سلفيو الاقباط.. وسلفيو تدمير السياحة
قد يندهش القارئ من نصف العنوان «سلفيو الاقباط» ويسأل ما علاقة السلفيين المسلمين - الذين أفسدوا فرحتنا بالثورة وبرمضان كما قال أستاذنا شيخ الأدب خيرى شلبى وأقباط مصر؟ والإجابة لها شقان الأول أن سلفيى مصر رغم وهابيتهم وانتمائهم الواضح و الظاهر والمعلن لجماعة ابن باز فى السعودية والذين يمنحون لهم عبر المملكة الملايين والمليارات من الريالات والدولارات لكنهم شئنا أم أبينا مصريون ومحسوبون علينا ويحملون الجنسية المصرية
وكلمة قبطى كما سبق وشرحنا مراراً تعنى مصرى فى اللغة المصرية القديمة التى تطورت وتهجنت بالعربية وصارت لهجة وممارسة وحسب دراسات مجمع الخالدين فإن ما ينطقه المصريون اليوم من لغة ليس عربياً صرفا بل هو خليط من اللغات المصرية القديمة الهيروغليفية والديموقيطية والقبطية (لغة الكنائس) إذن فالسلفى المصرى هو قبطى مسلم يتنفس ويتكلم تاريخاً وجينات ليست عربية صرفة بل هى خليط يجسد ما أسماه جمال الغيطانى فى حواره الرائع مع الصحفى النابه خيرى حسن «بالتحويجة» المصرية .. سمها تحويجة أو خلطة ، المهم ان ما يحاول أن يفعله مستوردو الوهابية اليوم هو الخروج من هذا الانتماء التاريخى والوطنى للوطن مصر والذى تميز أيضاً بتشربه للاسلام الوسطى السمح إلى الاسلام الصحراوى الوهابى المصدر ـ بفتح الدال ـ من الجزيرة العربية بما أسماه الشيخ محمد الغزالى «فقه الصحراء». لتفرقة مصر الوسيطة المعتدلة الذى عرفت الاديان و التوحيد قبل الدنيا كلها من النسق الحضارى للتدين و الذى يجمع بين الدين و الدنيا ويدعو للتعايش السلمى بين كل الطوائف والاطياف إلى نموذج يصدره لنا السلفيون اليوم وهو النموذج السعودى الذى على رأسه جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والذى يحول الدولة إلى دولة تسمى دينية يبدو التشدد الشكلى رايتها العلنية بينما هى فى السر تمارس كل أنواع الرذيلة المغطاة بقشرة متزمتة فقط ، وأعود لسؤالى ما علاقة كل ذلك بعبارة سلفيى الاقباط؟ و الحقيقة ان الاجابة هنا ليست من عندى بل هى من عند الباحث القبطى المثقف مدحت بشاى و الذى فاجأنى أن هناك سلفيين لدى الاقباط وعندما شرح مقصده فهمت أن هناك متزمتين فى المسيحية يتمسكون بما يعرف بكتاب «السنكسار» أو «السنكسارات» وهى مرجعية مسيحية قديمة تحوى سير الأباء القديسين و الطقوس و الصلوات و الصيام وحسب قول الباحث ينادى حفظة «السنكسار» بالتمسك باللغة القبطية و استمرار الصلاة بحروفها والاصرار على ترانيم معينة حسب الانتماء التاريخى لعصور تاريخية قديمة ، ويقول نحن هنا امام مواطن مسيحى تم استقطابه لصالح التاريخ الكلاسيكى التقليدى الروحى المدعم بالفكر الآبائى السلفى ويدعم ذلك رسائل متشددة صادرة بإلحاح من رموز الكنيسة على التشديد على حروف النص وتعاليم الآباء ويختم كلامه موضحاً فكرته بأن هذا التأثير الآبائى السلفى نتائجه فى مشاكل الأسرة المسيحية وقصور أداء الادارة الكنسية فى تفكيك أزماتها مؤخراً وهو ما يؤكد التأثير السلبى لذلك الإلزام التقليدى دون قراءة أكثر شمولا لواقع الناس وهمومهم إذن فالكاتب هنا يحذر من «السلفية» فى المسيحية ويحذر الكنيسة من استمرار هذا التعنت و التمسك بتاريخ منقول منذ مئات السنين وطقوس وقواعد مسيحية تجاوزها الزمان و الناس وإيقاع العصر. ولعمرى هذا بالظبط ما نعانيه مع سلفيى اليوم من الاسلاميين الجدد الذين حاصروا الاسلام وقزموه فى الطقوس و الشكل (جلباب ولحية و نقاب ) واختزلوا جوهر الاسلام وعظمته وقوته العقلية وطاقته الروحية الهائلة فى سفاسف الأمور ، وتمسكوا بالنقل ضد العقل وبالرواية ضد الدراية كما قال الامام الشافعى، لقد كنت أول من كتب عن تأثير تصريحات رموز السلفيين على وجه مصر الحضارى ومدنية الدولة وميزة مصر الرائعة بسبيكتها البشرية السحرية وقدرتها على استيعاب كل الأجناس والأعراق وتعايشهم معاً وهو ما جعل آثار مصر تمثل ربع أو ثلث آثار العالم لما فيه من خليط حضارى مذهل جعل الهوس بالحضارة المصرية مصدراً لفخرنا وهو ما يعرف «بالايجبت مونيا» آى الولع بمصر ولولا قيمة مصر الحضارية والأثرية ما اهتم العالم بثورتنا واعطاها كل هذا الزخم ورد الفعل، وتوقعنا بعد الثورة أن يزيد عدد السياح واستبشرنا خيرا بالرخاء المنتظر من موارد السياحة فى ظل توقف الصناعة واضطراب الزراعة وضعف انتاجية العامل و الموظف المصرى (7 دقائق فى اليوم) وسط هذا حدثت حادثة ـ كتبت عنها ـ منذ شهرين فى الغردقة عندما سافر عدد من السلفيين ليقطعوا طريق الغردقة حاملين رايات سوداء عليها شعارات السياحة حرام. ولا اعلم ما سر اللون الاسود فى ايدى السلفيين. وكان قد حدثنى صديقى الفنان هشام سليم الذى شاهد المشهد وهو بالغردقة وأصيب بصدمة جعلته يسألنى احنا رايحين على فين؟
فى الختام أنا رغبت أن اتحدث عن بعض تجليات السلفية على أرض الواقع المصرى الآن نحن لا نريد أن يتحكم فى المصريين لا سلفيى الاقباط المسيحيين ولا سليفى الاقباط المسلمين . نحن نريد مصر ذات الوجه السمح البشوش المشرق المعتدل الوسطى الذى يستقبل ضيوفه من كل دول العالم لا براية سوداء ولكن براية سماوية بلون التركواز ، بلون البحر المتوسط بإبتسامة الواثق وزند المجتهد، نريد مصر القوية بلا تطرف السمحة بلا تعنت مسلموها ومسيحيوها يعملون تحت شعار «الدين لله والوطن للجميع».
alghiety@yahoo.com