عاجل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

الرائد وعبد الرزاق عبد الواحد

ألا رحمة الله تعالى على صادق الشعراء والمبدعين والإعلاميين من الماضين وممن ينتظر، وهم للأسف قليل حيال طوفان الأدعياء اليوم، وإن كان بعضهم، من أسف على الأسف موهوباًً.

ولله در الإبداع والمبدعين الحقيقين أصحاب الضمير الحي حيال بعض مدن عربية تكتب تاريخها اليوم من جديد، وتخلع عنها عباءة عشرات السنين من الاستكانة لحاكم من أبنائها ما أغناها بل أعجزها وأضناها فضلاً عن أشقاها، والمبدعون، اللهم إلا ما رحم ربي منهم يتسكعون عند أبواب التغيير غير مصدقين، فمنهم لاعق للنظام السابق هتف وهو يسقط، دون أن يعقل ما يقول:            
ـ النظام التونسي ثابت، النظام التونسي قوي، النظام سليل سياسة قوية منذ عام 1956م!              
  ولكأن التاريخ الذي ذكره يقودنا لمئات الآلاف من السنوات لا للأمس بلغة أعمار البلدان، ومن المدعين، لا المبدعين من قال ايضاً اليوم بنفس اللفظ تقريباً بل الحافر على الحافر، مع الاعتذار للأبل، ولتشبيهات الشباب اليوم لكل شئ زائد عن حده يدخل في باب البجاحة المفرطة بإنه منسوب للابل، فمن كذب الابل لخيانة الإبل والأخيرة بريئة من هذا وذاك، ومن أشباه أشباه المثقفين والمدعين من يهتف اليوم بك:                                                                                                 
ـ النظام السوري قوي، النظام السوري متماسك..                                                          
    أين عقولكم يا سادة؟                                                                                       
   أمثال (مجدي الدقاق) صموا آذاننا في مصر، هاتفين بأذكار قوة نظام مبارك، وأشباهه ذهبوا لمزبلة التاريخ في اليمن وفي ليبيا فيما أنتم لا تزالون على العهد لا تفهمون ولا تفقهون، ألا تعز عليكم أنفسكم؟!                                                                                                        
       ألا يصعب عليكم ما سيكتبه التاريخ عنكم؟   
        ألا تعلمون مصداقاً بيتي الشعر العربي القديمين الرائعين:
وما من كاتب إلا سيبلي          ويبقي الدهر ما كتبت يداه  
فلا تكتب بكفك غير شيء   يسرك في القيامة أن تراه

