولا يمكنني التحرك، وتذكرت ساعتها قول كعب بن زهير:
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته/ يوما على آلة حدباء محمول
فتحت عيني فتملكني خوف شديد, إذا رأيت سقف القبر في رأسي ويكاد يلمس رموش عيني, أغمضت عيني, ونسيت نفسي والدنيا وزوجتي الذي تجلس في البيت على أحر من الجمر تترقب بدموعها ما الذي جرى لي , وهي تجأر إلى الله بالدعاء وطلب الرحمة والشفاء، وأولادي الذين ودعوني بوجل وهم يرفعون أكف الدعاء إلى الله قائلين

:" يارب اشف لنا بابا يارب"!!
لم أتذكر أي شيء في دنياي إلا أنني ميت وابن ميت.. نسيت أهلي وأولادي  ومالي  وبيتي وسيارتي وأمي وأبي وأخوتي وأصدقائي وأحبابي, والصحافة وعالمها الكبير والزملاء ورئيس التحرير والصحيفة والقراء والدنيا كلها بمن فيها وما فيها, وتلوت قول الله تعالى : { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم..}.. وانتظرت بحق مجيء منكر ونكير وسؤالهما لي وسألت الله تعالى التثبيت.
خاطبتي نفسي: " يا هذا.. يا هووه  إيش  الحكاية؟ أنت حي وعلى ظهر الدنيا هذه كلها تخيلات وتهيؤات" , وزاد من ذلك أن طن في أذني مكبر صوت داخل من السقف الذي يكاد يلمس رأسي: هي تسمعني؟ ما اسمك ؟ وكم عمرك؟ لا تتحرك أي حركة, لا تنزعج من الأصوات العالية والخبط الذي ستسمعه بعد قليل.. وأكد لي ذلك كله أنني على قيد الحياة وأنني أسمع وأرى ..
وبالرغم من ذلك جلست أعيش هذه اللحظات على أنها لحظات موت وأن المكان المغناطيسي هذا هو قبر حقيقي وأنني ربما بالفعل أموت من لحظتي هذه فماذا يكون قولي لربي ولرسل ربي وكيف أقدم على الله وما قدمت لي علما ولا عملا!!
لم أملك سوى دموعي أقدمها بين يدي ربي في هذه اللحظات, وتلوت سورة يس, ولم تنته المدة ولم يسكت عني الخبط على رأسي فأتبعتها بالواقعة, ثم بالملك, ثم بآية الكرسي وخواتيم البقرة, والزلزلة والتكاثر والقارعة والمعوذات وتشهدت ودربت لساني على الإجابة عن سؤال منكر ونكير: وأنا أقول: " الله ربي، الإسلام ديني، ومحمد صلى الله عليه وسلم نبيي ورسولي, والقرآن كتابي، والكعبة قبلتي." وأقول: " ياربي  ويارب كل شيء إني أُشهِدك وأُشهِد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك".
وانتهى الخبط عني وتم سحبي من القبر وفكوا عني الأربطة التي على أطرافي، وقمت لأرتدي ثيابي وأرجع إلى الدنيا مرة ثانية..
كان هذا اختبارا شديدا مر بي وعرفني من أنا، وكيف أنني وأنت وأنتم سوف نلقي حقيقة في قبر حقيقي لا ينفعنا فيه سوى ما قدمنا من عمل صالح وتقوى لله ربنا، والفرصة لا تزال أمامنا، فالله "يقبل التوبة من عبده ما لم يغرغر" وما لم تصل الروح الحلقوم، والحمد لله لم تصل الروح بعد إلى الحلقوم، فهل ننتهزها فرصة ونقف نراجع أنفسنا مع الله ونستعد إلى لقاء الله بإخلاص شديد وإيمان قوي وعمل صالح، نراعي فيه وجه الله، فهل نفعل قبل فوات الأوان, وقبل أن نرجو من الله أن نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل، أو نقول كما قال العبد الطالح عند الموت:{ رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت} فيقال لنا كما قيل له:{ كلا، إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون}.
[email protected]