رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ليس دفاعا عن القرضاوي وإنما دفاع عن الحقيقة

كتب الدكتور سعد الدين إبراهيم مقالا في جريدة المصري اليوم يوم السبت 2| 7 | 2011 بعنوان "هل هناك اتفاق بين المجلس العسكري والإخوان" يتناول فيه السبب في إصرار الإخوان المسلمين والمجلس العسكري على ضرورة إجراء الانتخابات في سبتمبر وبعد أن يدلل الدكتور على أن الإخوان قاموا باختطاف الثورة وتساءل مستنكرا : هل يعقل أن يتواطأ المجلس العسكري مع من يحاولون اختطاف الثورة؟

 

والمقال – رغم قصره – مليء بالكثير من الأمور التي تستدعي المناقشة والجدال ، لعل أولها قول الدكتور أن تأجيل الانتخابات مطلب شعبي عبرت عنه كل القوى السياسية باستثناء الإخوان ، ولعل في هذا القول بعض الحقيقة ولكنه يخفي خلفه حقيقة أكبر هي أن عقد الانتخابات في موعدها في سبتمبر هو المطلب الشعبي الحقيقي الذي عبرت عنه جماهير الأمة في أول استفتاء شعبي نزيه منذ ستين عاما او يزيد.

لكن القضية الأخطر التي يتضمنها هذا المقال تتعلق بالعلامة يوسف القرضاوي وهي التي سوف نركز عليها في مقالنا هذا.

فالدكتور سعد لم يجد دليلا واحدا على اختطاف الإخوان للثورة اللهم إلا إمامة القرضاوي لصلاة الجمعة في ميدان التحرير ، ومن أجل هذا راح يستعرض السوابق التاريخية في اختطاف الثورات بدءا من الثورة الروسية وكيف اختطفها البلاشفة بقيادة لينين وانتهاء بالثورة الإيرانية وكيف اختطفها الإمام الخميني وأنصاره.

ولكي يدلل الرجل على التطابق التام بين عملية اختطاف الإخوان للثورة وبين اختطاف الثورتين السابقتين يورد الدليل التالي "حينما شاهد كثيرون على شاشة التليفزيون في الأسبوع الثالث للثورة الشيخ يوسف القرضاوي الذي أتى من منفاه الاختياري في دولة قطر ليخطب صلاة الجمعة في ميدان التحرير استعاد بعض المؤرخين مشهد عوة لينين ومشهد عودة الخوميني الى طهران سنة 1979".

ولست أدري من هم هؤلاء المؤرخين الذين ربطوا بين هذه المشاهد الثلاثة المختلفة والذين يقصدهم الدكتور سعد الدين ابراهيم.

كل ما أدريه أن أول من أطلق هذه المقولة هو الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في حديث تليفزيوني أذيع عقب نجاح الثورة حيث قارن بين إمامة الشيخ القرضاوي لصلاة الجمعة وعودة الخوميني عقب نجاح الثورة الإيرانية.

وبعد هذا الحديث بأيام قليلة اندفع الكاتبان الكبيران يوسف القعيد وجمال الغيطاني – كعادتيهما دائما في تقديس كل مايقوله الأستاذ هيكل – ليرددوا هذه المقولة في اجتماع المجلس العسكري مع المثقفين. ثم شاعت هذه المقولة على ألسنة وأقلام الكثير من المحللين السياسيين – وما أكثرهم في هذه الأيام – في عراكهم مع خصومهم من الإخوان وغيرهم من الإسلاميين.

