رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
د. وجدى زين الدين

ألوان طيف البشرية والسياسة في سورة يوسف

في كل وقت تداخل أمور الحياة امام عيني أهرع لسورة يوسف لأزداد نهلاً من معين ألوان طيف أنواع النفس البشرية فيها، هاهنا فسيفساء نادرة التكوين، والقرآن الكريم كله كذلك، وإنما هي نفوسنا تدرك منه ما يناسبها كما قال الراحل الشيخ محمد متولي الشعراوي، رحمه الله تعالى، أما عن سورة يوسف لدي،

ولله المثل الاعلى مع التسليم بأن كلمات الله تعالى أجل وأسمى من أي تشبيه مهما علا، فإنما هو تقريب للأمر لمخيلتنا الضعيفة فحسب، فهاهنا لوحة كبرى حينما تدقق فيها تجد إنها احتوت لوحات متكاملة تمثل أنفساً هي خلاصة ألوان طيف البشرية في كل زمان ومكان، فمع تتابع المحن على المرء ينظر في الشخصيات من حوله، فهذا إنسان يكاد (يقر) بأن نفسه معدومة الامكانيات اللهم إلا فيما عدا الحفر للآخرين، وإضاعة مجهوداتهم، والقضاء على ما يظنه منافسة حامية الوطيس ما بينه وما بينهم، ولذلك فهو يجيد تضييع حياته وحياة من حوله، وهذا يتولى امر شعب فيضيعه بأن يغرق في ملذاته الشخصية وشغل الناس عن واقعهم المتردي بالكبت تارة وبالقتل والتضييق تارات، وأولاء يدعين أنهن سيدات مجتمع من الطبقة الرائقة فيما هن لا شاغل لهن إلا إضاعة الوقت في تتبع عورات الناس ونشرها والزج بهم في آتون الرغبات المنحطة، ولكنهن حينما تتبدى لهن الحقيقة ويغيب عنهن الإعلام المنحط يعدن للصواب من اتلقول والعمل، وهذا إنسان رائع يستحق كل الخير إلا إن عيباً بسيطاً فيه يضيع كل مجهوداته، وهذا إنسان يستحق الخير كل الخير إلا إنه لا يكاد يفيق من العراقيل التي يضعها القدر في طريقه، وهذا إنسان ينقلب حاله ما بين لحظة واخرى ففيما كنت تراه منحلاً ماجناً ما بين غمضة عين وإطرافتها تجده قد تغير تماماً فصار شخصاً آخر يفوق في ورعه وتقواه حياة عشرات الزهاد ممن قضوا أعمارهم في تقوى الله تعالى، إنها المنظومة الكاملة من حياة البشرية في كل زمان ومكان تجدها في السورة الكريمة، فلا تكاد تغفل لوناً من ألوان طيف البشر إلا وتورده بل تورد أيضاً خط سير حياته وتلمحك نهايته، منظومة متناغمة من البشرية، (فتبارك الله أحسن الخالقين) من ذا الذي لا يهتف بذلك ما بين حنايا آيات احتوت قصة يوسف دون غيرها من آي الذكر الحكيم، فقد اعتدنا أن تحتوي آيات القرآن على قصص عدد من الأنبياء تتكرر عبر ثنايا عدد من سوره، فلكأنها، ولله المثل الأعلى، قصة قصيرة ترد في كل سورة من زاوية معينة، أما صورة يوسف فهي رواية متكاملة في سورة واحدة، وصدق عز من قائل: (نحن نقص عليك احسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين).                                                    
         ما طالعت أخبار العالم إلا ووجدت مصداقها في السورة الكريمة، وما وجدت نفساً بشرية إلا ووجدتها هنالك، بخاصة في بلدي الحبيبة مصر، على نحو رائع الدراما فيه رائقة لا تجد فيها لا الخطأ ولا الفتور البشري، على الأقل عبر آلاف الساعات من الدراما البشرية التي تجد البشر فيها إما بيض النفوس لا يفهمون شيئاً في الحياة ولا مكرها وسلبياتها، وإما سود الطوايا كل همهم في الدنيا تحصيل أكثر ما يستطيعون من ما يريدون، ولا مكان في تلك الدراما، من الناحية الشكلية، للرماديات من الألوان وللأشخاص الذين يتحولون لا غفلة ولا فجأة ولكن نتيجة لتراكمات واضحة جلية.             