      فإن لم يؤلمكم ذكركم في التاريخ المقبل فليؤلمكم موقف لدى الله تعالى لن ينجو منه مخلوق، وأنتم مؤمنون به.                                                                                            
(1)
    حينما أتجاوز سنوات طويلة مقبلة أسمح لنفسي بأن تقول لهؤلاء:  
ـ إنكم في النهاية ستكونون هذا الرجل (عبد الرزاق عبد الواحد).
     شاعر بل من بقايا شعراء الفصحى الكبار في عالم اليوم ولكنه يحيا على إثر ذكرى ليست كذلك، وسبحان من لديه الدوام ومن يغير ولا يتغير..
(2)
    تعرفت إليه عام 1989م تقريباً في معرض القاهرة الدولي للكتاب، إذ كنت وصنو الروح الأول في الحياة الدكتور (نبيل فولي محمد) نتخلص من جميع مسئوليات الحياة في يناير من كل عام ونهرع للمعرض، كل ليلة نبقى حتى قرب ساعات فجر اليوم الذي يليه، ونقارن البرنامج بدقة لنعلم من سنسمع ومن سنترك بخاصة مساءً، ولما لاح لناظري إعلان أمسية شعرية في القاعة الرئيسية فيها الشاعر العراقي (عبد الرزاق عبد الواحد) تألمت إذ إن رفيقي في الحياة آنذاك لا الأول بل ربما الوحيد تخلى عني قائلاً:
ـ هو ليس (سميح القاسم)، ولا حتى (ممدوح عداون)، فلن أجد في الداخل (محمد الماغوط) كي أبقى الليلة معه.
     وكان هؤلاء من أبرز القامات التي لحقنا بها أو انتظرتنا في عالم الشعر في معرض القاهرة للكتاب. 
    ولما فشلت معه قررت استلاب الليلة كلها لا لأجل الشاعر ،بصراحة، بل لأجل العراق الذي كان يعاني بعمق، وكنت نقي القلب، أصدق ما زلت تلك المعاني، وإن كانت معاناة العراق تضيق نظير ما لاقى فيما بعد، ولو علمتم الغيب...
   المهم صبرت حتى صعد الرجل بمنصة القاعة الرئيسية، واحتفظت بمقعدي في الصف الاول مع ما كان يكلفني ذلك من شجارات إحداها كانت مع الراحل الدكتور (سمير سرحان) نفسه، رحمه الله تعالى، وقد تركت القاعة كلها له يومئذ، إذ إن ميعة الشباب كان لها ما يحفظها من الأدب والحمد لله.
   رأيت في عبد الرزاق قامة شعرية يغلب عليها الزهو الشديد بما يقول في حماسة غير محدودة، ومجاراة لعيون الشعر العربي، والسير خلف خطى المتنبي في الحكمة، وإن توقفت أثناء الأمسية فعذرت لصديقي العزيز، ولما قال الرجل إنه يهدي مائة تحية لوطنه العراق وجدت (المشاغب) بداخلي يصرخ به بصوت مسموع:
ـ بس؟!!
فما كان من الرجل إلا أن توقف وهتف بعصبية شديدة خلتها رجت مقعدي:
ـ الكلمة عند عمر بألف يا أخي!
   ولما تعجب المحيطون قال:
ـ أرد على الآخ الذي قال (بس).
ولكن أين منا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يا شاعر.
     باختصار الرجل قضيت الليلة وأنا أراه يتلبس شعره تلبساً شديداً حتى لكأنه يتجرعه فيسير في شرايينه، ولما سآلت نفسي:
ـ فلماذا لا يجود معانيه أكثر ليسير شاعراً تسير به الركبان؟
    جاءني الجواب على الفور ومنه هو حينما، آلى على نفسه، إلا أن يطعم الامسية بأبيات شعرية تفخر ب(صدام حسين) وعظيم انجازاته، بل حمايته للأمة العربية كلها، ومنها مقاعدنا (هنا).
وإذ كنت، حينها، أتعجب (بقسوة ) في نفسي علمت إن الأتباع هنا حريصون على دعوة تابع منهم من (هناك)، وإن كنت قد بحثت عن اسم الرجل في السنوات التالية ولا أذكر تحديداً أوجدته مرة أم لم أجده.
(3)
    سهرت الأمس أردد أبياتاً للشاعر الرقيق الراحل صاحب ألف ليلة وليلة (طاهر أبو فاشا) ألا رحمة الله عليه، وكانت امسيته علامة فارقة في تكوين نفسية حبيبي وصنو روحي (نبيل فولي) ونفسي، وبخاصة أبياته في ديوان راهب الليل الجميل:
راهب الليل لا ينام                          والجوى عنه لم ينم
عاشق الروح مستهام                            ضمه الليل والألم
هكذا نحن في القمم                            نصنع الخلد والقيم
وآذتني، على البعد، أحداث في مصر ما تزال فتذكرت رقة روحه إذ كان يقول:
أطلت في ليلها قيامي         وعشت في ضجة الصموت
وضل ركب الورى أمامي           فلا ثبات ولا ثبوت
وكنت أخشى من الكلام             فصرت أخشى من السكوت
إلا إن حلقة جديدة من برنامج (اضاءات) لتركي الدخيل استفزتني على قناة العربية وكان ضيفها صاحب (بس) القديم، صاحبي الذي حمدت الله أنه

