رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل
رئيس حزب الوفد
د.عبد السند يمامة
رئيس مجلس الإدارة
د.أيمن محسب
رئيس التحرير
عاطف خليل

ورحل القاضي نصير الشباب

 

اعتصر قلبي حزنا على فراق أستاذي وأخي ومعلمي عادل القاضي، وكدت أفقد عقلي من هول الصدمة، حينما تلقفت خبر وفاته بمجرد دخولى بوابة الوفد عصر الاثنين 25 أبريل 2011.

للوهلة الأولى لم أصدق النبأ، لكن الأجواء من حولى تؤكد ذلك، إذ رأيت الزملاء بالبوابة ينخرطون في بكاء شديد، لم أتمالك نفسى أنا الآخر، وشعرت وكأن السند الذي كنا نتكئ عليه إذا تعثرت بنا الحياة قد غاب فجأة ودون سابق إنذار. هكذا كان عادل القاضي الذي أعتبره نصير الشباب.

ترددت كثيرا قبل أن أكتب في رثاء أستاذي القاضي، فكلمات الدنيا لن توفيه حقه. لكن راودتني نفسي أن أكتب ولو كلمات بسيطة أسجل بها حبي وإجلالي لأغلى وأعز الرجل.

التقيت أستاذي المبجل أوائل عام 2008 حينما كان رئيسا لتحرير شبكة الأخبار العربية "محيط"، ثم انتقلت للعمل معه بشبكة "إسلام أون لاين.نت" حيث كان مديرا لتحريرها، وبعدها رئيسا لتحرير موقع "أون إسلام.نت"، و"بوابة الوفد الإلكترونية".

لقد احترت في شخصية هذا الرجل الرائعة. رأيته رحمه الله أكثر المشجعين للشباب، يحاورهم، يشاركهم أفكارهم، يأخذ برأيهم حتى في أبسط الأمور. كان يعتبر أن شباب هذه الأيام مظلوم، فلا قدوة طيبة، ولا ناصح أمين، فاستطاع ببراعة شديدة أن يلعب هذا الدور الرائد.

سمعت من رفقاء القاضي أنه كابد الحياة كثيرا في شبابه، وكان مثالا للشاب المجد المجتهد الطموح، الباحث عن الحقيقة، لكنني رأيت القاضي بعد أن أصبح رئيس تحرير، وكأن لسان حاله يقول لنا نحن الشباب، لقد قاسيت مثلكم، وعشت ظروفكم، فالآن أنا نصيركم، وبكل الحب والود سأقف بجواركم حتى تعبروا تلك المرحلة الصعبة.

كان القاضي رحمه الله لا يؤمن بالواسطة أو المحسوبية، بل كان يقف في صف كل مجيد، ويبذل قصارى جهده حتى يراه أفضل ما يكون. لم تكن له يوما من الأيام "شلة" تحظى بصحبته دون الآخرين، ولم أرَ مكتبه يوما مغلقا أبداً، بل كان مفتوحا على مصراعيه، لأنه كان لا يؤمن بالحواجز بين الناس، يقابل كل من يعمل معه دون تكلف.

كان رحمه الله أستاذا في مهنته، مطبقا لمبادئها وميثاقها الشرفي، لا يحيد قيد أنملة، مهما كان الثمن. لقد تعلمت وزملائي منه الكثير. ذات مرة قال لأحدنا مشجعاً "أنت كالجوهرة التي يغطيها بعض الأتربة". بينما نصح زميل آخر بقلب الأب "إياك والكسل والاستسهال فإنها يدمران الصحفي". ناهيك عن تشجيعه للزملاء الجدد وشحذ هممهم حتى يقدموا أفضل ما لديهم.

كنت أرى القاضي مهموما بمن حوله، فهذا شاب يبحث عن مكان محترم يحتويه، ويثبت فيه هويته، وتلك زميلة تبحث عن عمل حتى تساعد أسرتها على غلاء المعيشة، وثالث يبحث عن عمل إضافي حتى يبنى عش الزوجية، كل هؤلاء يفكر فيهم ويقاسمهم هموم الدنيا،

بل يسعى جاهدا أن يرى البسمة ترتسم على وجوههم، فتنتقل تلك البسمة بدورها إلي وجهه الوضاء فتزيده نورا.

حينما يراني مهموما يقول، "تعالى يا محترم، وقول لي إيه اللى شاغل بالك كدا، عندك مشاكل..؟" وبمجرد أن أشكي له همي، أرى وكأن حجر بلال بن رباح قد زال عن صدري. حتى إن انتهيت يبادرني بابتسامة مشرقة، ويقول، لا تخجل يوما أن تصارحني وتحكي لي أي شيء يضيق له صدرك، "وكل مشكلة ولها حل بإذن الله".

كان رحمة الله عليه نصير الغائبين، يحفظ غيبتهم ويذب عنهم، فلا يجرؤ أحد أن يذكر غائباً أمامه بسوء حتى إن كان مختلفا معه في الرأي، فقد تجسد فيه حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: "المؤمن مرآة المؤمن، المؤمن أخو المؤمن، يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه".

رأيت القاضي يعين من حوله حتى على أداء الطاعات والصلوات في أوقاتها، فلا تمنعه ضغوط العمل عن أداء الصلاة في وقتها. وحينما انتقلت للعمل ببوابة الوفد كان القاضي يدعونا للصلاة، وبمجرد أن يحين الوقت، يطلب ممن يقيم الصلاة أن يرفع صوته حتى يدرك الزملاء الصلاة في جماعة.

القاضي كان محبا للقرآن، ولا أبالغ إن قلت أنه كان قرآنا يمشى على الأرض. كنت في عمر أبنائه، لكنه كان يحب أن أئمه في صلاة المغرب والعشاء، وينادي "محمد أفندي.. يا إمام؛ نادي الشباب ويلا هنصلي".. والله وكأني أسمع صوته الآن وهو يعيد قراءة الفاتحة بعد أن أفرغ من أدائها، وكأني أراه جالساً بعد الصلاة ليأتي بالأذكار النبوية ثم يختم بالنوافل. رحمك الله يا أستاذي ومعلمي.

اللهم اجعل كل سجدة سجدها القاضي لوجهك الكريم. اللهم ارفع درجاته، واجعله في عليين، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.. اللهم آمين.