حدث هذا دون أن يتوقف أحد من الذين أطلقوا هذه المقولة أو استخدموها ليناقش مدى التطابق الحادث بين إمامة القرضاوي للصلاة في ميدان التحرير وعودة الخوميني كما قال الأستاذ هيكل وعودة لينين كما ورد في الإضافة التاريخية المهمة التي أضافها الدكتور سعد الدين ابراهيم ، ولست أدري حقيقة أي رابط يربط بين هذه الأحداث الثلاثة ، فمبلغ علمي أن الإمام الخوميني لم يعد إلى طهران ليؤم الثوار في صلاة الجمعة كما فعل القرضاوي وإنما عاد الى طهران كقائد أعلى لهذه الثورة واستقبلته الجماهير الحاشدة التي كأنت تنتظره في المطار على هذا الأساس وحملت سيارته على الأكتاف لساعات طويلة على هذا الأساس ومن ثم كان أمرا طبيعيا أن يتولى الرجل الأمر في إيران وأن يصبح مرشدا أعلى للثورة الإسلامية وهذا على عكس ما فعله القرضاوي تماما فالقرضاوي إنما جاء ليحتفل بنجاح الثورة مع الثوار ويؤمهم في صلاة الجمعة وما أن انتهت الصلاة حتى عاد الشيخ الى قطر.

فأي رابط يربط بين هذين الحدثين المختلفين اللهم إلا أن بطل كل منهما إمام جليل له عند المسلمين مكان ومكانة.

أما الربط بين القرضاوي ولينين – كما يزيد سعد الدين ابراهيم على هيكل لا لغرض سوى أن يختلف شيئا ما عن هيكل – فهو ربط غريب تماما ، فلعلنا نعرف أن لينين لم يؤم الثوار في مسجد موسكو أو يقيم قداسا للنصر في أحد كنائسها ولكنه عاد فقط ليقود الثورة – أو ليختطفها لا فرق عندنا – وليحكم روسيا.

فما الصلة إذن بين ما فعله لينين وما فعله القرضاوي؟

القرضاوي أيها السادة جاء لغرض واحد ووحيد جاء ليصلي بالثوار ويحتفل معهم بالنصر ، ولعل الذين رتبوا لهذا الامر إنما أرادوا أن يستثمروا رأس المال الرمزي الذي يمثله القرضاوي في مصر والعالم الإسلامي كله جلبا للتأييد الشعبي في مصر أولا وفي العالم الإسلامي ثانيا وأعتقد أنهم كانوا محقين تماما في هذا الأمر فليس هناك في العالم الإسلامي من هو في قامة الشيخ ومكانته العلمية والدينية.

هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فالشيخ هو العالم الوحيد الذي أيد الثورة منذ يومها الأول بل أعلنها صارخة مدوية مناديا برحيل مبارك "الذي خربها وقعد على تلها" قالها الرجل دون أن يناور او يداور كما فعل الكثير من الكبار وقتها ، أعلن الشيخ هذا منذ اللحظة الأولى ولم يكن أشد المتفائلين وقتها متيقنا من نجاح الثورة ، ولعل الكثيرين من محبي الشيخ قد أشفقوا عليه من مغبة هذا الانحياز الصارخ للثورة متناسين أن الشيخ الذي اشتهر دائما بالتساهل في فتواه تيسيرا على جموع الناس كان متشددا دائما في معارك الأمة الكبرى وقضاياها المصيرية وكان يقف دوما في صف الجماهير مطالبا بالشورى والديموقراطية ضد "ظلم الحكام وحكم الظلام" بحسب تعبيره الشهير. فهل هناك أولى من فقيه الثورة أن يكون إماما للثوار يوم نجاح الثورة.

...................

حاصل الأمر إذن أن الحقائق الصلبة أمامنا تقول أن الشيخ القرضاوي إنما جاء ليصلي ويبارك الثورة وحسب ، أما الأسطورة الشائعة فتقول شيئا آخر مختلفا.

