رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ثورة الخراب على الغلابة

بعد يوم عمل طويل وشاق، وفجأة وأنا في طريق العودة إلى منزلي، سمعت صوتا غاضبا يأتي من خلفي يقول: الله يخرب بيت الثورة .

التفت متوقعا أن أجد شخصا من الفلول أو مواطنا يحمل على صدره قميصا منقوش عليه صورة الرئيس السابق مبارك أو شعار الحزب الوطني الديمقراطي المنحل، ولكني وجدت مواطنا بسيطا ربما يكون في نهاية العقد الرابع من العمر، نظر لي قائلا: عاجبك اللي إحنا فيه يا أستاذ.. قلت له محاولا تهدئته: ربنا يسهلها إن شاء الله.. قال لي بحزن: أنا عامل باليومية.. من يوم ما الثورة قامت وأنا مش لاقي شغل.. من أول رمضان بأكل عيالي فول وطعميه.. عندي بنت قعيده قالت لي يا أبويا بيع الكرسي المتحرك بتاعي وهات لنا لحمة أو فراخ بدل الزيت اللي هرى معدتنا ده.. أعمل ايه يا أستاذ؟؟؟.

لم يستمر الحوار طويلا مع الرجل البسيط الذي لم يكن يريد صدقة وأظنه كان يريد "الفضفضة" حتى لا ينفجر... هذا الرجل يمثل ملايين المصريين الذين فرحوا بالثورة في بدايتها ثم انقلبوا عليها بعد أن ضاق بهم الحال وانضموا إلى طابور البطالة، صحيح أنهم لم يكونوا يعيشون في رغد من العيش في العهد البائد، ولكنهم الآن أصبحوا في حالة أصعب، في ظل هروب رجال الأعمال، وغلق المصانع، وتراجع الاستثمارات والوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه البلاد.

الكل الآن في مصر مشغول بقضايا لا علاقة بها بالمواطن البسيط الذي من المفترض أن الثورة قامت من أجله، غرقنا في صراع فكري نخبوي حول هوية الدولة في مصر ما بعد الثورة، هل هي دينية أم مدنية، ولكني أبشّر الجميع أننا نتجه بسرعة الصاروخ نحو نوع جديد هو "الدولة الهمجية".

من لا يعجبه حال البلد يدعو إلى مليونية في التحرير، ومن لا يعجبه رئيسه في العمل يطالب بفصله، ومن يريد شقة يعتصم أمام ماسبيرو أو أمام مقر المحافظة، ومن يريد زيادة في راتبه يخرج إلى الشارع ويعتصم ويعطل مصالح الناس. ولو اعترض أحد على تلك السلوكيات يخرج محترفو الفضائيات للحديث عن حق المواطن في الاعتصام السلمي، ولو تدخلت الشرطة والجيش لفض الاعتصامات بناء على طلب الغالبية العظمى من المواطنين يبقى المواطنين فلول والشرطة والجيش أعوان الفلول.

الأحزاب والحركات السياسية والائتلافات الثورية والتيارات الإسلامية في صراع شرس حول الدستور أولا، أم الانتخابات أولا، أم المبادئ الدستورية أولا، ونسي الجميع أن المواطن البسيط يريد الخبز والأمن أولا، المواطن يريد أن يأمن على نفسه وأهله وماله.. المواطن لن يأكل دستورا أو يعالج نفسه بالمبادئ فوق الدستورية.

هل يشعر النشطاء السياسيون ومديرو المراكز الحقوقية، وهم حاليا أكثر من الهم على القلب، من أصحاب السيارات الفارهة، اللهم لا حسد، والذين أصبحوا ضيوفا مستديمين على الفضائيات
والصحف، بمعاناة المواطن البسيط؟ هل جرّب أحدهم معاناة ضيق العيش؟ هل استيقظ يوما من نومه فوجد نفسه بدون عمل؟، هل شعر أحدهم يوما بالمسئولية تجاه أسرته؟ هل واجه أحدهم ضائقة مالية؟ هل مشى أحدهم يوما في الشارع وأحسّ باستياء معظم المصريين من الاعتصامات والمظاهرات وحملات التشكيك في كل شيء من أجل لا شيء
.

أما رجال الإعلام فحدث ولا حرج، قصص وروايات من ألف ليلة وليلة حول الرئيس السابق وأسرته ورجال الأعمال، ربما يكون بعضها حقيقي، أما البعض الآخر فمن وحي خيال المؤلف، صحفي كبير يبدو أنه كان جالسا أثناء الثورة تحت مكتب مبارك ليروي لنا في رمضان ما حدث من خلافات في القصر الرئاسي، وصحفي آخر شاهد جمال مبارك يقود سيارته على كوبري أكتوبر، وثالث خرج بتصريح خطير لسجين في طره بأن جمال وعلاء تم تهريبهما على متن 3 طائرات هليكوبتر، وآخرون يدافعون عن قطع الطريق والبلطجة طالما تحدث في رمز الثورة ميدان التحرير، ويضعون كل من قتل أثناء الثورة في مصاف الشهداء رغم أنهم يعلمون يقينا أن هذا غير صحيح.
 
سقط النظام السابق لأنه تعامل مع الواقع بمزيج من الغرور والغباء، الغرور جعله لا يصدق أنه يمكن أن يسقط يوما ما، والغباء جعله لا يتحرك عندما رأى النار تشتعل في الهشيم، وعندما تحرك كان القطار قد غادر المحطة، الآن يتكرر نفس المشهد، النخبة تتصارع على الكعكة الثورية، والكل يريد تحقيق أكبر قدر من المكاسب، والشارع يشتعل من ارتفاع الأسعار ونقص فرص العمل والبطالة التي ارتفعت معدلاتها بشكل مخيف، وهذا يجعل مصر أمام قنبلة موقوقتة يمكن أن تنفجر في أي وقت وسيكون انفجارها عشوائيا.

هؤلاء يفخرون دائما بأن الثورة كانت شعبية، ولكنهم يتحركون في الاتجاه المعاكس لما يريده الشعب، وعليهم أن يحذروا انتفاضته وغضبه.. احذروا ثورة الغلابة.