      أما صورة عالم اليوم السياسي المتخبط ومن يسعون لتصحيحه فوجدتها لدى شخصيتين من شخصيات السورة الكريمة:                                                                               الأولى: السياسي اللاعب بالبيضة والحجر في سبيل تحصيل متعته الدنيئة، مما سأتوقف لديه بشئ من التفصيل بعد قليل، إنه (عزيز مصر) وكم أتى على مصر من عزيز منذ مبتدأ الزمان؟           
    أما السياسي الثاني: فإنه الملك ليس من أهل مصر بل من الهكسوس المحتلين ولكنه أحسن لنفسه كثيراً ولمصر على نحو فريد سنأتي عليه حفاظاً على جلال السورة إذ يجب أن نتعرض لها بترتيب أحداثها ولكي لا نحرم أنفسنا من هذه المتعة.                                                        
     ويبقى الآخ الأكبر ليوسف عليه السلام نموذج فريد وحده من نماذج السورة الفريدة، إنه الإنسان بكل ما فيه من لحم ودم، إنه صورة البشرية التي تود الخير كل الخير ولكن نوازع الخير فيها غير مدفونة، وإن بدت بعيدة بعض الشئ، وللحقيقة فإنه نموذج قريب للنفس، فإن كان كل واحد منا سيجد شخصاً يشير إليه بأصبعه قائلاً هذه نفس تتماس معي، فإنني في كثير من مواقف الحياة استدعي صديقاً للذاكرة كي أمعن في فعله موقناً إن الموقف الذي أنا فيه أعانى من أكثر منه من قبل هذا "الرجل" نموذج للنفس اللوامة التي إن أخطأت عرفت إن طريق العودة واجب، مع استشعار للحرج والمسئولية المطلقة.                                                                                 
     أول تلك النفوس البشرية ونكاد نقول أعظمها على الإطلاق، في السورة، سيدنا يعقوب، عليه السلام، نبي بن نبي نبي، يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عليهم السلام جميعاً، ومع ذلك فهو خبير في النفس البشرية، التقوى والورع والعلم الذي وهبه الله إياه استوجب أن يكون ماهراً في معالجة ضعف النفس البشرية بل قيادتها عبر دروب الحياة للطريق المضئ البعيد عن الشرور، هاهو يدرك أن أبناءه عصبة مجموعة قوية متماسكة، فيما عدا يوسف وأخيه، فصغار لعلهما من أم ثانية، ولذلك فقد كان مع حنانه بالكبار يخصهما ببعض(الحب)، وحينما يروي له يوسف قصة الرؤيا التي فيها سجود أحد عشر كوكباً والشمس والقمر أولها يعقوب فأحسن تأويلها، ولكنه نصح يوسف بعدم رواية ما رأى لإخوته منعاً من أن (يكيدوا لك كيداً) وأرجع الأمر للشيطان، ثم هو نبي لما سمح للإخوة بأخذ يوسف برغم قوله:(إني ليحزنني أن تذهبوا به) ولكنه يسمح لهم بهذا لإنه لا يريد أن يعمق الفجوة ما بين إخوة يوسف ويوسف، ثم هو محنك في الفهم إذ علم إن أبناءه الذين أضاعوا يوسف كذابون، لما عادوا بدونه، إذ يدعون إن الذئب أكله، ولكن لعله لمح أنهم أبعدوه إلى حيث لا يعلمون هم أنفسهم، ثم هاهو ذا بعد سنوات طويلة يجد أبناءه، هم هم يطلبون الآخ الأصغر هذه المرة(بنيامين) ليذهبوا به إلى مصر للحصول على الزاد الذي حرموه في الزيارة الأولى، نظراً لكون القائم على خزائن الأرض، وهم لا يعلمون إنه أخوهم الصغيريوسف، فيعطيهم الآخ الثاني بعد أن يأخذ منهم موثقاً من الله (لتأنني به إلا أن يحاط بكم) وهو يحتاط للأمر، ثم ها هو الذكاء الاجتماعي، إن جاز القول مع نبي، يقوده ليأمر أبناءه بعدم الدخول من باب واحد على القائم على خزائن الأرض في مصر، إذ إنه يعلم (يعقوب) إن كثيراً من البشر لا يحبون الخير للآخرين، وإنهم يحسدون من كان له أحد عشر أبناً مثله، وهم لا يعرفون ولا يقدرون ما يعانيه مثل