فلماذا لا ننحي الحقائق الصلبة جانبا لبعض الوقت ونتتبع هذه الأسطورة لنناقشها من داخلها ونقلبها على جميع وجوهها الممكنة حتى يتبن لنا وجه الحق فهذه الأسطورة تفترض أن الشيخ جاء إلى مصر تحدوه رغبة دفينة أن يكرر ما فعله الخوميني (ولندع لينين جانبا الآن) وأن يتوج قائدا أعلى للثورة ومرشدا روحيا لها ، ولعلنا نسأل هل احتفظ الشيخ بهذه الرغبة لنفسه أم أنه أطلع عليها أحدا غيره؟ ولعل الأقرب إلى العقل والمنطق أن الشيخ لابد أنه أخبر أحدا بهذه الرغبة ، ولعل الأقرب إلى العقل والمنطق أيضا أن اتفاقا تم بليل بين الشيخ وحلفائه الطبيعيين وهم الإخوان كما تفترض الأسطورة ، ولكن هذا الاتفاق بين الشيخ والإخوان كان يتطلب شواهد وعلامات على أرض الواقع تؤكد حدوثه .. كأن نسمع الهتافات المدوية باسم الشيخ ترج الميدان أو نرى المتحدثين على المنصة – وكان أكثرهم من الإخوان – وهم يطالبون بتنصيب الشيخ مرشدا أعلى للثورة ، بل كان من المفترض أن نرى شباب الإخوان – وكانوا يسيطرون على الميدان – وهم يحملون عربة الشيخ فوق أكتافهم العريضة ويشقون بها شوارع القاهرة وهم يهتفون بملء حناجرهم القوية (بالروح بالدم نفديك يا قرضاوي) ، (عاش القرضاوي مرشدا للثورة)

أليس هذا ما كان يجب أن يحدث لو كان هناك اتفاق بين القرضاوي والإخوان ، ولكننا جميعا تابعنا هذا اليوم المشهود لحظة بلحظة

ولذا فإننا متأكدون أن شيئا من هذا لم يحدث وبالتالي يسقط هذا الافتراض وهو أن اتفاقا تم بين الشيخ والإخوان.

ولا يتبقى أمامنا إلا العودة إلى الافتراض الأول وهو أن الشيخ لم يخبر أحدا برغبته هذه الدفينة في السلطة ، وهذا أمر من أمور الغيب لا يعلمه إلا الله وحده الذي استأثر بعلم الغيب وحده فهو سبحانه الذي يعلم ما تكنه الأنفس وما تخفيه الصدور وهذا ما نعجز عنه نحن البشر الفانين. فكيف استطاع هيكل أو سعد الدين ابراهيم أو غيرهما أن يشقوا عن قلب الشيخ وأن يعلموا ما بداخله وأن يشاركوا الله – معاذ الله – بعض علمه ؟!

...........

أرأيتم مدى تهافت هذه الأسطورة ومجافاتها تماما للواقع كما شهدناه بأعيننا ولعل هذا ما يدفعنا إلى دراسة كيفية تخلق هذه الأسطورة وأسباب ذيوعها وانتشارها ، لقد وضعت البذور الأولى لهذه الاسطورة في الحديث التليفزيوني الذي اشرنا اليه حين شبه الاستاذ هيكل صلاة القرضاوي في التحرير بعودة الخوميني الى طهران ، ولعلنا نعلم غرام هيكل القديم بالتشبيهات وغيرها من الصور البلاغية ولعل الرجل قد راقه التشبيه من الناحية البلاغية البحتة فاستخدمه في حديثه ولعله حين يجلس ليكتب في هدوء عن أحداث الثورة سوف يستبعد هذا التشبيه على الفور لأنه لن يستطيع توثيقه على أرض الواقع كما يفعل دائما في كتاباته ، فعظمة هيكل ومكأنته الكبيرة إنما تتأتى من هذا التوازن الدقيق في عمله بين الجانب التوثيقي والمعلوماتي الذي يعتمد على أرشيفه الواسع من ناحية ، والجانب اللغوي والبلاغي من ناحية أخرى ، فهو مولع دائما بالصور البلاغية شديد الاحتفال باللغة التي قد تصل في بعض الاحيأن إلى درجة الشعر ، وهذا التوازن الدقيق يتضح أكثر في كتبه حيث يكون هناك فرصة للتدقيق والتوثيق والمراجعة ، أما في الأحاديث التليفزيونية السريعة فيكون الجانب البلاغي هو الأظهر والأقوى ، وهذا ما يجعلنا متأكدين تماما أن الأستاذ هيكل سوف يراجع هذا الأمر وقد يتراجع عنه حين يفكر في الكتابة عن أحداث الثورة.