أشار، إلي ليلتها، ولم يهبط لي في الامسية القديمة، ولم ينتظرني(في خارج القاعة بعدها)، ما يزال الرجل حياً، وما يزال يفتخر بصداقته مع صدام حسين، رحمه الله تعالى.
(4)
    لسنا في معرض الحكم على أحد، أياً من كان، بخاصة ممن ساروا في رحاب الله تعالى، فنحن أقل من هذا بكثير.
   ثم إن الله تعالى الرحمن الرحيم أولى بالواحد منا من نفسه، فإن تهنا عنه في حياتنا، لا قدر الله تعالى ولا كان، فإن صرنا إليه كان أولى بنا من أهلنا وذواتنا وأنفسنا..
  وإني لأشهده تعالى إن نهاية الراحل صدام حسين أثرت لبي كما أثرت لب ملايين المصريين صبيحة عيد الأضحى منذ سنوات قليلة جداً إلا إنني إذ أتعرض لأفعاله كحاكم، لم تك حياته تشي بهذه النهاية، إنما أفصل هذا عن ذاك، وكم من إنسان عاش حياة بعيدة عن مولاه ولما حان حينه عافاه الله تعالى مما فعل في حياته كلها:
و:
ملك الملوك إذ وهب
(5)
     قلت لنفسي أمس:
ـ ماذا يمكن للرجل الذي تجاوز السبعين أن يقول؟
  فوجدت لديه الكثير عن صديقه (المستبد الظالم)، حسب قوله، صدام حسين الذي أشعل له السيكارة وهو جالس مرة بينا الزعيم واقف وقال له:
ـ أو لست من أمة العرب؟!
     ولا حول ولا قوة إلا بالله  
     فهؤلاء، الزعماء، كانوا يحسنون رشوة أتباعهم، فمن هذا الشاعر بالعراق، الذي كان للأسف، أسأل الله أن يعيده علينا على خير، وحتى المدعو (طلعت زكريا) في (مصر مبارك) كما كان يقول السفهاء، وقد كان الأول يجلس مع الأخير، في (الطلعة الواحدة) بالساعتين، رشى مقنعة والله.
   وتدفق عبد الرزاق في الحكي، مع احترامي لسنه، في الحكايات والأبيات الشعرية التي يكملها بجهد جهيد لما تعبت من أمرها ومنه الذاكرة المنهكة، فروى عن الشعر وحب صدام له ولكرهه للفرس، هكذا، وروى عن قصيدته التي قررها صدام للوزراء تسمع مرة في اليوم حتى تهكم عليه الدخيل المقدم قائلاً:
  ـ إذن اسمعها لنا لعلنا نسير وزراء في حكومة صدام.
   حتى سماع الشعر كان في عهد الراحل بالقوى الجبرية وعلى حساب الوزراء.
   ولما (انجذب الرجل) حكى عن كتاب (فئة السائبة من البشر) الذي صاغه على نسق (القرآن الكريم) في عهد صدام، استغفر الله العظيم وتعالى الله عن ذلك علواً كبيراًَ، بل وكان يفتخر بأن القرآن الكريم يشبه ما أسهم في تأليفه، ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى، ولم يستطع قراءة في برنامج الأمس بعض منه لما خاف المذيع على برنامجه، وهؤلاء يعرفون مقدار صبر إعلامهم والناس عليهم وعلى ما يقولون.
   هكذا أتيت تلك البلد للأسف الشديد:
ومن أسف أقول:  
(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ. [هود:117].
(5)
     وصدق الله العظيم تعالى مرة أخرى: 
(كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ. كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ. فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ) الآيات 25ـ 29 من سورة الدخان.
ثم هاهو الشاعر ينعي على (بغداد) العباسية التي تقزمت على ايدي أمثاله بعد أن كانت حاضرة الدنيا والرشيد إنها لم تعد قادرة على احتوائه، وكبير عليها ألا تفعل لا عليه، ومرة أخرى:
  لا حول ولا قوة إلا بالله تعالى.
(6)
       أيا معشر المبدعين والمثقفين والصحفيين والمدعين: 
    مثل هذا خرب وطنه قبل دينه، وآسف جداً لهذا، وعاش حياة طويلة يتمرغ في حطام وطنه فما كان منه ومنه إلا أن طرد عنه.
أفتحبون أن تكونوا رواداً لأقوامكم في بلدانكم، التي ما زالت بلداناً لليوم لم تتوحد كوطن عربي واحد، والرائد لا يكذب قومه، كما قالت العرب، أم تحبون أن تكونوا مثل عبد الرزاق عبد الواحد؟
كمثل المتلاعبين بالنار اليوم..
وما أكثرهم..
ولكن تمهلوا فهو وطن يخص العقلاء ويخصنا مثلما يخصكم.
ولا حول ولا قوة إلا بالله تعالى.