هذا الأب، كدأب من يحسدون الآخرين على الدوام فينظرون للجانب المضئ الذي يحبونه ويغفلون عما لا يعلمون من معاناتهم، وسيدنا يعقوب إذ يفعل ذلك يعلم أنه(ما كان يغني عنهم من الله من شئ قضاها إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) إنه قلب الأب الصادق، ويعلم إن إرادة الله غالبة، ولا ينفع معها الحذر الزائد، وإن كان أكثر الناس في الحياة لا يعلمون ذلك، وإن أخطأ الابناء فإنه إنما يحافظ عليهم من وساوس أنفسهم قبل الشيطان، ثم هاهو يعلم إن بنيامين قد أخذ هو الآخر فلا يقول ما لا ينبغي من القول، ولا يزيد في تأنيب أبنائه بل يأمرهم بالعودة لمن أخذ منهم أخاهم (بنيامين) بل ويقدم أمر يوسف وهو يرقق قلوبهم إذ يقول:( يابني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) في قلب المأساة يهديه إيمانه بالله تعالى، ويخاطب أبناءه بأحب الألقاب إليهم(يابني) ويذكرهم بأخيهم الآخر المفتقد، إنه القلب العامر بالإيمان مهما أضنته الحياة يعلم إن له رباً كريماً سينجيه منها، ولذلك كانت النهاية سارة، فقد جمع الله عليه أهله كلهم، ثم هو بعد ذلك يؤجل استغفاره للأبناء الذين فعلوا بيوسف ما فعلوا مع مسارعة يوسف نفسه بالعفو عنه، فياله من ادب نبوي كريم لا يعتب ولا يلوم وإنما يكتفي بالتلميح.                                                                                           
     إخوة يوسف صورة عجيبة لتفاصيل معهودة لكن كثيرة التغير في أشكالها، للنفس البشرية المحبة للاستزادة من الخير كل الخير هاهو أبوهم نبي، وقيل إنهم كانوا أنبياء، أبوهم محب لهم ولأخيهم وبنيامين،ولكنهم يريدون هذه المحبة لهم وحدهم فحسب، وهم لنوازع الخير يبدأون مخطط إقصاء يوسف عن أبيهم لئلا يكون أحد في وجهه إلا هم، يبدأون بالقتل باقتراح أن يقتلوا يوسف ثم لنوازع الخير يتدرجون فيقول أكبرهم فقط نلقيه في غيابة الجب ولسوف يعيش، إنه الآخ الأكبر ،المقترح، واحد منهم ولكنه لا يريد ليوسف شراً يقضي على حياته، ثم هاهو الآخ الأكبر، نفسه، يعيش الأمر مرة أخرى إذ يفقد (بنيامين) بغير رغبته بعكس ما حدث مع يوسف، عليه السلام، ولكن نوازع الخير المطلق يكتمل استيقاظها في نفسه، الرجل تعلم الدرس على مدار سنوات طويلة، فقد أرادوا الاستحواذ على الخير كله المحبة الكاملة من ابيهم، فلا هم الذين أبقواعلى المحبة السابقة لأبيهم، ولا أبقوا على أخيهم، فأبوه لا ينساه، ولم يعد معهم كما كان في البداية، وإن تسلى قليلاً ببنيامين عن فقد يوسف فهل من المعقول أن يضيع من بين إيديهم الأخير؟ إنه صورة من صور النفس اللوامة، تستشعر عظيم المسئولية، وتتذكر خطأها منذ سنوات طويلة، وإن لم تخطئ اليوم، هؤلاء هم ملح الأرض، الخير الباقي فيه، إنه بشر يخطئ ولكنه يترجع لما يعلم جريرة الخطأ، هاهو يفضل قسوة الغربة في مصر على أن يعود لأبيه في قرب الشام، أما الرسالة هذه المرة فصادقة، بعكس ما قال مع إخوته عند تضييعهم ليوسف، وهكذا ينجينا الصدق دائماً، وها هو يفضل المصلحة العليا للعائلة على مصلحة نفسه إذ لعله القائل:"خذ أحدنا مكانه" ثم هاهم في النهاية القصة كلها إخوة يوسف لما يعلمون الحقيقة لا يلتاعون أو يعترضون أو يصيرون صورة من فلول الماضي، حاشا لله، بل يعترفون بكون يوسف أفضل منهم، إنها النفس السوية المنغمسة في الخير لما تخطأ لا تتمسك بخطئها بل تتراجع لما يتبين الصواب لها، ولو استمر الأمر لسنوات، ولو استمرت رحلة الوصول للصواب آلاف الأيام والليالي. 