............

لكن الذي حدث هو أنه ما أن اطلق هيكل هذه المقولة المتسرعة حتى سرت مسرى النار في الهشيم وتلقفها خصوم الإسلام السياسي واستخدموها استخداما واسعا في حربهم ضد التيار الإسلامي.

ونحن نستطيع أن نتفهم أحيانا هذا الاستخدام الواسع لهذه الأسطورة في هذا العراك السياسي المحتدم بل قد نلتمس العذر لبعض السياسيين حين يوظفون هذه الأسطورة كيدا في خصومهم ، بل أننا قد نلتمس العذر للناشط السياسي سعد الدين ابراهيم حين يستخدم هذه الأسطورة في معاركه السياسية ، لكننا لا نستطيع أن نغفر ابدا لعالم الاجتماع الكبير الأستاذ الدكتور سعد الدين ابراهيم أن يقع في فخاخ هذه الأسطورة وأن يستخدمها دون مناقشة ، وكم أتمنى أن يفكر الدكتور سعد في هذه المسألة بصفته عالما اجتماعيا وليس بصفته ناشطا سياسيا وسيرى الأمر في هذه الحالة على صورة مختلفة تماما ، وأنا أعتقد أن الدكتور يستطيع أن يراجع آراءه إذا ما اكتشف الحقيقة خصوصا أنه واحد من الذين اكتووا طويلا بنار الأكاذيب الصحفية طوال عهد مبارك لعل آخرها ما ذكرته بعض الصحف قبل الثورة بشهور قليلة عن تأييده لترشيح جمال مبارك رئيسا للجمهورية ولعل الذي تعرض للظلم لا يرضى لنفسه ابدا أن يظلم الآخرين حتى لو كانوا من خصومه السياسيين.

...................

بقيت مسألة نسيها كل الذين أطلقوا هذه الأسطورة وكل الذين استخدموها وهي مسألة العلاقة بين الشيخ القرضاوي والإخوان المسلمين ، حقيقة كان الشيخ عضوا بارزا في الإخوان ولازال حتى هذه اللحظة يعترف بفضل الإخوان عليه وبتأثره الشديد بالإمام الشهيد حسن البنا ، لكن من المعروف أيضا أن الشيخ قد استقال من الإخوان منذ أمد طويل ، ولعل الشيخ قد أقدم على هذه الاستقالة بناء على رغبة الكثيرين من محبيه وتلاميذه المنتشرين على امتداد العالم الإسلامي كله ، ولعل هؤلاء التلاميذ رأوا – ولهم الحق – أن الشيخ وقد انتهت إليه الإمامة واحتل مكان الصدارة في العالم الاسلامي فقد أصبح من الواجب عليه ألا ينتسب إلى جماعة إسلامية معينة حتى لو كانت كبرى الجماعات الاسلامية.

وأخيرا فإن الذين أطلقوا هذه الأسطورة أو استخدموها في عراكهم السياسي كان عليهم أن يسألوا أنفسهم هذا السؤال البسيط :

أيعقل أن يصل الشيخ إلى هذا المقام الرفيع الذي وصل إليه وتلك المكانة السامية التي تسنمها في قلوب المسلمين ، ثم ينزل بطموحه إلى ما هو أدنى من ذلك بكثير .

إن الذي يتربع بعلمه في قلوب مليار مسلم ما كان له أن يتنازل عن هذا كله من أجل كرسي زائل وسلطة فانية.

ما كان للقرضاوي أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.