رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

أعجوبة عصر الآلة (1)

لست أَدَّعِي لفظًا أنا ذاكره في العنوان حينما أنعت به رجلا من أهل زماننا، وإن لم يكن حاضرا بجسده بيننا، فلا شك في خلوده لنا وبنا، ذلك الرجل الذي أحب الحب فأحبه، وأحب الناس فأحبوه، وأحب الخير فاستدام له من بعده، عملا صالحا، وولدا راجحا.

إنه أبوهمام تلميذ العقاد والشيخ شاكر، والشاعر والمترجم والأستاذ الأكاديمي، الذي في عام 1945 جاء مولده، وفي قرية طوخ دلكة بالمنوفية كانت نشأته، فحفظ القرآن، والتحق بالمعهد الأزهري، ثم بالمعهد النموذجي, ثم دار العلوم وتخرج فيها 1970م, وعين فيها معيدا، ثم حصل على الماجستير 1974, ثم سافر في بعثة دراسية إلى جامعة مدريد عام 1976، وحصل منها على درجتي الليسانس والماجستير مرة أخرى، ثم على دكتوراه الدولة بتقدير ممتاز من جامعة مدريد 1983، وعاد إلى مصر أستاذًا ورئيسا لقسم الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم.
لم يكن أبو همام امرءا عاديا، أو أستاذا جامعيا فحسب، بل كان معلمًا صديقا، ومربيا حقيقا، يسعى إليه مريدوه، فيجدونه أبا، ويستقربه تلامذته، فيمهرهم حِكَمًا وأدبا، ولم يؤثر عنه يوما تقطيب، بل كان للجميع طبيبا.
ترجم عددا من المؤلفات بالإسبانية مثل: مسرحية خاتمان من أجل سيدة، وقصائد من إسبانيا وأميركا اللاتينية, ومن مؤلفاته: المازني شاعرًا، وشعراء ما بعد الديوان، وحديث الشعر، وفي الشعر العماني المعاصر، وترجم بعض شعره إلى الإسبانية والفرنسية، وانضم إلى عضوية المجمع اللغوي بالقاهرة عام 2012م، ثم وافته المنية منتصف ديسمبر من العام الماضي.
لقد رحل عنا وما ارتحل، وقضى نحبه وما انقضى أثره ولم يتوقف

دربه، وبقيت فينا سيرته ومسيرته، حتى إن الآلة لتتحدث بمآثره قبل الإنسان، فيحن إليه بنو الإنس والجان.
نُظِّمَتْ له مئاتُ الندوات واللقاءات في حياته، ومرات التأبينات بعد مواته، فاقتدى به كثيرون من أنداده ومعاصريه وأقرانه، ولكلٍّ شاكلة الاقتداء، طوعا واصطفاء، ومحبة ووفاء.
ماذا فعل هذا الرجل حتى تدمع لموته محركات سيارته، ونوافذ بيته، وضواحي بلدته، وطيوفات طلعته، وفواتح معيته، وشوارح بيعته، ونواضر كرمته؟!!
لقد فعل الكثير والكثير، حتى إن غزارتها لتقتضي صفحات وصفحات، ومداد من بعده مدادات، ولن يكفي ذلك كله للإحاطة بشمائله ومآثره.
إنها سلسلة من الصفات التي انماز بها، ومن الخصائص التي اجتاز ألفاظها، حتى عَلا في أعاليها، وغاص في أغاصيها، فصارت أنجاما لمريديه، وأحلاما لناقديه.
ونحن ها هنا عاكفون على تفاصيلها حبا في الإفادة، وطلبا للقدوة والريادة، ممن يأتون بعدُ، ولعل أولى هذه الخصائص ذاكرته الحافظة، وبارقة ذهنه الجاحظة، فبدأ بحفظ القرآن طفلا، فأصبح له نورا لمَّا صار كهلا، فعليكم بالقرآن وأهله، يكن لكم ذخرا وعزا ونهلا، ثم قل: يا قابضا مهلا.