     وفي الحياة كم نفاجأ بأشخاص يبرزون لنا من تحت الأرض، هكذا يخيل إلينا، حينما نجدهم في الملمات يتاجرون فينا وبثمن بخس، هو عال بالنسبة لأنفسهم غير

السوية، هذا هو امر السيارة، وكل سيارة البشر ممن يتكاثرون عند ما يعتقدون إنه مكسب ويقلون عند المغرم، هؤلاء اشتروا يوسف، بعد أن أخرجوه من البئر، وبثمن بخس، وعاقبهم القرآن الكريم بأن تغاضى عن سيرتهم فيما بعد، ولم تكن تبدو على يوسف علامات العبودية للبشر، ولو دققوا في الأمر لعلموا أن هناك خلافاً ما بين إخوة يشبه بعضهم بعضاً، ومع هذا قادوا يوسف معهم إلى أراض غريبة عنه، وهو بعد بالغ الصغر في العمر، حدث ولا حرج عن اعضاء مجلس شعب وغيره، ورؤساء مجالس، ومسئولي قطاع عام بل عن موظفين مرتشين يقبلون ما لا يقبله إنسان كريم، والعزاء أن الله تعالى اكبر من مكرهم، وأنه يتدخل في الوقت المناسب، تعالى، للتصحيح، وإعادة الأمور لنصابها، لنعلم ان هؤلاء ما جرى إلا ما قدره الله على أيديهم، وقد كان الخير فيه باطن وإن استمرت المعاناة لسنوات، أرادوا تضييع يوسف فقادوه لحيث نصره الله تعالى وعلمه بل جعله سيداً على كثير من الناس من أمثالهم.                        
     لملعزيز مصر: حدث ولا حرج عن نفس بشرية اقتربت من الحيوانية بل عانقتها، يرى السياسة رداءه وعفته وكرامته، ولا يهمه طالما أشبع بطنه وفرجه أعدل ما بين الناس أم أساء، بل يعلم أن أهل بيته مخطئين زناة، أو يريدون أن يكونوا كذلك ولا يهتز له جفن، خطأ في زمرة أخطاء هو يحيا ما بينها ويتقلب فيها، أمر بيته لا يهمه فلماذا سيهمه أمر البشر ممن هو مسئول عنهم، راجع من فضلك مسئولين بارزين وروساء أساؤوا ولم يحسنوا وباعوا كل نخوة بشرية من أحل متعتهم ثم ذهبوا لمزبلة التاريخ التي لا ترحم، ذكر الله تعالى الرجل في المواقف التي لا غنى فيها عن ذكره ثم أهمل تماماً شأنه، فهو لا يستحق. ويبقى "عزيز مصر" في القصة مثالاً للسياسي القح الذي هو مستعد للتحالف مع الشيطان ذاته في سبيل تحقيق مصلحة حياتية رخيصة، إنها صورة "ممجوجة" في كل زمان ومكان "موجودة"، مصلحتها رقم واحد في الوجود كله لا مكان لديه لا لشرف ولا مكانة ولا لدور ولا لكرامة، عفته مهدرة، أهل بيته زناة كانوا أم أتقياء ذلك أمر فرعي لا يشغل باله، يدخل المظلوم السجن من جراء ضغط الجاني الذي يلعب بالنار ويحرق العزيز نفسه، أول ما يحرق، ذلك أمر لا بأس به لديه المهم عنده أن يحيا في بحبوحة من العيش اليوم ولا مكان لأي قيمة.                                
      أما امرأة  العزيز فقصة أخرى تتماس مع إخوة يوسف، مع بعد المسافة الاجتماعية، ومع ملايين الملايين من البشر الآن وكل آن، صورة لمن تعتقد إنها المرأة رقم واحد في البلاد، همها الأكبر كل ما يخطر على بالها من نهل للمتع، وفي سبيل ذلك تعرف إنها لا تملك القوة اللازمة فهي تعتمد على المكر والدهاء ومن قبلهما الكيد، لا شئ في قانونها ممنوع أو لا يشترى، كل ما في الحياة له ثمن بالنسبة لها، يأتي لها زوجها بطفل يريده خادماً ويتمناه ولداً، ثم هو ينمو تحت عينيها فلعل ذلك يحرك فيها عاطفة الأمومة، يبدو أنها كانت محرومة منها، أما المفآجأة العظمى أنها مالت بنفس غريبة نحو سيدنا يوسف محاولة أن تتخذه حبيباً، وتفننت في ذلك، ولم تستح، وقد انتشر أمرها ما بين نساء الطبقة التي تنتمي إليها أن تجأر ما بينهن بأنها، بالفعل، حاولت "الفعل" المشين، إنها نفس مع كل ذلك تتوثب لتنال من الحياة ما تريد، وتظن إنها إذ تنال ذلك تقتل الوحشة التي تجدها في أعمق سويداء النفس منها، إنها نفس ملوثة بواقع منغمس في الرذيلة، وفي مجتمع لا يحض إلا عليها، وهكذا يزداد التحدي قوة في داخلها، سيفعل ما (تأمره) وكأنما انحطت النفوس من علياء النفس اللإلهي لدونية الأمر في الفاحشة، أما السؤال الذي كان يؤرق نفسها فقد كان عن القوة التي واتت يوسف عليه السلام ليقف في وجه رغبتها، كانت ترقب نفسها إذ تأخذ الأمر على محمل التحدي، وإذ تنجرف في جرف هاو من تبعات الرغبة المحمومة، وإذ تصب جام غضبها على من لا يحقق لها تلك الرغبة، لإنها لا تريد أن تفهم للطهر معناً، وهي إذ تمادت في السوء كانت مثالاً لكل نفس لا ترى إلا الطريق الخطأ باباً لاستمرارها، وما أكثرهم اليوم من فنانين وغير هذا، لكن لما احتدم الأمر وراقبت السنين، وهي لا تزيد يوسف، عليه السلام إلا إصراراً على التطهر أدركت أنه صادق، وان هناك عالماً غير الذي انغمست فيه يستحق منها أن تفكر فيه، هنا جاءت لحظة التطهر من نفس أثببت أنها عظيمة إذ تتخفف من طريق من يتخفف منه قليل، ولذا قيل إنها تزوجت من يوسف، عليه السلام، لتنال حلالاً ما أرادته في البداية حراماً، ولتظل نبراساً لكل نفس تتطهر مهما انغمست في الخطأ، وقليل من استطاع السير على دربها.                                                                                         
      نساء الطبقة الغنية المرفهة، بقية الطبقة المخملية، أولاء النسوة من مرتادي الملاهي بأنواعها، لا يهمهن إلا تتبع عورات المجتمع، وبود إحداهن لو انغمس في الرذيلة اكثر فأكثر لمجرد أنها لا تريد أحداً أفضل منها، إنهن ربات القصور المترفة، الأقرب للنموذج الغربي للحضارة الاستهلاكية بلا روح ولا كرامة، لذلك يظنن الملاك رجل جميل لا أكثر، فيلهبن رغبة امرأة العزيز فيه من حيث يردن لومها، ولعلهن يردن منه نصيباً، نساء الكبراء حينما يفسد البلد، ولكن طاقة الخير لها داخلهن مكان، شهدن مع امرأة العزيز في حق يوسف بالخير لما أدركن أنه مصر على السير في درب الخير فلعل الله قدر لهن الهداية.                                                                                
    أما ملك مصر، الذي كان من الهكسوس فمثال للمحتل الذي يستعمر ولا يخرب، فمثال للإنسان المحب للخير ولو في غير بلده، رجل عظيم العدل نفتقده كثيراً في عامنا اليوم من أسف شديد، يتولى دولة ليست له فيقيم بالخير فيها ويسود سيدنا يوسف وينصفه لا لشئ إلا لأن نفس الملك عظيمة من داخلها أين هذا من حكامنا اليوم؟ ومما نتأمله في غد بإذن الله تعالى من أمر حاكم عادل.                                
     في المنتصف كان الفتيان اللذان دخلا مع يوسف السجن لما تحدثا بأمر امرأة العزيز، إنهما مثال للشعب الذي لسانه في أذنيه، كما قال أحمد شوقي، رحمه الله تعالى، يرددون، ويعايشون الخيرات ولا ينالون منها، وتقع الطامة عليهما، يموت أحدهما، ربما بلا جريرة، ويحيا الآخر ربما بلا فضل، إنها الجموع الحائرة ما بين هذا وذاك ولعل نصيحة سيدنا يوسف لهما قد أفادتهما كثيراً، إنه الشعب يشتهي من يأخذ بيده قبل النهاية الحلوة أو المرة.                                                           
      أما الفلاح المصري الذي عاش قبل مجئ سيدنا يوسف بلا خطة للزراعة فلما جاء الأخير جعل من مصر (خزائن الأرض) سلة غذاء العالم فمثال للإيجابي من شعبنا فقط يجد من يأخذ بيديه.     
     ألستم معي في أن كل نفس ستجد مبتغاها في قصة يوسف، وإن المتطهر والإيجابي سيجد مثاله أيضاً، فيما يبقى سيدنا يوسف درة تاج القصة.